23 ديسمبر، 2024 10:54 ص

آلام السيد المسيح !

آلام السيد المسيح !

لم يكن يدر بخلد السيد المسيح (ع) أن أنصاره سيقعون يوما فريسة جماعات مدعية للدين مرائية، بعض ممثليها يضع العمامة البيضاء وآخرون يفضلونها سوداء ظلما وعدوانا وبالنسب الذي لا ينقذ من أن يلقى مدّعوه مصير أبي لهب. ولو كان (ع) يعلم بذلك لما خاطب ربه قائلا “إنك أنت علام الغيوب”.
كان على السيد المسيح أن يفتدي اتباعه لعله بذلك ينقذ من في أصلابهم من صلبهم وإضطهادهم، ونشر الرعب في نفوسهم لترتجف أوصالهم، وإجبارهم على التخلي عن الاحتفال بمولده الشريف بطقوسهم المألوفة، أو “اختصار احتفالاتهم بأعياد الميلاد ورأس السنة الميلادية على اقامة الصلوات والقداس في الكنائس المنتشرة في مختلف مناطق محافظة البصرة، لتزامنها مع واقعة الطف واستشهاد الامام الحسين”، وهو النص الذي تناقلته وسائل الاعلام المحلية!
الجماعات المسلحة وفرق الموت، وبعد أن انكسرت شوكتهم في البصرة في عملية “صولة الفرسان”، عاد الكثير منهم مرة أخرى للظهور بعد الافراج عنهم أو عودتهم من إيران حيث كانوا لجؤوا، لممارسة نفس الأدوار السابقة في البطش وبث الرعب والبلطجة لكنهم طبعا، غيروا من أساليبهم القديمة، وصاروا مثل البزازين، رزقها عالمعثرات. وأبويه مايقدر الا على أمي.
في السنة الماضية، بثت قناة “العراقية” الرسمية خبرا مماثلا عن الغاء إحتفالات مسيحيي البصرة، ولكنها عدّلته بعد إعتراضي الذي نشرته على صفحتي في فيسبوك، قلت فيه إن الامام الحسين (ع) استشهد سنة 61 للهجرة أولا، وان عيد الميلاد ورأس السنة لا يتزامنان لا مع واقعة الطف ولا مع ذكراها في العاشر من محرم، ولا حتى مع الأربعين.
فمن الذي يقف وراء هذا “التطوع الاجباري” من المسيحيين لالغاء أو تقييد احتفالاتهم، التي يجب أن تكون في رأس اهتماماتنا خصوصا ميلاد السيد المسيح (ع)؟
ومن يقف خلف “تجهيل” الشيعة وعموم المسلمين، ومنعهم من الاحتفال بمولد نبي من أولي العزم، جاءت ولادته مختلفة عن بقية الولادات، وهي لوحدها آية عظيمة الى جانب آياته ومعجزاته (ع)؟!
“وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَرَسُولاً إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ”.
قبل “صولة الفرسان” كنت أعمل على إنتاج أفلام وثائقية عن البصرة. وذات يوم كنت أصور داخل الجامعة، وكان يرافقنا، رغم أنفنا! “عسعس” كان عضوا من لجنة أمنية فرضها مكتب الشهيد الصدر في الجامعة.
كنت أجري حوارات عفوية مع الطالبات والطلاب، والتقيت طالبة “محجبة” بيضاء رفقة صديقتها السمراء المحجبة أيضا، وكانت تريد أن تقول لي شيئا يكاد يفجر صدرها، ولكنها خشيت من مرافقنا الأمني، ومن عواقب ما بعد بث الفيلم فيما لو تحدثت لنا.
أما “العسعس” فقد تخلصت منه برفق بعد أن عرف أنني اعتقلت في زمن صدام، في بيت الشهيد الصدر الأول، و”استحى وانسحب” مفضلا المراقبة عن بعد، وتخويف من يرضى بالتصوير معي، بعينيه بالريموت كونترول. وأما “الطالبة المحجبة” فقد وعدتها بألا أبث شيئا يضرها، مرددا في نفسي لقيس بن الملوح:
“ومفروشة الخدين وردا مضرجا / إذا جمشته العين عاد بنفسجا”.
تقدمت صوبي وأنا أرى فيها “أختي أو ابنتي” وعيناها تكادان لا تخطئان “العسعس” بينما كان يحضرني “الأعشى” وهو يقول:
“كأنّ مشيتَها من بيتِ جارتِها / مرّ السحابِ لا ريثٍ ولاعجلِ”
وحين استقرت أمام الكاميرا (لنعطي إنطباعا للعسعس أننا نصور) قالت وقد سلخ ابتسامتها الأسى إنها مسيحية وغير محجبة في الأصل لكنها ارتدت الحجاب لأن تهديدا بالقتل وصلها من أعضاء مكتب “العسعس” في الجامعة في خضم الحديث يومذاك عن قتل الفتيات في البصرة.
أستذكر تلك الواقعة وأنا أعلن هنا رفضي جملة وتفصيلا الادعاء أن المسيحيين هم أنفسهم من “قرر اختصار احتفالاتهم..”، وأطالب الحكومة بتأمين الأجواء المناسبة لهم ليحتفلوا دون اختصار!
وأقول لهذه الجماعات التي أوجدت فضاءات الخوف في البصرة تحديدا بما يحول دون إقامة الاحتفالات على نطاق واسع:
من يحفر هوة يقع فيها ومن ينقض جدارا تلدغه حية.
ويا حافرالبير لا تغمج مساحيها خاف الفلك يندار وانت التكع بيها
أين الطالب بدم المقتول ليطيح بعمائمكم؟
والعاقل يفهم.
مسمار:
المسيح (ع) “ها أنا أرسلكم كغنم في وسط ذئاب. فكونوا حكماء كالحيّات وبسطاء كالحمام”