لا يخفى على احد ان الدورة الحالية لحكومة وبرلمان كوردستان كانت من بين الدورات التي شهدت خلافات حادة بين القوى الكوردستانية وبروز الازمة المالية بفعل قطع موازنة الاقليم من الحكومة الاتحادية وهبوط اسعار النفط وبالاخص في عامي 2015 والاشهر الاولى من 2016 فضلا على الحرب المدمرة التي فرضها اعتى تنظيم ارهابي على المنطقة والعراق واقليم كوردستان بشكل خاص الذي راح ضحيته الالاف من ابنائنا في قوات البيشمركة و القوات المسلحة الاتحادية بين شهيد وجريح ، ناهيك عن الخسائر الاقتصادية التي انفقت وماتزال تنفق على الآلة الحربية واستقبال ما يقرب من مليوني نازح من الاشقاء السوريين و اغلب المحافظات العراقية والتي اتخذت من اراضي اقليم كوردستان ملجأ لها لتحمي نفسها من الموت المحتوم الذي خيم على المناطق التي اجتاحها داعش الارهابي وحكمها بالحديد والنار وارتكب فيها ابشع الجرائم التي يندى لها جبين الانسانية ، كل هذا سبب ازمات سياسية واقتصادية وحربا مدمرة على شعبنا.
بالرغم من الازمات والمشاكل المذكورة اعلاه ، الا ان السبب الاهم الذي ادى الى تفاقم الاوضاع في الاقليم وشل حركة الحكومة وتعطيل البرلمان ، هي الخلافات الداخلية بين الاحزاب الكوردية نفسها التي لولاها ، لكانت القضية الكوردية في العراق والشرق الاوسط برمته ، اقتربت من خط النهاية لتقرير المصير وربما تشكيل كيان مستقل للشعب الكوردي في المنطقة.
في السنوات الثلاث الماضية تبادلت الاحزاب الكوردية بوساطة ماكناتها الاعلامية سيل الاتهامات لبعضها بشأن من تسبب في خلق تلك الازمات وكل طرف حاول ان يبرئ نفسه ويتهم الطرف الاخر وتحميله المسؤولية ، الا ان تلك الاتهامات والحرب الاعلامية لم تجد نفعا و لم يكن بمقدورها حل المشاكل الصعبة التي عانى ولا مايزال يعاني منه غالبية ابناء شعبنا بل زادتها تعقيداً.
لكن الامر الاهم الذي يبعث الامل والطمأنينة للجميع هو انه برغم الازمة الاقتصادية والخلافات السياسية الداخلية والمخططات الاقليمية لزعزعة امن واستقرار اقليم كوردستان ، الا ان قوات البيشمركة البطلة لم تتأثر بتلك الخلافات ونأت ان تقحم نفسها فيها ، بل وقفت بنكران ذات وبروح وطنية عالية قل نظيرها بوجه الحملة الارهابية البربرية الشرسة ضد شعبنا وتمكنت من دحر الارهاب وتحرير جميع الاراضي الكوردستانية التي دنسها الدواعش الارهابيون او التي شكل الارهاب خطرا عليها ، وان دل هذا على شيء انما يدل على ان ابناءنا في قوات البيشمركة وصلوا الى اعلى حالات الوعي والنضوج الفكري والشعور بالمسؤولية الوطنية لتنأى بنفسها عن الصراعات الحزبية و تبقى كما كانت السد المنيع للدفاع عن الارض والعرض مهما يكن حجم الخلافات بين القوى السياسية.
في بداية الشهر الجاري خصصت حكومة اقليم كوردستان مبلغ عشرين مليون دولارا لمفوضية الانتخابات في الاقليم لصرفها على الاستعدادات الفنية واللوجستية لاجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية في شهر تشرين الاول المقبل ، وتعد هذه الخطوة الجريئة من الحكومة مسعى جادا وثقة عالية بالنفس لتجاوز الخلافات وانطلاق مرحلة جديدة من العملية السياسية في الاقليم.
لاشك في ان اجراء الانتخابات المقبلة بحاجة الى اجواء ومناخات هادئة بعيدة عن التشنج والصراع على المصالح الحزبية الضيقة ولذلك ينبغي على جميع الاحزاب والقوى السياسية الكوردستانية ان تعي ضرورات المرحلة الحالية وتحديد اولوياتها وان تعمل بروح مسؤولية عالية كأبنائنا في قوات البيشمركة البطلة في جبهات القتال ضد الارهاب والدفاع عن تراب الوطن وكرامة الشعب وان تنطلق بارادة حقيقية للجلوس على طاولة الحوار ومناقشة جميع الخلافات والاشكاليات السابقة و وضع المصلحة العامة للاقليم وشعب كوردستان فوق المصالح الحزبية والشخصية لخلق مناخ هادئ وآمن والبدء بتنافس شريف ونزيه ليس على السلطة والمناصب والامتيازات بل من اجل ازالة آثار اخطاء الماضي ووضع البرامج والمشاريع الرصينة لخدمة شعبهم الذي تحمل من الحروب والويلات والمصاعب والجوع مالم تتحمله الشعوب الاخرى في المنطقة , من هذا المنطلق نناشد قادتنا السياسيين وجميع الاطراف السياسية الكوردستانية والنخب والمثقفين والمنابر الاعلامية الوطنية الحرة دراسة المتغيرات الجديدة واستثمارها لتجاوز الخلافات.
يبقى ان نقول آن الاوان لتصفير الخلافات وتجاوز التناحر الذي اضعف موقفنا على الصعد المحلية والاقليمية والدولية واخّر مسيرة مشروعنا القومي لبناء كيان كوردي مستقل ولنضع ثقتنا بصناديق الاقتراع ليكون صوت الناخب هو الفيصل والمعيار لاختيار فريق جديد لبناء الاقليم خاصة المناطق الكوردستانية خارج الاقليم وصنع مستقبل زاهر للاجيال المقبلة.