الأمل والتفاؤل؛ لم يعد لهما وجود في حياة العراقيين الشائمة منذ فجر الخليقة؛ ورُقن قيدهما يوم إن نزل إبليس على أرض العراق، ولم تعد في أفق المستقبل بوارق أمل؛ ما دام”أولاد الأبالسة” قد كشروا أنيابهم الحادة على مقاليد الحكم في بلاد الرافدين!
بعد قرابة نصف قرن من الزمن؛ بزغَ فجرٌ جديد في سماء البلد؛ وأقبل علينا أناس مختلفون عن أولئك الأبالسة( جماعة الزيتوني!) أُناس ألسنتهم تُغرد بالديمقراطية، وحب الوطن؛ بعيدة كل البعد عن شعارات( أبوعداي) و(وياك يا ابو حلا) ولايحتكرون عقولنا بما تشتهي أنفسهم.
جاء “الملائكة الجدد” بعد سقوط” الأبليس الكبير” بأشياء لم نشهدها مِن قبل، كالحريات، والعدالة، ونظريات مستقبلية، وخطط تنموية، ورؤى مشتركة، وحقوق الإنسان، ولطبيعة الحياة القاسية، وسخرية الأزمنة؛ لم نعرف هذه الأشياء مٍن قبل، هل هي نوع من أنواع الأطعمة؟! أو آلات تستخدم في المنازل؟! أم “حاجة صينية” جديدة في سوق مريدي؟!
لم يُظهر” ملائكة البشر” من السياسيين الجدُد، كل شيء على الملأ، بل كان هنالك أسرار وخفايا، أسدل عليها الستار، ومن خلال ممارستهم، وخُطبهم، أخذت تلك الأسرار، والنوايا تظهر للعيان، ولم نُحرك ساكن لتحشيد الجهود البشرية، والمادية حتى ينكشف المستور؛ بل كنا نصغي، ونتمعن لتلك الممارسات والخُطب، حتى عِلقنا في حبال الملائكة..!
ما يشغل المسافة بين ” ملائكة السياسة” والأتباع؛ طبقة تضم أكاديميين، وصحفيين، وباحثين سياسيين، وهؤلاء هم العقل النابض للمجتمع، ألا أن هذه الطبقة أصيبت بمرض عُضال ناتج من تراكمات الماضي البعيد، والقريب، وإنحصر دورها بالإتباع وليس الإبداع؛ لِيوظفوا معارفهم، وعلومهم خدمةً لـ(الملائكة) الذين تبينوا فيما بعد؛ إنهم أبالسة كِبار!
هذه الطبقة تتغير توجهاتها، وميولها، بتغير” الأبالسة” والأنظمة، كلما وجدت أحضان دافئة، تزداد تبعيةً، ومثابرةً في نقل صورة براقة لأنظمتهم السياسية، وخوض معارك إعلامية طاحنة ضد من يعترض سياسة إبليسهم الكبير، لِيذهبوا شططاً في كتابة عنوانات التمجيد والطاعة حسب ولاءهم وتبعيتهم، ويرجموا المعارضين لهم بوابل من الشائعات.
يبقى الأتباع ضحية الأفكار المسمومة التي يتناولونها على شكل جرعات مهدئة، تضمن لهم العيش في مشاهد الرعب المصنوعة على يد” أولاد الأبالسة” الجُدد، ومساعديهم من الطبقة العاملة لِتنفيذ ما يدور في جماجمهم، في سبيل ديمومة البقاء في قمة الهرم؛ مقابل الرفاهية والدنانير التي يتمتع بها أصحاب أبليس، وحياة البذخ في مجتمع مُحطم.
لا زالت قيود التبعية والعمالة؛ تقيد شريحة واسعة في مجتمعنا، والخطر أن تكون الطبقة المُثقفة خاضعة لتبعية الدكتاتورية، والأخطر أن تكون مُخلصة لها في تكريس جهودها.