18 ديسمبر، 2024 5:39 م

آن أوان الطعن بقانون الموازنة العامة الاتحادية 2021

آن أوان الطعن بقانون الموازنة العامة الاتحادية 2021

نشر قانون الموازنة العامة الاتحادية 2021 رقم 23 لسنة 2021 في جريدة الوقائع العراقية- عدد 4625 في 12/4/2021 وبذلك دخل القانون حيز التنفيذ ويمكن، تبعا لذلك تقديم الطعون بالقانون امام المحكمة الاتحادية العليا ان وجد ما يبرر الطعن. وحسب المعلومات المتوفرة لغاية تاريخه فقد توجهت وزارة النفط بطلب رسمي لتقديم طعن بالعديد من فقرات القانون امام المحكمة الاتحادية العليا وتقدمت وزارة المالية بطلب الى رئاسة الجمهورية يتعلق بالتباين في المعلومات التي وردت في قانون الموازنة. وعلى قدر تعلق الامر بالشأن النفطي فأنني شخصت ثلاث قضايا تشكل اساسا قانونيا للطعن بقانون الموازنة وعليه فانني ادعو وادعم كل من وزارة النفط ووزارة المالية وديوان الرقابة المالية الاتحادي والهيئة العامة للضرائب بالاسراع في تقديم طعوناتها.

وقد سبق لي، من خلال ثلاث مساهمات منشورة، ان عالجت القضايا النفطية في مشروع قانون الموازنة واشرت، في آخرها، الى احتمالية الطعن بالقانون، بعد دخوله حيز التنفيذ، امام المحكمة الاتحادية العليا. اضافة الى ما ورد في موقف وزارة النفط توجد لدي ملاحظات تدعم الطعن بقانون الموازنة، والتي سأذكرها بإيجاز في الفقرة ثانيا ادناه.

اولا: موقف وزارة النفط

وجهت وزارة النفط الى الامانة العامة لمجلس الوزراء كتابها المرقم 236 بتاريخ 18 نيسان 2021 اوضحت فيه رايها واعتراضاتها على بعض مواد القانون وهي: المادة (11/ثانيا/أ)؛ المادة (34/ج)؛ المادة (56/اولا)؛ المادة (56/ثالثا)؛ المادة (30)؛ واخيرا تخفيض التخصيصات بحوالي 50% دون الرجوع الى الوزارة.

يوفر كتاب الوزارة اعلاه تفاصيل مهمة في خمس صفحات وفي ضوء ما ورد تطلب الوزارة موافقة الامانة العامة على الطعن بالمواد المذكورة امام المحكمة الاتحادية.

بعد اطلاعي على تفاصيل كتاب الوزارة فإنني ادعم وبقوة ما ذهبت الية الوزارة وضرورة الطعن بمواد القانون التي تناولها الكتاب.

كذلك اجد من الضروري الاشارة الى ما صرح به رئيس الوزراء يوم 15 نيسان 2021 (اي قبل ثلاثة ايام من تاريخ كتاب وزارة النفط) حيث قال “سنقدم طعنا ببعض فقرات الموازنة لدى المحكمة الاتحادية، لان هناك فقرات ستؤثر على قطاع الكهرباء والقطاع الصحي وغيرها”؛ انني ارى ان كتاب وزارة النفط سيعزز توجهات مجلس الوزراء بتقديم طعن موحد بعد توحيد اراء الوزارات بشان قانون الموازنة.

ثانيا: قضايا اخرى تستحق الطعن بها ايضا

اضافة الى ما ورد في كتاب وزارة النفط وعلى قدر تعلق الامر بالقضايا النفطية ارى وجود العديد مما ورد في قانون الموازنة تستحق الاعتراض عليها والطعن بها. وانني اقتصر في ادناه على ما ورد في المادة 11 ( ثانيا) فقط.

وقبل الخوض في هذه المادة اجد من المفيد ذكر نصها كما يلي:

“المادة 11 ثانيا:أ- تلتزم حكومة اقليم كوردستان بانتاج النفط الخام من حقولها وبمعدل كميات لا يقل عن (460) الف برميل يوميا ويتم استبعاد الكميات اللازمة لتغطية نفقات الانتاج والنقل والتشغيل وحسب البيانات المقدمة بذلك والكميات المستهلكة محليا في الاقليم والكميات التي تغطي تخصيصات حصة الاقليم من البترودولار على ان لا تقل اقيام الكميات المسلمة عن المبالغ المتحققة من بيع (250) الف برميل نفط خام يوميا بسعر شركة سومو. ب- تنفذ الفقرة (أ) اعلاه بالتنسيق بين وزارة النفط الاتحادية ووزارة الثروات الطبيعية في حكومة اقليم كوردستان. ه – تلتزم الحكومة الاتحادية بتسديد مستحقات اقليم كوردستان الواردة في هذا القانون والجداول المرفقة به بعد قيام الاقليم بتنفيذ الفقرات (أ، ب، ج، د) من هذه المادة.” (تم استبعاد الفقرتين (ج) و (د) لعدم علاقتهما بالقطاع النفطي)

 

عند تقييم النص اعلاه يتضح مدى ركاكته اللغوية وافتقاره لتحديد المفاهيم والمصطلحات المعروفة والغموض الذي يقود الى تباين التفسير وبالتالي تنفيذ التزامات الاطراف المعنية؛ فهل هذا ناجم عن عدم الالمام بجوانب الموضوع التقنية والفنية والمالية واللغوية (بافتراض حسن النية) ام ان وضع هذه الصيغة الخبيثة كان بقصد مسبق (النية ألمبيَتة السيئة)!!!

ومع ذلك اود التركيز على الجوانب الجوهرية المادية التالية:

الحد الادنى لإنتاج النفط في الاقليم
ان تحديد الحد الادنى لإنتاج النفط في الاقليم غير ضروري وغير صحيح وغير مسبوق ومضر كثيرا بمصلحة العراق الاقتصادية ويعود ذلك الى الاعتبارات التالية:

ان هذا التحديد يشجع حكومة الاقليم على زيادة الانتاج والتصدير دون ان تساهم في زيادة عوائد صادرات النفط الاتحادية لان مساهمة حكومة الاقليم محددة بكمية 250 الف برميل يوميا فقط (وعلى افتراض تصدير هذه الكمية باسعار سومو). وبما ان اسعار تصدير الاقليم تقل عن اسعار تصدير سومو بالمعدل بحدود 10.5 دولار للبرميل (خلال فترة ايلول 2020 – شباط 2021) فكلما ازداد انتاج وتصدير نفط الاقليم خارج سومو كلما ازدادت خسائر العراق لعوائد صادرات النفط بسبب وجود علاقة طردية بين المتغيرين.

اما الاعتبار الثاني فان ازدياد انتاج وتصدير نفط الاقليم خارج سومو انما يعني ان تكون “الحصة الفعلية” للاقليم اكثر بكثير مما محدد في قانون الموازنة على اساس نسبة السكان؛ وهذا يقود الى تدهور حصص المحافظات الاخرى لصالح محافظات الاقليم وهنا نواجه نفس العلاقة الطردية لصالح الاقليم على حساب مصلحة وحصة المحافظات الاخرى.

اما الاعتبار الثالث فان تحديد الحد الادنى لانتاج الاقليم انما يعني تحمل القطاع النفطي للعراق (في الشمال والوسط والجنوب) جميع اعباء تخفيض الانتاج تنفيذا للالتزام باتفاقات (اوبك+)؛ اي ان خسائر عائدات الصادرات العراقية مزدوجة من نواحي حجم الانتاج والتباين بين اسعار تصدير الاقليم واسعار سومو. ولان اتفاق (اوبك+) يلزم العراق باجراء “تخفيضات تعويضية” بسبب عدم الامتثال السابق نواجه هنا وللمرة الثالثة نفس العلاقة طردية: كلما ازداد انتاج الاقليم ازداد العبء الاقتصادي لامتثال العراق لالتزاماته الدولية ضمن اتفاق (اوبك+) لعام 2021. وفي هذا المجال فان انتاج الاقليم يجب ان يكون بالحد الاقصى حوالي 334 (وليس بالحد الادنى في قانون الموازنة، 460) الف برميل يوميا حسب حسابات وزارة النفط.

للأسباب اعلاه فاني ارى ان الواجب المهني والاخلاقي والوطني يحتم دعم توجه وزارة النفط للطعن بقانون الموازنة على اساس ان هذا المستوى للحد الادنى لانتاج النفط في الاقليم يلحق اضرارا فادحة على الاقتصاد العراقي.

تخصيصات البترودولار
لا يستحق الاقليم اي شيء من هذه المستحقات للاعتبارات التالية والتي بموجبها تحصل حكومة الاقليم على دخل او عوائد من خلال عقود المشاركة في الانتاج:

الاعتبار الاول يتعلق بان حكومة الاقليم تستلم ريع قدره ( 10%) من اجمالي انتاج النفط.

اما الاعتبار الثاني فيتعلق بحصة الحكومة من “نفط الربح” (بعد استقطاع الريع يتم توزيع “صافي النفط المتبقي” بين “نفط الكلفة”- الذي يدفع الى الشركات النفطية لاسترداد الاستثمارات الرأسمالية وبين “نفط الربح”- الذي يوزع بين الشركات النفطية وحكومة الاقليم في ضوء قيمة معامل R.

اما الاعتبار الثالث فيتعلق بموضوع “الهبات Bonus” وهي على ثلاثة انواع: هبة التوقيع وهبة بناء الامكانيات وهبة مستويات الانتاج.

اما الاعتبار الرابع فيتعلق بالمادة-2-اولا-5 من قانون الموازنة 2021: فكيف يدفع لحكومة الاقليم نسبة 5% من “ايرادات النفط الخام المنتج في الاقليم” او من “ايرادات النفط الخام المكرر في مصافي الاقليم” او من “ايرادات الغاز الطبيعي المنتج في الاقليم” في حين ان حكومة الاقليم لا/لم تسلم اي من تلك الايرادات الى الحكومة الاتحادية. ومن الجدير بالذكر وللاسباب اعلاه لم يتم شمول الاقليم بتخصيصات البترودولار في جميع قوانين الموازنة العامة للاعوام السابقة.

 

ان مجموع هذه المدفوعات لحكومة الاقليم من قبل الشركات النفطية تزيد بأضعاف عديدة مستحقات البترودولار المذكورة في قانون الموازنة. وعليه ليس فقط ان حكومة الاقليم لا تستحق اي شيء من تخصيصات البترودولار بل ان عليها دفع كل ما تستلمه من الشركات النفطية الى الحكومة الاتحادية او تقوم وزارة المالية الاتحادية باستقطاع تلك المدفوعات من حصة حكومة الاقليم في الموازنة العامة (بعد احتساب حصة حكومة الاقليم من البترودولار في هذه الحالة)

في ضوء ما تقدم فانني ادعو وادعم كل من وزارة النفط و/او وزارة المالية في الطعن بكل من المواد المذكورة اعلاه وهي: المادة “المادة 11 ثانيا:أ-” و” المادة-2-اولا-5 ” على قدر تعلق الامر بعدم استحقاق الاقليم لي من تخصيصات البترودولار.

ضريبة الدخل على شركات النفط العاملة في الاقليم
يفرض القانون رقم 19 لسنة 2010 (الذي دخل حيز التنفيذ في 10 آذار 2010) ضريبة دخل على شركات النفط الاجنبية المتعاقدة للعمل في العراق بنسبة 35% على الدخل المتحقق في العراق عن العقود المبرمة معها في مجال انتاج واستخراج النفط والغاز والصناعات المتعلقة بها. وقد الزمت “المادة 4 اولا-” من “التعليمات رقم 5 لسنة 2011” الصادرة عن وزارة المالية وزارة النفط باستقطاع هذه النسبة وتحويلها الى الهيئة العامة للضرائب.

اما في اقليم كوردستان فالأمر عكس ذلك؛ حيث لا تدفع الشركات الاجنبية والكيانات المؤتلفة معها والمقاولين الثانويين اية ضرائب على الدخل او على الموجودات او على نشاطاتها في الاقليم، وتقوم حكومة الاقليم بالتعويض عند دفع اية ضريبة لاي جهة رسمية (حسب المادة 31.1 من عقود المشاركة في الانتاج مثل العقد الموقع مع شركة DNO النرويجية الموقع بتاريخ 13 آذار 2008 والمتعلقة بحقل/رقعة تاوكي/طاووق)

مثل هذا الاستثناء ما هو الا “عوائد مفقودة” من الاقتصاد العراقي (بضمنه اقتصاد الاقليم) لصالح اقتصاد النرويج لان الشركة النرويجية تدفع ضريبة دخل للحكومة النرويجية وعند توزيع الارباح على المساهمين في الشركة (لانها مدرجة في بورصة اوسلو) يدفع المساهمون ضريبة دخل ايضا على حصتهم من تلك الارباح.

ولان عقود الاقليم هي مشاركة في الانتاج فان القيمة النقدية لحصة الشركات النفطية هناك اعلى بكثير من “صافي اجور الخدمة” في عقود وزارة النفط الاتحادية من جهة، وان تلك القيمة النقدية لحصة الشركات النفطية هناك ترتفع طرديا بارتفاع اسعار النفط، فان خسارة الاقتصاد العراقي تتزايد ايضا تبعا لذلك بسبب سياسات الاقليم الخاطئة.

وبما ان ضريبة الدخل على الشركات النفطية العاملة في العراق تدفع الى الهيئة العامة للضرائب وان مبالغ هذه الضرائب تدخل ضمن عوائد الخزينة العامة ويستلم الاقليم حصته من العوائد المدرجة في قانون الموازنة فان هذا يتعارض قطعا مع المبدأ الدستوري بشان “تحقيق اعلى منفعة للشعب العراقي” (المادة 112-ثانيا من الدستور النافذ).

لمعالجة هذا الخلل على حكومة الاقليم تعديل جميع عقودها وفرض ضريبة الدخل حسب القانون رقم 19 لسنة 2010 والتعليمات رقم 5 لسنة 2011 الصادرة عن وزارة المالية وتحويل كل الضرائب المستحصلة الى الهيئة العامة للضرائب، وبعكسه تقوم وزارة المالية باستقطاع مبلغ ضرائب الدخل على الشركات النفطية من حصة الاقليم في موازنة 2021.

في ضوء ما تقدم فانني ادعو وادعم الهيئة العامة للضرائب بالطعن بقانون الموازنة 2021 على اساس الخسائر المالية التي تلحق بالاقتصاد العراقي نتيجة لسياسة الاقليم بعدم فرض واستحصال ضريبة الدخل على الشركات النفطية العاملة في الاقليم,

 

وبما ان قانون الموازنة 2021 قد عهد بمهمة “تسوية المستحقات بين الحكومة الاتحادية واقليم كردستان…. الى ديوان الرقابة المالية الاتحادي…. ” (المادة 11- اولا) فانني ادعو وادعم ديوان الرقابة المالية الاتحادي بالطعن بقانون الموازنة 2021 على اساس الاضرار الاقتصادية على العراق بسبب: 1- عدم صواب تحديد الحد الادنى لإنتاج النفط في الاقليم؛ 2- عدم استحقاق الاقليم لتخصيصات البترودولار؛ 3- عدم فرض ضريبة الدخل على شركات النفط العاملة في الاقليم.

 

ااكد في الختام الى ان الواجب الوطني والالتزام الاخلاقي والتخصص المهني يحتم على جميع الخبراء النفطيين والاقتصاديين والمهتمين بمصلحة العراق وحماية حقوق الشعب العراقي الى تقديم او دعم الطعون بقانون الموازنة 2021 امام المحكمة الاتحادية العليا، الحامي الحقيقي للدستور النافذ.

ارجو نشر هذه المساهمة الى اوسع نطاق ممكن لتكثيف دعم الطعون ورفع الغبن الذي يسببه قانون الموازنة 2021 لأغلب الشعب العراقي.