كل بن ادم خطّاء وخير الخطاؤون التوابون , فبعد تحبيذها الواضح لانتخاب قائمة 555 و 169 او ما يعرف بالشمعة ومشاركة السيد احمد الصافي بكتابة الدستور , تراجعت المرجعية ورفعت يدها عمن اوصلته. ويحسب لها تراجعها عن خطئها وعدم مكابرتها ما يثبت حسن نيتها لكن ما هو سهل عليها ليس سهلا ً على الاخرين ممن ارتقوا على ظهرها وتشبثوا بقمة الحكم وهنا تكمن خطورة اللعبة السياسية في العراق عبر تاريخها فهناك دائما ً هناك طرف حسن نية يساهم في ارتقاء حليف لكنه بواقعه طفيلي مقيت.
بعد الاحتجاجات الشعبية الكبيرة توقعت ان تكون خطبة الجمعة حاثة للحكومة على الاستجابة لمطالب الشعب لكن ما فاق توقعي وفاجئني ان خطبة الجمعة ليوم 7/8 كانت كإعلان حرب على الحكومة والأحزاب المكونة لها وخصوصا ً على الحكومة السابقة ونقلت المرجعية من مؤيد للشعب الى طرف في المعركة فجعلت نفسها بهذه الخطبة الطرف المقابل والمضاد للحكومة وتبنت المظاهرات والمطالب فأصبحت هي لا الشعب الند والمناوئ للحكومة.
يبدو ان من اشعل فتيل المظاهرات اولا ً في البصرة – القرنة والتي راح ضحيتها “منتظر” كتصعيد متعمد هم انصار المالكي الذين ارادوا ان يثيروا الغضب والرفض للحكومة على سوء الخدمات تزامنا ً مع الذكرى السنوية الاولى للإطاحة بزعيمهم المالكي والهدف ان تعم المظاهرات العراق ويكون شعارها اسقاط البرلمان والدستور ثم القيام بأحد السيناريوهات اما دعوات لتحويل النظام البرلماني الى رئاسي تعقبه انتخابات مبكرة ينتج عنها اختيار للمالكي كرئيس ابدي للجمهورية او سيناريو اثنين فراغ امني تسيطر عليه الفصائل العسكرية الاقوى وهي مواليه للمالكي مثل قوات بدر والعصائب والكتائب فيعود المالكي من الشباك ويتحول الى ذراع ايران الضاربة وحليف الولي المرشد. لكن وعي المرجعية بذلك جعلها تتخذ من ذلك سبب مضاف لأعلان تأييدها وتبنيها للمظاهرات ومطالبها ثم تشذبها بحيث لا ترفع سقفها ليصل الى تعطيل الدستور وإلغاء البرلمان.
في الفترة السابقة لام الكثيرين المرجعية لانها اكتفت بالمقاطعة ولم توجه تهديدا ً مباشرا ً للسياسيين الذين اوصلتهم ولم تهددهم بفتوى مكتوبة تعلن بها البراءة منهم ردا ً على تقصيرهم بملف الكهرباء والفساد المالي !! ما فات هؤلاء ان يدركوا ان المرجعية ليست مرجعية ولاية فقيه فهي لا تستطيع التدخل المباشر السافر فالولاية الخاصة لا تمتلك وسائل القوة والسيطرة كما هو حال المرشد خامنئي باعتباره يمثل الولاية العامة لا على الحكومة وإجبارها بل حتى على الاتباع – الشعب – في حين ان مرجعية الولاية الخاصة لا تضمن حتى اتباع الشارع لها.
وبذا يتفرع عن مسألة -كون مرجعيتنا ذات ولاية خاصة- امر عقلي وهو ان من يعاني من التعرق بدرجة حرارة تفوق الخمسين وان من تمتد الايدي لتسرق مستقبله ومستقبل عياله لا يحتاج الى فتوى ليرفض ذلك ويصرخ باحتجاجه وينزل للشارع . فلربما يكون هذا الشخص مستكينا ً راضيا ً عما يحصل معه وهو ما ظهر الكثير من مصداقه بالكثير من المناسبات مما اثبت ان المرجعية كانت مشخصة له وبذا ظهر صحة حكمها المنطقي على الناس ” اتباعها المفترضين” فالمرجعية التي نادت بتأييد المظاهرات وحثت عليها لم يجبها الشعب بالقوة التي ترغب بها وان كان التوجه العام والكاسح لديه هو القبول بوجهة نظرها انه قد طفح الكيل لكن مع ذلك فضل الكثيرين من الشعب ان يبقوا رازحين تحت اعبائهم النفسية من قبيل عقدة البعض من النظام العلماني رغم ان المرجعية وبعد خطبة 7/8 صرحت مباشرة وبكل وضوح لوكالة الصحافة الفرنسية انها تؤيد قيام دولة مدنية .كما ان البعض الاخر مصدوم من فشل الاحزاب الدينية كما فشلت النظرية القومية والبعثية والشيوعية فالامر ليس سهل اذا انه موت تاريخي لهذا التوجه .والبعض الاخر لا زال يعبد الاصنام ويرفض ان تسقط من نظره فمنهم من يبحث عن الصنم الرمز كالمالكي مثلا ً في وقت تبحث فيه الشعوب الناضجة عن دولة مؤسسات لا افراد وعن موظفين لا رموز والبعض اتخذ صنما ً دينيا ً لا يتحرك لا بإشارة منه .