23 ديسمبر، 2024 7:50 ص

أفزعتني ابنتي الصغيرة عندما شكت لي من رفض معلمتها خروجها من الصف خلال الدرس لاستخدام المرافق الصحية ، لم يفزعني رفض المعلمة بقدر السبب الذي يكمن وراءه ..قالت ابنتي :” انهم يسمحون فقط (لأبناء الحكومة ) بالخروج ” ..” ومن هم أبناء الحكومة ؟” سألتها بوجل لأنني موقنة من عدم وجود ابناء للمسؤولين الحكوميين في مدرستها ، قالت :” أبناء الحكومة هم أبناء المعلمات ..انهم يطلقون عليهم هذا اللقب لتمييزهم عنا ” …أثار هذا الحوار في داخلي ردود فعل غريبة ، لم أعد أدري ان كنت غضبت أم استغربت أم استنكرت الأمر ، لكنه كان أمرا صادما بالفعل !!…

أنا أدرك جيدا ان من الضروري وجود مسافة بين المعلم والطالب لينظر الطالب لمعلمه كسلطة تستوجب الاحترام والطاعة ، لكني لأجد من الصائب استخدام هذه السلطة للتمييز بين الطلبة ..المعلم في هذه الحالة يجعل الطالب يفهم رسالة مغزاها ان (ابناء الحكومة) يتمتعون باستحقاقات لايتمتع بها الشعب المسكين ، وان عليهم ليس احترام الحكومة فقط بل احترام أبنائها وتجنبهم احيانا لأنهم يمتلكون مظلة تحميهم  من الشعب وتضعهم في درجة اعلى منه ..

يشير العديد من المحللين السياسيين الى ان العملية الديمقراطية في بلدنا تشبه وليدا خديجا لم تكتمل ملامحه بعد على الرغم من مرور اكثر من عقد ونصف على ولادته ، والسبب هو ضعف الوعي السياسي لدى الشعب وحرص الحكومات المتعاقبة على اعتبار السلطة مناصبا تحكم الشعب وليس رسالة تهدف لخدمته ..وماحدث في مدرسة ابنتي هو دليل بسيط على تجذر هذا المفهوم في أذهان الناس ، فالسلطة هي المنصب وهي الاستحقاقات المتأتية منه ومايترتب على ذلك من تمييز وتهميش وماالى ذلك ..كيف يمكننا اذن أن نطالب الشعب بتأشير أخطاء الحكومة وانتقادها ومطالبتها بتوفير الخدمات ومحاربة الفساد واصلاح ماتم تدميره في السنوات السابقة اذا كانت النفوس هي من طالها الدمار وبات كل من يمتلك سلطة مهما كانت ضئيلة كسلطة المعلمة مثلا يضع حدا فاصلا بينه وبين الشعب ؟!

ماذا يفعل الشعب في هذه الحالة ؟! هل سيؤمن بالديمقراطية ويشارك في تطبيقها أم سيكون عليه أن يتقبل دور الصامت والمطيع والمستجيب لكي لايناله العقاب ؟..أين الديمقراطية من كل هذا ونحن محاطون بالديكتاتورية في كل تفاصيل حياتنا ومراحلها ، وهذه ابنتي وزملاؤها من (ابناء الشعب) يتعلمون اول دروس الحياة بشكل مغلوط ، لأن هنالك من يلقنهم منذ نعومة أظفارهم أصول اللعبة التي تقول :”السلطة فوق الشعب …وليس معه “…!