23 ديسمبر، 2024 5:36 م

آمال الأوبك تتحطّم على منصات النفط الصخري!

آمال الأوبك تتحطّم على منصات النفط الصخري!

وزراء النفط في منظمة الأوبك مطالبون هذه الأيام بالتمتع بأعصاب من حديد. ما كاد اجتماعهم في العاصمة النمساوية فيينا في 25 أيار الحالي ينتهي بالاتفاق على تمديد خفض معدلات الإنتاج لتسعة أشهر إضافية حتى سجلت الأسعار تراجعا كبيرا قارب 4%. في تلك الليلة بدا وكأن الأسواق تسخر من الأوبك ومن قراراتها. صحيح أن هذا الانخفاض لا يعود إلى قرار خفض الإنتاج بحد ذاته وإنما لأن هذا القرار جاء أقل من التوقعات ولأن الأسواق استبقته بتسجيل ارتفاعات قوية في الأيام الماضية. لهذا عندما أعلنت الأوبك قرارها وجد المضاربون في ذلك فرصة سانحة لجني الأرباح عبر بيع كميات كبيرة من النفط. غير أن هذه التقلبات الحادة في الأسعار تشير أيضا بوضوح إلى المأزق الخطير الذي تجد أوبك نفسها فيه منذ 3 سنوات.
بعد القرار التاريخي للمنظمة في قمة الجزائر في شهر تشرين الثاني 2016 بتخفيض معدلات الإنتاج وانضمام دول نفطية أخرى من خارجها، في مقدمتها روسيا إلى هذا الاتفاق كان وزراء النفط يأملون بأن تتجاوز الأسعار قريبا حاجز 60 دولارا للبرميل، وربما راود البعض منهم الحلم بعودتها لسابق عهدها عندما كانت تتجاوز 100 دولار قبل حزيران 2014. وبالفعل حققت أسعار الذهب الأسود في الأسابيع اللاحقة مكاسب قوية قربتها من هذا الهدف. لكن سعر برنت سرعان ما كان ينخفض ويعود ليحوم حول 50 دولارا للبرميل.
من المؤكد أن هناك عوامل متعددة تؤثر على أداء أسواق النفط وفي مقدمتها مؤشرات العرض والطلب وسعر صرف الدولار وتطور مصادر الطاقة المتجددة وغيرها. غير أن شبح النفط الصخري ظل يقض مضاجع وزراء الأوبك طوال الفترة الماضية. ولا يستبعد أن يتحول هذه النفط إلى كابوس حقيقي وإلى صخرة صلدة تتحطم عليها آمال الأوبك على مدى السنوات المقبلة.
كان التحسن الكبير في استخراج النفط والغاز الصخرين في الولايات المتحدة خلال الفترة 2010 – 2014 في مقدمة الأسباب التي أدت إلى انهيار أسعار النفط في منتصف عام 2014. في البداية كانت بعض دول الأوبك وفي مقدمتها السعودية أكبر منتج فيها تحاول الإيحاء بأنها لا تبالي بذلك على أمل بأن تؤدي الأسعار المتدنية إلى إزاحة المنافس غير المريح المتمثل في النفط الصخري الأميركي من السوق، لا سيما وأن كلفة استخراجه عالية نسبيا. وبالفعل سجل الإنتاج الأميركي في عام 2016 تراجعا للمرة الأولى منذ سنوات عديدة وأعلنت الكثير من الشركات الأميركية إفلاسها عندما هوى السعر دون حاجز 30 دولارا. لكن ذلك لم يؤدِ إلى إعادة التوازن إلى السوق النفطية بالسرعة التي توقعتها الرياض، فيما بدأت معظم الدول النفطية وبما فيها السعودية وروسيا تواجه أزمة مالية خانقة أجبرتها على السحب من احتياطاتها من النقد الأجنبي. إزاء ذلك أقدمت السعودية على التضحية بوزير نفطها المخضرم السابق علي النعيمي ككبش فداء وقررت الأسرة المالكة تغيير سياستها النفطية 180 درجة. لهذا دفعت الرياض بقوة باتجاه تخفيض الإنتاج بما يصل إلى 1,8 مليون برميل يوميا.
ساهم هذا القرار في تحقيق نوع من التعافي في أسعار الذهب الأسود، وهذا ما كانت تنتظره شركات الطاقة الأميركية على أحر من الجمر. فبعد الأزمة التي ضربت صناعة النفط والغاز الصخرين في عامي 2015 و2016 إثر انهيار أسعار النفط عادت الكثير من الشركات الأميركية إلى السوق من جديد واستأنفت تشغيل منصات الحفر المتوقفة نتيجة انعدام الجدوى الاقتصادية. من جهة أخرى دفع تدني الأسعار الشركات الأميركية لتبني إجراءات صارمة لترشيد النفقات واستخدام تقنيات جديدة بهدف خفض تكاليف الاستخراج ورفع معدلات ضخ النفط من مكامنه العميقة. بفضل هذه التحسينات انخفض متوسط تكاليف استخراج النفط الصخري إلى أقل من 40 دولارا للبرميل، الأمر الذي يعني بأن أي سعر يزيد عن ذلك يضمن أرباحا معقولة للشركات المنتجة. على خلفية هذه التطورات عاد مؤشر عدد منصات الحفر في الولايات المتحدة في الأشهر الماضية لتسجيل ارتفاعات متتالية حتى وصل مؤخرا إلى أعلى مستوى له منذ عام ونصف العام. وبفضل ذلك بدأ قطاع الطاقة الأميركي في الأشهر الخمسة الأولى من العام الجاري بضخ كمية إضافية من النفط بلغت 850 ألف برميل إلى الأسواق المتخمة أصلا. بهذا عاد الإنتاج الأميركي للارتفاع من جديد ليصل إلى 9,3 مليون برميل وليقترب بذلك من الرقم القياسي الذي سجله في عام 2015. ومن المرجح استمرار هذه التطور الإيجابي للولايات المتحدة والمقلق لأوبك في السنوات القادمة حتى منتصف العقد الثالث من الألفية الجديدة على الأقل.
تقوم هذه التقديرات على وجود مؤشرات واضحة على تعافي الاستثمارات في قطاع النفط بعد انحسارها في عامي 2015 و2016. ففي ظل التوقعات ببقاء الأسعار تتأرجح بين 50 و55 دولارا للبرميل أقدمت الكثير من شركات الطاقة على مراجعة خططها المالية والإنتاجية. يمكن الإشارة هنا مثلا إلى عملاق الطاقة الأميركي أكسون موبايل الذي قرر إنفاق ربع ميزانيته الاستثمارية لعام 2107، أي ما يقارب 5,5 مليار دولار في عمليات حفر آبار جديدة في ولايات تكساس ونيو مكسيكو وكذلك في ولاية داكوتا الشمالية حيث يوجد حقل نفطي هائل يُقال بإنه يضم احتياطيات من الذهب الأسود تزيد عن 20 مليار برميل وإن مساحته تزيد عن مساحة العراق. كما أعلنت كبرى شركات الطاقة العالمية مثل بي بي وشيفرون وأكسون وغيرها في الربع الأول من عام 2017 عن مضاعفة أرباحها مقارنة بالفترة السابقة.
من جانب آخر تعول شركات النفط الصخري على سياسة الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب الذي بدأ بتخفيف القيود البيئية المفروضة على استخراج النفط وصادق على تنفيذ مشاريع بناء انابيب ستراتيجية لنقل النفط امتدادا من كندا وشمالي الولايات المتحدة ووصولا إلى خليج المكسيك حيث يوجد الكثير من مصافي تكرير النفط. ومن دون شك فإن اختيار ريكس تيلرسون الرئيس السابق لمجموعة أكسون موبايل النفطية لشغل منصب وزير الخارجية يعد بمثابة رسالة واضحة لطمأنة قطاع النفطي الأميركي.
انطلاقا من كل هذه المؤشرات يمكن الاستنتاج بأن خطط دول أوبك الرامية إلى إعادة التوزان إلى الأسواق ورفع الأسعار إلى مستويات تساعد في تمويل خططها الاقتصادية والسياسية الطموحة ستصطدم مستقبلا أيضا بتحديات كبيرة. ولعل التحدي الأكبر يتمثل في النفط الصخري الذي أبدى في السنوات الماضية قدرة كبيرة على التماسك والتأقلم مع الظروف الجديدة. من هنا يجدر بهذه البلدان أن تباشر بتنفيذ خطط واقعية لتنويع مصادر الدخل بدلا من مواصلة الاعتماد الكلي على الذهب الأسود.
نقلا عن المدى