23 ديسمبر، 2024 12:11 ص

أبدأوا الاصلاحات بِألغاء مجالس المحافظات‎

أبدأوا الاصلاحات بِألغاء مجالس المحافظات‎

ليس بالضرورة أن ينطلق الاصلاح بمفهومه الفكري وآلياته التنفيذيه من مبدأ القضاء على الفساد المالي فحسب وأن كان ذلك على رأس أولياته , وبالتالي لابد من تأسيس منظومة أصلاحية متكاملة تأخذ على عاتقها سلسلة مراجعات في التركيب البنيوي السياسي للدولة , وأن تكون هذه المنظومه مواكبة للمستجدات والمستحدثات التي تطرأ على المنظومات العالمية وخاصة في النظام الاقتصادي وما يتبعه من تداعي في المسارات التنموية والتشغيلية والاستثمارية , والتي نراها في المجتمعات التي تعتمد مدخولاتها على الاقتصاد الريعي والمرتكز بألاساس على تصدير النفط فقط كالواقع الذي يعيشه العراق اليوم بعد انخفاض أسعار النفط في الاسواق العالمية .

من هذا المنطلق ووفق حساب الاوليات لابد من مراجعة دقيقة ووفق دراسات استبيانية للحلقات التي ترتبط بهيكل تنظيم الحكومة التي تأسست بعد 2003 والى الان , ومن هذه الحلقات هي مجالس المحافظات والتي تأتي بعد أنتخابات محلية في كل محافظة , هذه المجالس والى الان غير واضحة في مسؤولياتها ومهماتها التشريعية والرقابية , وليس لها صلاحيات محدودة المعالم يمكن من خلالها تحديد الهدف من وجودها وفعاليتها في الواقع التنفيذي لأي محافظة , فلم نرى أي من هذه المجالس يشرع أي نظام من الانظمة الخدمية , كنظام المرور أو نظام النفايات أو استثماري أو سكني …ألخ .

وهي في الاغلب مرتبطه بالاحزاب والكتل التي تهيمن على العملية السياسية بعد سقوط النظام السابق , وبهذا تكون خاضعة للمحاصصة الحزبية والتوافقات والتحالفات والتي يتمخض عنها أختيار محافظ تابع الى كتلة معينة ولكنه سيكون مكبلاً بذلك التوافق لحسابات الكتل التي توافقت معه , وبذلك سيكون عمل المحافظ والذي هو في اساسياته عمل خدمي تنفيذي سيرتبط بمفاهيم سياسية وحزبية ولذلك نرى أن هناك الكثير من المتناقضات والمناكثات في عمل المجلس وقراراته , التي ستراعي المنافع المادية على المستوى الحزبي والشخصي , والكثير من الشركات التي تلكأ العمل في المشاريع التي أنحالت عليها هي مرتبطه بشكل أو بأخر بجهات داخل تلك المجالس , هذا أدى الى ظهور طبقة ثرية تتحكم باقتصاديات المدينة وتسيطر على المديريات العامة التي ترتبط بالمحافظة , مما سهل عليهم الحصول على الكثير من الاموال واستغلال المنصب للحصول على العقارات والمقاطعات الخدميه الزراعية والصناعية , كما أستطاعت تلك الطبقة من توثيق علاقات أقتصادية مع جهات أقليمية أو شركات عالمية للمنافع الشخصية والحزبية والكتلوية .

استغلال المنصب تعدى ذلك الى تكوين مجموعات ترتبط بعضو المجلس مباشرة نتيجة لحصوله على منصب وظيفي سواء كان في مقر المجلس أو في الدائرة التي يكون مديرها تابع الى نفس الحزب , وبالتالي تصبح تلك الدائرة الخدميه تحت سيطرة ذلك الحزب ويقوم باستغلال امكانياتها لصالح مرجعيته , وبهذا تصبح الاحزاب هي التي تسيطر على الدوائر بدلاً من أن يكون هناك قانون أو نظام أداري يربط جميع مؤسسات المدينة لتتكامل الخدمات وتسير بوتيرة واحدة منظمة ومتناسقة . أما الجانب الرقابي للمجلس فهو يُكثر من الحلقات الرقابية ويخلق نوع من الفوضى الاداريه والتهرب من المسؤولية , وتعدد الجانب الرقابي كالنزاهة وديوان الرقابة المالية والرقابة من داخل ديوان المحافظه ورقابة المجلس ما هو الا ضعف أداري وجهل واضح في منظومات الرقابة العالمية في الوقت الحاضر والذي يعتمد على بيانات وحسابات متقدمة علمياً وتكنلوجياً . 

المفروض أن يكون الجانب التخطيطي هو من أساسيات عمل تلك المجالس , والتخطيط اليوم علم مهم في صناعة اقتصاديات الدول المتقدمة , وكما يقال ( خطط ثم نفذ ) , ولذلك فشلت كل مجالس المحافظات في تقديم الخدمات الاساسية للمواطنين لأن أعضاء تلك المجالس لايمتلكون الخبرة الكافية ولا الاختصاص المهني لتكوين خطة ومنظومة تخطيطية مستقبلية مستندة على واقع أقتصادي يجعل من المدينة ذات فعاليات حيوية بكل مجالاتها , واصبحت العشوائية الارتجال في تنفيذ الخدمات والمشاريع تتسبب في خراب بنيوي في البيئة العمرانية لأي محافظه , فلا نرى اليوم بأن هناك مدينة عراقية لها شخصية متميزة عن غيرها مع مايرتبط بها من تراث بنائي لتلك المدينه .

والمهم جدأ هو حساب الموازنات التي صرفتها تلك المجالس وهل قدمت وفي أي مجال ما يوازي ذلك الصرف , لنحسب الرواتب الاعتيادية والتقاعدية  والمخصصات والمنح والحماية والسيارات التي خصصت والنثريات والايفادات وعملية أنتخاب المجالس وكثير غيرها ولجميع محافظات العراق الثمانية عشر , فكم سيوفر للموازنة من أموال في حال ألغاء تلك المجالس وخاصة أن عدد أعضاء المجالس ليسوا بالقليل , هذا من الناحية المادية , من الناحية الاخرى سوف يقوض الالغاء سيطرة الاحزاب والكتل على المحافظات , وتاسيس منظومة مهنية محترفة تتكون من خبراء يكون هدفها الاساسي هو رفد الاقتصاد العراقي بمقومات النجاح بدلاً من أن تكون المدينة عالة على حكومة المركز , وبهذا يمتد هذا التطور الاقتصادي ليزيل كل العوائق بين محافظة وأخرى وبينها وبين المركز , وهذا ما هو معمول به في كثير من دول العالم والتي يكون مجلس المدينة فيها مجلس تخطيطي وتكون مؤسسات المدينه هي الجهات التنفيذية والتي ترتبط مع المجلس بقانون ونظام أداري , واليوم ونحن نعاني من أزمة مالية حادة يمكن أن تؤدي الى تبعات مجهولة , المفروض أن نقلص الحلقات الزائدة والمترهله والتي أسست ومهدت لفساد مالي وأداري وأولها مجالس المحافظات .