في لقاء مع داعشي اعتقلته القوات الأمنية اعترف بقتله لما يقارب الـ 500 شخص واغتصابه لأكثر من 200 امرأة خلال أقل من ثلاث سنوات (2013-2016) من عمله في صفوف ما يعرف بالدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) علما أن عمره حالياً لا يتجاوز 21 عاماً، وقد ذكر في سياق التحقيق معه؛ أنه قد تم تجنيده وعمره 14 عاماً من قبل إمام الجامع في منطقة سكناه لينضم من خلاله لصفوف تنظيم القاعدة ومن ثم استقر به الأمر عند عصابات داعش الإرهابية، ليتحول الى ذلك المسخ الذي لم يدرك بشاعة ما قام به، حتى وهو ينال القصاص العادل من قبل القضاء. عندما نتصفح شيئا من تأريخ الإرهاب الإسلاموي ومحطاته الأشد بشاعة مع القاعدة وداعش وأمثالهما من العصابات المستندة لسرديات الدمار الشامل والموروثات شديدة الانفجار؛ سنجد الكثير من تلك المسوخ البشرية، من الذين يعتقدون بشكل مطلق أنهم بممارساتهم القذرة والإجرامية هذه “يرهبون عدو الله” ومن خلالها يتقربون اليه. قناعات الدمار الشامل هذه، ما كان يمكن لها أن تكتسح كل هذه الجماجم الخاوية، لولا وجود شروط ومناخات حاضنة لها، وعلى رأسها الجيل الجديد مما يمكن أن نطلق عليه بـ (أئمة الدمار الشامل) والذين طفحوا بشكل لا مثيل له بعد القفزة الكبيرة بأسعار النفط والغاز بداية السبعينيات من القرن المنصرم.
هذا النوع من “الأئمة” يجمعون في تركيبتهم لملوم من حطام العقائد والسرديات القديمة الممزوجة بتقنيات وأسلاب الآيديولوجيات الحديثة، ولا سيما في مجال التعبئة والتنظيم الحزبي والنقابي والإعلامي وغير ذلك من متطلبات “عولمة الجهاد” في عالم حولته الثورات العلمية والقيمية الى ما يعرف بـ (القرية الكونية). عندما نقتفي أثر الشروط والقوى التي قذفت هذه الطركاعة على مضاربنا المنحوسة، سنجدها تعشعش في اغتراب أكثر من الف عام وعام عاشته بلداننا عما يحيط بها من أحداث وتحولات هائلة عاشتها سلالات بني آدم، هذا الانقطاع هو من مهد الطريق لمؤمياءات التأريخ كي تتسلل بكل شراسة وصلافة لتفصيلات حياتنا (أفرادا وجماعات). لم يعد هناك شيء في حياتنا بمنأى عن تطفل هذه المؤسسات الإسلاموية وشراهتها في التصرف بمصائر البشر والحجر في الدنيا والآخرة. لقد اضمحل مشروع الدولة الوطنية ومؤسساتها لصالح هذه القوافل المنحدرة الينا من مغارات القرن السابع الهجري وثاراته الصدئة.
بالرغم من الهزائم العسكرية التي لحقت برأس رمح الهمجية والإجرام (داعش) إلا أن نفوذ وتأثير العقائد والخطابات والمصالح التي أوجدتها ما زالت باقية وتتمدد، ويمكننا التأكد من ذلك أيام الجمع وغيرها من المناسبات التي تصدح بها أصوات “الأئمة” الغاضبة من مظاهر عصيان عيال الله وخروجهم عن طاعته (لا يتجرأ سوادهم الأعظم في الإشارة الى جرائم داعش واخواتها، بوصفها انتهاكا سافرا لمن سعت السماء لتكريمه ذات عصر). نبرة أصواتهم المشحونة بالحقد وكراهة الآخر وبأعلى درجة ممكنة لمكبرات الصوت الحديثة، وحدها تعد انتهاكاً لحقوق الإنسان، حيث نادراً ما نعثر على خطيب يراعي في خطابه وتوجهاته شروط ومتطلبات الحياة الحديثة من حقوق وواجبات لجميع أفراد المجتمع من دون تمييز. إننا في هذا الوطن المنكوب بوباء الكراهة والأحقاد؛ بأمس الحاجة لخطاب يدعو للتسامح والمحبة والانتصار للتعددية والتنوع، خطاب بمقدوره وحده الكشف عن أفضل ما لدينا من قيم وخصال..
نقلا عن الصباح الجديد