على الرغم من موقعها المتاخم للعراق من جهة الجنوب، وعلى الرغم من مقومات الوطن الواحد المتوافرة بينهما كالأرض واللغة والدين والمصالح المشتركة، إلا أن قربها هذا لم يقربها مما قصده نبينا (ص) يوم قال: “والله لايؤمن والله لايؤمن والله لايؤمن، قالوا: من يارسول الله؟ قال: الذي لا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوائِقَه”.
وعلى الرغم من تصاهر أهلها وتناسبهم مع العراقيين لاسيما سكان محافظة البصرة، إلا أن مثلا يكاد ينطبق عليها تماما بمجرد النظر الى ماضي التجارب وغابر السنين، ذاك المثل هو: (الحمّى تجي من الكراعين). تلك هي… الكويت. هذه الدولة التي أطلقت عليها عبر تاريخها أسماء عدة منها؛ “القرين” وهو تصغير لمفردة “قرن” والقرن يعني التل أو الأرض العالية. ثم أطلق عليها الكويت وهو مصغر كلمة كوت، وتعني القلعة المربعة القريبة من المياه. كذلك أطلق عليها في حقبة من الزمن اسم “المحافظة التاسعة عشر”.
وفي كل الأحوال، لو قلبنا تاريخ منطقة شمال الخليج العربي، وتصفحنا ماجرى فيها من أحداث، لتيقنا أن النيران لم تكن تخمد تارة إلا وكان لها من العائلة الحاكمة في الكويت، من يؤججها ثانية ويثير غبارا مزعجا. وفيما يخص العراق ومجريات الأحداث السياسية التي طرأت عليه بتقلبات شديدة الانحدار، وعلى وجه الخصوص بعد تولي حزب البعث الفاشي مقاليد الحكم، وتحديدا بتسلق المقبور صدام الى قمة الهرم في النظام، فإن التاريخ يشهد كم كان صباح وآله فرحين بقدوم من كانوا يظنونه صديقهم الوفي، فقد كان فتى أحلامهم الذي يتمكن من وضع يده على تطلعات العراقيين بأخذ دورهم في الرقي، ويحد من ارتقاء البلد الى مايظنونه يضر بمصلحتهم وسياستهم المتبعة، بعرقلة سير عجلة العراق الى مايليق به، كصاحب حضارة عريقة.
وبعد انقشاع فتاهم الى دهليز القبر مستصحبا معه نظامه وأزلامه عام 2003، كان الأجدى بآل صباح أن يقلبوا صفحة بل صفحات جديدة مع العراق والعراقيين، ذلك أن الذي حصل عام 1990 “غزو للكويت” لم يكن بيد العراقيين شعبا ولاحتى حكومة..! فقد كان الأمر بيد القائد الأوحد ورجل الضرورة، وكان الرأي الأول والأخير له. إلا أن آل صباح لم يجدوا بدا من الانتقام من الشعب العراقي، بشكل ينم عن ضغائن وأحقاد بدوافع عديدة، منها آيديولوجية واقتصادية وسياسية وإقليمية، ومنها أيضا طائفية. والأخيرة كان لها تأثير جذري على انزواء آل صباح وابتعادهم عن إعادة العلاقة بين البلدين، فما فتئوا يستخدمون كل مابوسعهم لتكبيل العراق وتحجيمه، وكان أقصر الطرق لهذا هو تضييق الخناق على العراق بوابل من الديون، يربك تحركاته في وقت هو بأمس الحاجة لحرية التحرك في ظل انعتاقه من نظام مستبد دكتاتوري، وانطلاقه الى عالم الديمقراطية والفيدرالية التي كان من المرجى ان تكون مثابة للبناء والإعمار، والتعويض عما فات من سنين كانت السمة البارزة فيها الخراب والجهل والتخلف.
وقد دأب العراق على طي صفحات الثأر والانتقام، وتعلق بكل الأسباب المؤدية الى عودة العلاقات بين الجارين بما يخدم مصلحتهما معا، وفي حقيقة الأمر لم يبدِ الجانب الكويتي طيلة السنوات الإحدى عشرة الماضية أحضانا مفتوحة تماما، فقد وضع عقبة الديون في طريق عودة العلاقات، وهو على علم تام بحاجة العراق في ظرفه الحالي الى السيولة النقدية، للوقوف على أقدام وأرضية صلبة تمكنه من تدارك التدهور في أسعار النفط.
ومع كل هذا لم يبخل العراق بالتسامح ونسيان المواقف الماضية، وهاهو اليوم يوقع مع الجانب الكويتي اتفاقيات التعاون المشترك بكل مجالاته، لكن..! مثلنا يقول: (الملدوغ يخاف من جرة الحبل)..!
فهل نقول إن آل صباح اليوم صاروا أولياء حميمين بعد عداوة طويلة…؟!