23 ديسمبر، 2024 3:41 ص

آهٍ يا شعب الأقليات؟!!

آهٍ يا شعب الأقليات؟!!

قال الصحفي والناشر الأمريكي لاري فلينت (بغض النظر عن توجهاته وأفكاره المتحررة): “حكم الأغلبية يصلح فقط إذا كان هناك احترام للحقوق الفردية .. فمن الغير معقول أن تجمع خمسة ذئاب وخروف ثم تأخذ رأي الأغلبية عمن سيأكلون في العشاء”!!!.

  ففي العراق كل المساوئ ما بعد سنة 2003م نعلّقها على شماعة الإحتلال، فالمحاصصة الطائفية لا يختلف عليها خصمان من أنها ظهرت بأقبح صورها بعد الإحتلال ـ ـ ـ  والسرقات المليونية من خزينة الدولة والمكشوفة بأبطالها وشهرتهم التي تجاوزت شهرة “علي بابا” قد باركها وشجعها الإحتلال ـ ـ ـ والدمار والتخريب في البُنى التحتية و(الفوقية) قد نفذته وتنفذه الأيادي الخفية للمخابرات الدولية بأدواتٍ محلية!!! ـ ـ وداعش صنيعة (الشيطان الأكبر) قد سيطرت على ثلث مساحة البلد بسويعات قليلة بمخطط رسمته لها عقول (الفضائيين) القادمين من الأجرام السماوية بصحونهم الطائرة!!!، إلا شيء واحد أتحدى كائن من كان لم يتدخل فيه الملعون المحتل بفرضه حرفياً ولغوياً على ألسُن من يرددونه ويتعاملون بمفردته التي هجمت بيوت العراقيين وسلبتهم كل شيء، وحيثُ يمقته جميع العراقيين لكثرة تداوله حين يُراد به الباطل ألا وهو مصطلح “الأقلية”!!!.

فالسنّة العرب هم أقلية مقارنة بالشيعة العرب في العراق ـ ـ ـ والمسيحيون هم أقلية مقارنة بالمسلمين في العراق ـ ـ ـ والكرد أقلية مقارنة بمواطنيهم العرب في العراق ـ ـ ـ والكلدان والآشوريون والسريان والأرمن والصابئة المندائيون واليزيديون والشبك هم أقلية مقارنة بالعرب والكرد في العراق ـ ـ ـ والأرثوذكس هم أقلية مقارنة بالكاثوليك في العراق ـ ـ ـ وكتلة الصدر هي أقلية مقارنة بكتلة دولة القانون بين الشيعة في العراق ـ ـ ـ وكتلة حيدر العبادي هي أقلية مقارنة بكتلة نوري المالكي في الحزب الواحد ـ ـ ـ وعائلة الأخ الذي لديه خمسة أطفال هي أقلية بمثيلتها للأخ الذي لديه سبعة أطفال ـ ـ وهلم جرا !!ّ!.

وهنالك البيت الشيعي والبيت السني والبيت المسلم والبيت المسيحي والبيت العربي والبيت الكردي والآخر التركماني!!، وكان يا ما كان في قديم الزمان البيت اليهودي الذي هُجّر أصحابه في ليلةٍ ليلاء كما يُهجر اليوم غيرهم، وبيوت ـ ـ ـ وبيوت ـ ـ ـ وبيوت!!!، ولكن أين هو البيت العراقي بين كل هذه البيوت؟!!، وأين هو المواطن العراقي بين كل تلك الأقليات والأكثريات؟!!، وأين هي الروح الوطنية المغيبة والغائبة بين كل هذه المفردات والمصطلحات؟!!، وحيثُ أصبحت كلمة “الأقلية” التهمة التي تُلجم أفواه مَنْ يُطالبون بحقوقهم في هذا المجتمع الذي لا نزال نُطلق عليه كلمة “عراقي” زوراً وبهتاناً.

فالمجتمع العراقي الذي كنّا نعرفهُ ونشأنا وترعرعنا فيه لم يكن إلاّ عبارة عن بوتقة إنصهرت فيها مكونات (الطبخة) المميزة بمحتوياتها الرئيسية التي لا يمكن الإستغناء عنها والتي أفرزت طعمها اللذيذ مع الإحتفاظ لمتذوقها بخصوصية عناصرها التي أضافت الشيء المميز في تكوينها. وعجبي على مَنْ يروّج لتلك المصطلحات ويرددها كالببغاوات في الإعلام، فالفضائية العراقية الشبه رسمية المدعومة من أصحاب القرار ملئت مسامعنا بهذه المفردة المستهجنة بمعناها التسويقي البغيض الذي يُراد به الباطل!!، والبرلمانيون تطربهم نغمتها النشاز فلا يتحدثون في الإعلام إلاّ وحشروا كلمة “الأقليات” في تصريحاتهم المملّة لتكتمل بها (توافقيتهم) الملعونة!!، والحكومة بأعضائها المرئيين والمخفيين يروق لهم وضع كلمة “الأقليات” في خطاباتهم السياسية والغير سياسية!!، وأمّا الطامة الكبرى فهي خروج هذه المفردة كمقطوعة موسيقية من أفواه من نصبوا أنفسهم كحماة ومدافعين عن تلك “الأقليات”، فيتغنون بها بإستمرار وكأنهم يتسولون من خلالها كمطربي الدرجة العاشرة من متشردي شارع الشانزليزيه مطالبين بالعدل والمساواة و”لله يا محسنين”!!، ورجال الدين من هذا الدين أو ذاك ومن هذا المذهب أو غيره يصرخون الى الله رافعين أذرعهم ومتضرعين بطلب مساعدته لإحقاق الحق “لأقلياتهم” الدينية أو المذهبية!!.

وكأنّ هذه المفردة لا يوجد غيرها في قاموس اللغة لوصف المواطنين من هذه المدينة أو تلك، أو من هذا الدين أو ذاك، أو من هذه القومية أو غيرها.

وقد غابت عن أذهانهم، لا بل تحجرت وعجزت في مقدرتها على إختيار كلمة أخرى مرادفة أكثر تهذيباً وإنصافاً لهذه الكلمة المهينة بكل معانيها وتفسيراتها، فما الضير من إستبدالها بكلمة “مكوّن” ؟؟؟!!!!.

فهل أنّ كلمة “الأقليات” وحسب موقعها في الجملة والتي شملت كل شرائح المجتمع دون إستثناء ممن ذكرتهم أعلاه لديهم نقص (أي أقلية) في إخلاصهم لإنتمائهم الوطني وأحاسيسهم الوطنية وحق الشعور بالمواطنة الكاملة التي كفلها الدستور (الشكلي) بفقراته وأبوابه التي تجاوزت دساتير العالم أجمع بعددها وتفاصيلها!!، لكنه لا يزال العاجز بتفاصيله الفائضة عن إحقاق العدل والمساواة بين المواطنين؟؟؟!!!. وهل أنّ تلك “الأقليات” لديها نقص (أي أقلية) في عطائها وواجباتها تجاه الوطن؟؟!!، أم إن إطلاق صفة “أقلية” عددية عليهم مهمة جداً لسلبهم حقوقهم وإعتبارهم مواطنين من الدرجة الثانية وناقوس لتذكيرهم بأن مواطني الدرجة الأولى يتصدقون عليهم بين الحين والحين بهذا القرار أو تلك المكرمة؟؟!!.وهل أنّ “عَالِم” مُجتهد ومعروف بمقدار فائدته وعلمه لوطنه وشعبه يُعتبر بالمفهوم الرقمي أو العددي “أقلية” أمام الف جاهل لا فائدة ترتجى منهم غير أن يكونوا رعاع يركضون وراء كل ناعق؟؟؟!!!.   

 ورجائي أن لا ينبري لي أحدهم ليدافع بالقول من أنّ المستعمر قد جاء بهذه المفردة الرخيصة لوصف المواطنين العراقيين، ولو فرضنا جدلاً بصحة هذا الإدعاء، فكيف يرضى بها من يطلقوا على أنفسهم “أقلية” ويرددونها صاغرين مذلولين؟!!.  

وهذه الكلمة بكل تأكيد تعطي معنى عنصري فيما إذا تمّ إستخدامها بين أبناء البلد الواحد، فهي ربما تصلح للتداول السياسي بين الكتل السياسية في الإنتخابات أو ما بعدها في مجلس الشيوخ أو البرلمان وحيثُ يكون فيه الصراع السياسي على أشدّه بين “الأقلية” و “الأكثرية” من الفرقاء السياسيين لتمرير قرار أو رفض آخر.

وربما أستطيع إستيعاب إستخدام هذه المفردة في الدول المتقدمة كون مواطنيها قد تجاوزوا معناها الحرفي المهين، ولكون القوانين الحضارية المكفولة بالدستور الوطني الحقيقي في تلك البلدان تُحيّد هذه الكلمة وتُبطِل مقاصدها وغاياتها السيئة لتبرير سلب حقوق مواطن على حساب الآخر أو كتلة أو طائفة على حساب الأخرى، لكن في بلدنا العراق وفي هذا الوقت الحرج والصعب تستخدم هذه المفردة بأبشع الطرق لسلب الحقوق والمستحقات وتضعف وتستخف بهيبة شرائح كاملة وتنكر تأثيرهم المجتمعي ومكانتهم الإجتماعية التي من المفروض أن تكون مكفولة ومحمية دستورياً.فإذا سُئِلَ أي مواطن عن هويته، فمن الجُرم أن يقول إنه عراقي لكنه من “الأقلية” الفلانية حسب المفهوم المتداول في بلد الأقليات والأكثريات والبيوت المتعددة، واللعنة الأبدية ستلاحق كل مَنْ سوّق ويسوّق عن قصد هذه المفردة وهذا المفهوم الذي كرّس وزاد من إتساع الفجوة بين مكونات الشعب الواحد، وعلى وسائل الإعلام التي تدعي وطنيتها وإستقلاليتها التوقف عن الترويج لهذه المفردة في وصف المواطنين العراقيين، فهل سيستجيب الوطنيون لندائنا الوطني هذا.