لا أحد يكره لنفسه المجد والمديح ولا أحد يحب لنفسه النقد والتجريح، ولأن الكره والحب مشاعر فطرية نابعة من ذات النفس الإنسانية، فإن خيرها في طريق الفلاح قابل للتهذيب وارتقاء سلم الفضيلة، وشرها في طريق الطلاح قابل للتراكم وهبوط درجات الرذيلة، ولأن المشاعر على صلة وثيقة بالذات البشرية فإن المدح فيه إطراب والنقد فيه إضطراب، ولأنها كذلك وهي كذلك، فإن البعض يلصق بنفسه ما ليس فيه ويرمي على غيره ما فيه، حيث (يُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا)، ومن الطبيعي أن يتوسل، مَن هذه شاكلته، بالكذب والحيلة، والبعض وهم أندر من الكبريت الأحمر، يمشون بين البشر هونًا لا يرجون من الناس مدحًأ، فهم عند الله ممدوحون وإن تنكر لهم الناس، وهم عند الأسوياء معروفون وإن تنكر لهم المغرورون، وبعضهم يمشي في الأرض مرحًأ متبخترًأ ناصبً عرفه نافشًا ريشه لا يلوي على شيء سوى تسقُّط عثرات الناس، وما أكثرهم.
ومن الرسائل الأخلاقية التي جاء بها القرآن الكريم كمجموع ما بين الدفتين، أنه بالإضافة الى نزوله مرة واحدة ككل، كان ينزل على رسول الله محمد (ص) خلال 23 سنة من البعثة منجّما وفق الحوادث الحاصلة أو التي يتوقع حصولها، وهو ما يُعبر عنه في علوم القرآن بأسباب النزول، ولأن الإنسان أحد أثافي الحادث، فإن الآية بشكل عام كانت تخص عند النزول شخصًا أو مجموعة أشخاص، يذكرهم بخير أو يذمهم بشر تبعًا لنوع الممارسة أو الفعل، من هنا فإن القرآن الكريم في أحد أوجهه كان يمثل برج مراقبة لمن تبع الرسول (ص) أو خالفه، ولهذا كان بعض الصحابة إذا غاب عن مجلس الرسول (ص) لسبب ما لفترة طالت أو قصرت، كان أول ما يسأل عنه عند العودة: (هل نزلت فيَ آية)؟ .. سؤال يطير بجناحي الرهبة والرغبة، وهو يحط على تلة الفجور تارة وأخرى على تقواها مرددا : (ونفس وما سوّاها. فألهمها فجورها وتقواها).
وحيث جلس نفر على عرش الإيمان واستووا الى سماء العصمة، فهم بحق رواد كل آية للمؤمنين فيهم من الله مدحة، يرجون وجه الله ولا يريدون من البشر (جزاءًا ولا شكورا)، ولأنهم أئمة الهدى والعروة الوثقى، سأل فيهم رسول الله عباد الله (إلا المودة في القربى)، ولأن الإمام الحسين (ع) من أولئك النفر القليل من الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، ولأن المحقق الشيخ محمد صادق الكرباسي أوقف قلمه وما يملك في خدمة بيان عظمة هذا الإمام عبر موسوعته الرائدة (دائرة المعارف الحسينية)، ولأن الإمام الحسين حاضر في آيات كثيرة من القرآن الكريم، لذلك أفرد الكرباسي في موسوعته بابا أسماه (الحسين الكريم في القرآن العظيم) صدر منه عام 1426 هـ (2005 م) الجزء الأول في 458 صفحة من القطع الوزيري، وفي مطلع العام الجاري 2016 م صدر عن المركز الحسيني للدراسات بلندن الجزء الثاني في 396 صفحة من القطع الوزيري، وهذا الجزء هو التاسع والتسعون حسب سلسلة الطباعة وهو الواحد بعد المائة حسب ترتيب القراءة.
مناهج متداخلة
من الواضح أن المنهج الذي يتبعه الباحث له مدخلية كبيرة في الوصول الى الحقيقة أو البرهنة عليها بطرق سليمة وبسرعة معقولة، والمنهج هو بمثابة الكشاف الضوئي في الليلة الظلماء، ومن يكتب أو يبحث من غير منهج أو منهاج فهو في واقعه يتعثر في دربه، لأنه حينئذ يفتقد الى الوسيلة المناسبة التي تقوده الى الغاية المرجوة، وربما تداخلت المناهج، ولكن البحث في نهايته سيكون أقرب الى الواقع والحقيقة، وإذا تداخلت المناهج بشكل مشوه أثّرت سلبا على نتائج البحث.
ولمّا كان الحديث عن (الحسين الكريم في القرآن العظيم)، فهذا يعني الحديث عن القرآن الكريم ومناهج تفسيره وصولا الى بيان موضع الإمام الحسين (ع) في آيات الله الكريمات، وقد أبان الكرباسي في الجزء الأول عن مجموعة المناهج وشروحاتها، فكانت على النحو التالي: المنهج اللفظي، القرآني، الأثري، اللغوي، التأويلي، البلاغي، الفلسفي، العقدي، التشريعي، العلمي، الموضوعي، والتاريخي. وقد لاحظت أن الكرباسي الذي توفر على أدوات التفسير إلى جانب الفقاهة، اتخذ في تفسيره للآيات القرآنية التي ورد فيها الإمام الحسين تصريحا أو تلميحا أو مصداقا، أكثر من منهج حسب سياق الآية، وجمع في بعضها بين المناهج وبخاصة بين المنهج اللفظي والقرآني والأثري واللغوي والتأويلي والتاريخي، مما أعطى صورة واضحة عن الآية الكريمة بأبعادها المختلفة وموضع الإمام الحسين (ع) فيه كذات مستقلة أو في إطار الآل أو بعنوان المصداق العام.
وكما في الجزء الأول، عمل الكرباسي في الجزء الثاني جدولا للآيات الخاصة في الإمام الحسين (ع) وآخر للآيات العامة وفق تسلسل سور القرآن الذي بين أيدينا، وانتهى في الجزء الأول من سورة الحمد والبقرة، وبدأ في الجزء الثاني من سورة آل عمران وتوقف عندها، وحيث أن الموسوعة الحسينية ليست كتابًا بمقدمة ومتن وخاتمة جازمة، فإن باب الإستدراكات مفتوح لكل جديد أو قديم لم تصل إليه عجلة البحث والتنقيب والتحقيق، أو غاب لسبب ما ثم ظهر رسمه واسمه، وحسب تعبير المحقق الكرباسي: (والإستدراك خيرٌ من اللامبالاة بما مضى وعدم الإكتراث بما رُقِّم، وبالأخص إذا ما كان الأمر يتضمن تحقيقًا أو إحصاءً لكل ما من شأنه التجدد أو الإضافة، كما هو الحال فيما نحن فيه، حيث آلت الموسوعة “دائرة المعارف الحسينية” على نفسها أن لا تترك صغيرة ولا كبيرة وردت عن الإمام الحسين (ع) إلا وبحثت عنها لتكون جامعة ومانعة، ومن هنا ففي أيِّ وقت وجدنا ما يستحق أن نستدركه على ما فات فلا نتوانى عن ذلك، فالإستدراك فضيلة وكمال).
وتأسيسا على هذه القناعة المعرفية التي يتكابر عندها عدد من الكتاب والمؤلفين ويرونها منقصة (!)، فإن الكرباسي بعد أن تناول في الجزء الأول (18) مقطعًا خاصًّا في الإمام الحسين (ع)، تدراك في الجزء الثاني المقطع رقم (19) من سورة البقرة في قوله تعالى: (أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآَخِرَةِ فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ ينصرون) البقرة: 86، كما تدارك آيات فاتحة الكتاب، ففي سورة البقرة تدارك الآيات العامة: (21، 25، 41، 43، 50، 51، 52، 53، 57، 58، 59، 63، 67، 68، 69، 70، 71، 72، 73، 87، 105، 121، 153، 189، 208، و253)، وبهذا ينتهي المؤلف من استعراض الآيات العامة التي وردت في عموم المعصومين (ع) أو الأئمة الطاهرين (ع) أو أهل بيت الرسول (ص) أو آله الأطهار (ع) مما يشمل الإمام الحسين (ع) الذي هو أحدهم، مستعينًا بالمنهج الأثري من خلال إسناد كل آية إلى حديث شريف.
وإذا كان الإستدراك فضيلة، فإن إدخال الإمام الحسين (ع) بما ليس فيه، لا يزيد من سيد شباب أهل الجنة مكانة أو حظوة، والزيادة أو النقصية تؤخذ على الكاتب وتُحسب عليه وتقلل من مكانته العلمية، وربما اعتبر الأمر تدليسًا، قد تكون الآية خاصّة ويدخل الإمام الحسين (ع) في مصداقها، ولكن لا يمكن لأي كاتب ادخال اسمه (ع) في نص قديم حتى ولو من باب الولاء، كما فعل البعض عند الحديث عن الآية 200 من سورة آل عمران (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)، فالكرباسي عند بحثها في المقطع السادس من مقاطع سورة آل عمران يرى في الآية أنها: (من باب المصداق في خصوص الإمام الحسين (ع) ولكنها في الأئمة (ع) جاءت في إطارها العام من باب التأويل)، ويضيف معرجا على موضع الشاهد: (وقد ذكرت بعض المصادر أن هذه الآية نزلت في الرسول (ص) وعلي (ع) وحمزة رضوان الله عليه، مما يؤيد كونها من باب المصداق، ومما يؤسف له أن بعض المعاصرين أضافوا عليها “الحسن الحسين”، ولكننا لم نعثر على هذه الإضافة في المصادر التي بحوزتنا ولا فيما أشار إليه).
العربي على حقيقته
لا يخفى أن التفاضل أمر طبيعي وفطري وسنة الكون قائمة على التفاضل وعدم التساوي وإلا لانعدم طعم الحياة، فالعلم والجهل تفاضل: (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ) سورة الزمر: 9، والدفاع عن الحرمات من عدمه تفاضل: (لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُـلاًّ وَعَدَ اللّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا) سورة النساء: 95، والظلمة والنور تفاضل: (قل هل يستوي الأعمى والبصير أم هل تستوي الظلمات والنور) سورة الرعد: 16.
والأمثلة كثيرة، والأشياء تُعرف بأضدادها، ولعلَّ أبلغ الحِكم في التفاضل على المستوى البشري هو رفع الناس الى درجة الرقي والتكامل ودفعهم عن رصيف الجمود والتكاسل، وليس من التفاضل التنابز بالألقاب أو التفاخر بالأنساب على حساب ما هو حق وحقيقة، لأن الناس كل الناس من آدم وآدم وتراب: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) سورة الحجرات: 11، وحقيقة التفاضل تكمن فيما يؤديه المرء من عمل صالح في الحياة الدنيا ليكسب أجره في الآخرة ويخلف من خير على عياله في مماته.
والتفاضل الحقيقي أن يعرف المرء ممشاه ومسراه في بدء يومه وأخراه، ويعرف الجهة التي يعمل بها ومعها ومن يتولاه، واتباع الذين تركهم رسول الإسلام محمد (ص) ذخيرة للبشرية هو منتهى غاية التفاضل بين البشر، ولا يعدله أي تفاضل آخر ففيه خير الدنيا والآخرة، وهذه الحقيقة التي غابت عن الكثير وحضرت عند القليل، يتناولها الفقيه الكرباسي عند شرحه لستة مقاطع من سورة آل عمران التي دخل الإمام الحسين (ع) في مصداقها وهي الآيات: 30، 34، 61، 84، 95، والأخيرة رقم 200، مع بيان الروايات الشريفة الواردة في المقام، فضلا عن أحاديث أخرى مؤيدة، فأردف للمقطع الأول رواية واحدة، وللثاني أربع روايات، وللثالث 36 رواية وللرابع روايتين، وللخامس والسادس لكل منهما رواية واحدة، وألحق بالآيات الخاصة الآيات العامة من سورة آل عمران وهي: 7، 101، 103، 104، 110، والآية 186.
فالفارسي سلمان عند التفاضل (منّا أهل البيت) كما يقول رسول الإسلام محمد (ص)، وعمه عبد العزى بن عبد المطلب عند التفاضل: (تبّت يدا أبي لهب وتب)، لأنه كما يؤكد عليه الصلاة والسلام: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَلَا إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ أَلَا لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى أَعْجَمِيٍّ وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ وَلَا لِأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ وَلَا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ إِلَّا بِالتَّقْوَى)، ومن يتفاخر بالعروبة، فعليه أن يتفاخر بها وبالفلم المليان ما دام متّبعًا لأرباب العروبة ولا يخشى الآخر فهي نعم التفاضل والتفاخر، فقد روى العربي أبو ذر الغفاري قائلا: (رأيت رسول الله (ص) وقد ضرب كتف علي بن أبي طالب (ع) بيده وقال: يا علي من أحبّنا فهو العربي، ومن أبغضنا فهو العلج، شيعتنا أهل البيوتات والشرف، وسائر الناس منها براء، وإن الله وملائكته يهدمون سيئات شيعتنا كما يهدم القوم البنيان)، وهذه العروبة التي يتداولها متن الحديث أوردها الكرباسي في مقام الحديث عن المقطع الخامس في الآية 95 في قوله تعالى: (قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ)، وعن هذه الآية الشريفة ورد عن الإمام الحسين (ع) قوله: (ما أعلم على ملّة إبراهيم إلا نحن وشيعتنا)، ولهذا فإنه (ع) في يوم كربلاء ذكّر قاتليه بما هم عليه من حقيقة العروبة وخاطبهم: (ويحكم يا شيعة آل أبي سفيان، إن لم يكن لكم دين وكنتم لا تخافون المعاد فكونوا أحرارا في دنياكم وارجعوا إلى أحسابكم فحاسبوها إن كنتم عربا كما تزعمون).
أسماء وعلوم
يلاحظ من خلال تتبع الآيات الواردة في الإمام الحسين (ع) بالمباشرة أو بالتضمين في سورة آل عمران، حرص المؤلف على أن يستوفي لكل آية حقها من الشرح والمتابعة القرآنية تفسيرًا وتأويلًا ومصداقًا، والمتابعة الروائية متنًا وسندًا ورجالًا، فضلًا عن الغوص في موضوعات على علاقة مباشرة بالآية الكريمة مورد الشاهد، فالمقطع الأول في الآية 30 في قوله تعالى: (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا)، تعرض الى النفس ودورها في حياة الإنسان. وفي معرض الحديث عن المقطع الثاني في الآية 34 في قوله تعالى: (ذرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)، أفرد فصلا في بيان سيرة مختصرة لسبعة وثلاثين نبيّا وردت أسماؤهم في القرآن الكريم تصريحا أو تلميحا. وعند الحديث عن المقطع الثالث في الآية 61 في قوله تعالى: (فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ)، دخل في تاريخ نجران ورجالاتها وأحوالهم. وعند الحديث عن المقطع الرابع في الآية 84 في قوله تعالى: (قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَالنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ)، أفرد فصلا للحديث عن أسباط بني إسرائيل وأوصياء يعقوب وأبنائه. وقد علمت أن المقطع الخامس تناول مفهوم الأمة وملة إبراهيم وحقيقة العربي الأصيل. فيما تناول في المقطع السادس في الآية 200، حقيقة الصبر والمصابرة والمرابطة.
لقد مهَّد المحقق الكرباسي في كل باب جديد من أبواب الموسوعة الحسينية بمقدمة وافية تتناسب وعنوان الباب، وفي الجزء الأول من (الحسين العظيم في القرآن الكريم) أفرد مقدمة استوعبت ثلث الكتاب، تطرّق إلى التأويل وقيمته، باعتبار أن القيمة تكمن: (في بقر بواطن الآية أو الآيات والغوص في أعماقها لكشف الخفايات التي لا يمكن التوصل إليها عادة بمجرد النظر في ظواهر الآيات)، وعاد في الجزء الثاني للأبحار في مسألة التأويل التي ورد ذكرها 17 مرة في 15 آية مستشهدًا بما أبان عنه السيد محمد حسين الطباطبائي في تفسيره (الميزان في تفسير القرآن) بوصفه من مدرسة الإمامة، وبما أبان عنه الشيخ محمد الفخر الرازي في تفسيره (التفسير الكبير .. مفاتيح الغيب) بوصفه من مدرسة الخلافة، مشيرًا الى موردين في سورة آل عمران يصح تأويلهما من باب المصداق في الإمام الحسين (ع) وأهل بيته الأطهار وأنصاره الكرام هما الآية 157: (وَلَئِن قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ)، والآيتان 169 و170: (وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ. فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ).
وتحت عنوان (وقفة مع المحكم والمتشابه) أفاض المؤلف زيادة عما جاء في الجزء الأول مستعينا برأي الطباطبائي والفخر الرازي، في بيان معنى التأويل بلحاظ أن المتشابه من الآيات بحاجة الى تأويل، وخلاصة الأمر كما يرى البعض أن من مجموع آيات القرآن الكريم بما فيها البسملة هي (6348) هناك 55 آية متشابهة فقط.
وكما جرت العادة في كل جزء من أجزاء الموسوعة الحسينية، قدّم الأستاذ الجامعي من جمهورية جورجيا البروفيسور إليا غورجين مقدمة باللغة الجورجية على الجزء الثاني من (الحسين العظيم في القرآن الكريم)، عبر عن قناعته بأن الحسين في مقياس النصر والهزيمة يعد قائدا عظيما ورجلا مكافحا ضحى بنفسه واستشهد بين يديه أبناؤه وأشقاؤء وأهله وأصحابه من أجل الانتصار لقيم الخير والفضيلة وإقامة العدل، وهذا هو الإنتصار الحقيقي رغم الفوز الظاهري لقوى الظلام.
واستشهد البروفيسور غورجين وهو على الديانة الأرثوذكسية بما تحقق في واقعنا المعاصر في إيران وقيام الجمهورية الإسلامية، وبما تحقق في لبنان في استرجاع الجنوب المحتل، كنموذجين على تأثر المجتمعات المسلمة بالنهضة الحسينية.
واعتبر الأستاذ الجامعي غورجين أن موسوعة بهذا الحجم حيث بلغت أعدادها نحو 900 مؤلف تعكس في واقع الأمر حقيقة شخصية الإمام الحسين (ع) التي استقطبت النفوس فألفوا فيه مثل هذه الموسوعة، وتكشف في الوقت نفسه عن الشخصية العلمية للشيخ الكرباسي وتميّزه وتبحرّه.