ان احتلال العراق من قبل الولايات المتحدة الامريكية وحلفاؤها في 9/4/2003 كان نقطة التحول المهمة والحيوية في منطقة الشرق الأوسط بشكل خاص والعالم العربي بشكل عام . فدخلت المنطقة برمتها الى حلبة الصراع من حيث تدري ولا تدري وبطريقة مباشرة وغير مباشرة . فدول الجوار انغمست في الشأن العراقي بطريقة مباشرة وكل منها بطريقته الخاصة وبحسب بنظرتها الى الموضوع من زاوية حساباتها ومصالحها الاستراتيجية لمستقبلها بظل هذا الاحتلال والتغيير الذي نتج عنه . والذي القى بظلاله على كافة الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية . فكانت أيران اللاعب الأكبر في الموضوع وفي نفس الوقت الرابح الكبير ( ولو مؤقتا ) من خلال بسط نفوذها السياسي عبر علاقاتها الوطيدة والتاريخية بالأحزاب والجماعات والحركات ذات التوجه الإسلامي ( الشيعي ). فكان العراق الحديقة الخلفية للسياسة الإيرانية وساحة للمفاوضة على النفوذ والزعامة في المنطقة. وعززت من وجودها الاقتصادي الكبير عبر الكثير من الاتفاقيات الاقتصادية الثنائية وتصدير ما شاء من البضائع الايرانية الفاسدة وغير الفاسدة الى العراق . ووصل الامر الى تصدير المشتقات النفطية لدولة هي في الاساس كانت من الدول المتقدمة في الصناعات النفطية وعضو مؤسس لمنظمة اوبك! .اما الكويت فكانت فرحة النصر ونشوته تملؤها بوجود عراق خال من (صدام ) وأحلامه العريضة .عراق ضعيف منقسم على نفسه وغير قادر على الدفاع عن أبسط مواطنيه( الصيادين العراقين الذين طالما تم اعتقالهم من قبل خفر السواحل الكويتية). وحتى عدم قدرته على الدفاع عن منطقة ادارته للبلد (المنطقة الخضراء ) التي كان لها النصيب الوافر من الضربات وعدم الاستقرار بين الحين والأخر. وسوريا التي ارادت من العراق أن يكون ساحة الصراع قبل وصول النار اليها بأي شكل من الأشكال. فكانت سياسة مسك العصا من الوسط هي السمة الغالبة فأقامت علاقات دبلوماسية وتعاون مع الحكومة العراقية ما بعد 2003 وفي الطرف الأخر من العصا كانت تمد يدها لكل من يقاوم ويرفض هذا الوجود والاحتلال. اما بالنسبة للسعودية فظلت تراقب الوضع عن بعد بعين غاضبة وهي ترى ان معركة العراق قد حسمت لصالح ايران . دون ان تنغمس هي بالشأن العراقي كثيرا لأنها تدرك ان انغماسها سيكلفها الكثير وستفتح على نفسها جبهة ليس في وقتها ومكانها المناسبين . اما الأردن فأتبعت سياسة( المشي بجانب الحيط)الذي يضمن لها باب المساعدات والأسعار التفضيلية للنفط التي كانت وستظل بأمس الحاجة اليه فظلت ترقب الجزرة بعينيها في كل الاوقات.
سياسة الامر الواقع للإقليم الكردي في العراق بات حقيقة ادركتها تركيا وتعاملت معها على هذا الاساس في ظل تبادل تجاري واقتصادي كان اللغة الأبرز والأكثر رواجا في هذه السياسة . ان الامر المهم والحيوي الذي يمكن ملاحظته ان الاحتلال ادخل عاملا خطرا اصبح خطره واضح للعيان وللجميع وبات يهدد الكثير من الدول التي تتقاسم ووجود هذا العامل الديموغرافي في بلدانها الا وهو العامل الطائفي والاثني والعرقي الذي يعد عاملا مشتركا في اغلب دول المنطقة. والذي عمل الاحتلال على تغذيته بشكل كبير وخطير وواضح المعالم وبالتدريج . فمنذ تشكيل ما يسمى مجلس الحكم في العراق بعد 2003.بطريقته المعروفة والمقسمة على اساس الطائفية والأثنية والعرقية والقومية فكان بمثابة حجر الزاوية والاساس لأي تشكيل مستقبلي قائم في البلد (العراق) في خطوة واضحة لترسيخ وجود هذا العامل وجعله على قيد الحياة العملية بعد ان نجح في الاختبارات النظرية . ومن منطلق(فرق تسد) .دون النظر الى مفهوم او عامل المواطنة الذي يشكل عاملا ناجحا وناجعا لأي تقدم في اي بلد في العالم وفي اي رقعة من الارض . وعلى اساس كلمة حق يراد بها باطل بأن العراق بلد متعدد الطوائف والاعراق والقوميات. فالموضوع لم يأت من فراغ او محض صدفة او كلمة الحق تلك. بل كان فكرا وقرارا استراتيجيا بعيد المدى لمرحلة العراق وما بعده من دول المنطقة . فكان الصراع الطائفي المقيت الذي راح ضحيته آلاف الابرياء في ظل توافق امريكي_ايراني على الكعكة العراقية. ونجحت الولايات المتحدة الامريكية في جعل الصراع اسلامي _اسلامي كمرحلة اولى (سني_شيعي)ومن ثم عملت بعد ذلك ولا زالت تعمل على خلق حالات صراع (سني_سني و شيعي_شيعي)بأشكال متعددة وبصور مختلفة ستكون واضحة المعالم اكثر في المستقبل القادم . وهكذا نسي العرب والمسلمون قضيتهم المركزية في فلسطين المحتلة ونسوا عدوهم التأريخي والأزلي اسرائيل (الرابح الأكبر واللاعب الأبرع).في ظل مشهد عام لا زال يوحي بالكثير من المفاجآت والتحولات التي سيكون من ابرزها خارطة جديدة للعالم تكون المنطقة العربية والاقليمية الحصة الأكبر منها بوجود عوامل داخلية ابرزها وجود حالات الدكتاتورية(ملكية او جمهورية .منتخبة او غير منتخبة)والتي جثمت على صدور هذه الشعوب لفترة طويلة او قصيرة وبغياب لحرية الرأي المسؤول .وعدم وجود مؤسسات دستورية حقيقية معبرة عن ارادة تلك الشعوب وفقدان الأمل في خطط التنمية التي اكل غليها الدهر وشرب وعدم العيش بحرية ورفاه. وعوامل خارجية اهمها نظام دولي جديد يريد للمنطقة ان يَرسم لها مشهد ا قد يكون مأساويا وحافلا بالأحداث المتسارعة الممزوجة بالدماء لتكون بعد ذلك خارطة فيها اسماء لبلدان وامصار واقطار وابطال ربما ما كانت تخطر في ابغُض الأحـــــــلام .