لو كان الجاحظ حيا بين ظهرانينا ﻷلف في أنواع التزوير وحيل المزورين العراقيين بعد 3003 كتابا على نحو كتابه ذائع الصيت ” البخلاء ” فمن شأن تلكم الحيل أن تجعل أشهر مزور في التأريخ ” فرانك ويليامز أباغنيل ” خجلا من نفسه ، وبإمكانها أن تدفع من حولوا سيرته الذاتية بين مرحلتي التزوير وانتحال الصفة التي مارسها طويلا وصولا لمنصبه مستشارا بمكافحة الغش لصالح ” السي آي إيه” الى فيلم بعنوان ” Catch Me if You can”المنتج عام 2002 والذي رشح لـ 22 جائزة بضمنها جائزتي أوسكار للضحك على أنفسهم خجلا مما صنعوا ، ذاك أن موزورينا لم يتركوا مجالا اﻻ وحشروا أنوفهم فيه ، بدءا بتزوير العملات ، تزوير اﻷلقاب ، شهادات الجنسية وبطاقات اﻷحوال الشخصية ، تزوير الصكوك ، إنتشار ظاهرة شهود الزور المستأجرين بالقرب من المحاكم ، تزوير صناديق الإقتراع وأصوات الناخبين في بعض المراكز الانتخابية المحلية والبرلمانية بما أسميه بـ” التزوير قراطية ” التي أطارت أقواما الى عليين وهوت بآخرين الى أسفل السافلين ، تزوير النِسب السكانية بغية التغيير الديمغرافي في مناطق تشهد نزاعات عرقية وطائفية ، ناهيك عن تزوير الباجات والهويات النقابية وما الى ذلك .
ومن اﻵفات الاجتماعية القاتلة في العراق ” تزوير الإنتساب الى الشجرة النبوية المطهرة والعترة الطاهرة للحصول على النسب المتصل بالنبوة ” وحيازة لقب “سيد” وما يترتب على ذلك من مكانة إجتماعية و- خمس – و” دخيل جدك ” و “تفضل مولانا ” و ” الله بالخير سيد ” و ” دعواتك سيدنا “وخرق خضر وعمائم سود ، ولا تكاد تمشي في شارع أو سوق في العراق اليوم إﻻ وتجد فيه مالايقل عن 50 سيدا ، كثير منهم من سادة – الكارتون – وبعضهم يرتكب من الموبقات العلنية ويجاهر بالمعاصي ويتلفظ بفحش الكلام بما لايفعله حشاشو البتاويين وﻻ – سكارى – شارع ابي نؤاس مع شديد اﻷسى واﻷسف ، وآن آوان إجراء فحص حمض الـDNA إضافة الى إعادة تقييم شجيرات اﻷنساب وتدقيق شهادات الجنسية لكل من يدعي النسبة الى العترة الطاهرة ليس على مستوى المواطنين فحسب بل وعلى مستوى المسؤولين ايضا ، وعلى عاتق نقابات السادة الاشراف الموثوقة والمرموقة تقع المسؤولية الكبرى في تلك المهمة الاجتماعية والدينية الجسيمة لكشف الغث والسمين وعزل المدعين وتنحيتهم جانبا ، وأذكرهم بأن فقهاءنا اﻷجلاء قالوا قديما ” من إنتسب إلى بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم – بالباطل – يضرب ضربًا وجيعًا ويشهر ويحبس طويلاً حتى تظهر توبته” لما في ذلك من المفاسد العظيمة ما لاتحمد عقباه ، ولله در احمد شوقي القائل في قصيدته العصماء ” سلوا قلبي ” :
أَبا الزَهراءِ قَد جاوَزتُ قَدري ..بِمَدحِكَ بَيدَ أَنَّ لِيَ انتِسابا
ومن صور التزوير العراقية بروز ظاهرة إختراع مقامات وأضرحة ﻻ دلائل آثارية ، أو تأريخية أو دينية تؤيدها ، فما تكاد شمس السماء تشرق على هذا الشعب المبتلى إﻻ وتسمع فيه بظهور مقام جديد يدر على أصحابه دخلا فلكيا وﻻ في اﻷحلام ومعظمها تتم عن طريق رؤى منامية مزعومة كخطوة أولي للشروع بـ” المقام التجاري ” وﻻشك أن تزوير الرؤى المنامية الوهمية التي حذر الشارع الحكيم منها بقوله صلى الله عليه وسلم :(( أفرى الفرى أن يُري الرجل عينيه ما لم تريا)) ، تلعب دورا في صناعة هذا “الوهم ” وما يترتب عليه ومنها تلك الرؤيا التي إدعى فيها أحدهم في لقاء متلفز أنه رأى سيدة نساء العالمين قرة عين الرسول فاطمة الزهراء البتول في المنام وهي تخبره بأن يذهب الى الروحاني احمد الوائلي الملقب بـ “حجي ثقب ” ﻷنها اختارته – على حد زعمه – معالجا لنساء المسلمين !!
ومقام – الخضر – في الباب المعظم شاهد آخر على ذلك فلقد كان هذا المكان مهجوراً حتى عام 1982، يوم زعم أحدهم وكان يسكن على الهامش قريبا من المكان أنه رآى رؤيا منامية تخبره بضرورة تنظيفه وتحويله الى مزار ويقال أن الرائي هو أحد اشقياء بغداد المعروفين ، فيما يؤكد اﻵثاريوين أن هذا الموقع في اﻷصل هو مصدات كانت موضوعة أمام قصر الملك نبوخذ نصر، لصد مياه الفيضان عنه ، علما أن للخضر في العراق 168 مقاما ، والمقام هو المكان الذي أقام فيه الرجل الصالح لفترة ما قد تطول وقد تقصر بخلاف المشهد وهو المكان الذي أستشهد فيه ، فيما الضريح هو المكان الذي دفن فيه ، وعلى دوائر الثقافة والتراث ومديريات اﻷوقاف فضلا عن الوقفين السني والشيعي ملاحقة المقامات واﻷضرحة الوهمية والحد من ظاهرة بروزها المطرد بين فينة وأخرى هنا وهناك عبثيا !!
ومن أشكال التزوير العراقية تزوير ملكية العقارات وباﻷخص العقارات المملوكة للدولة أو لمسؤولين في الانظمة السابقة أو لمهاجرين عراقيين في أرض الغربة لصالح متنفذين وآخرها وليس أخيرها إعادة عقاراتٍ مساحتها 61 دونماً بقيمة 7 مليارات دينارٍ في البصرة ، اذ تمت عملية التزوير عبر إصدار هويات أحوال مدنية لمُتوفين يملكون حقَّ التصرف فيها لغرض نقل ملكيتها الى شخص قام بتجريفها وتقطيعها لبيعها بحسب ما اعلنته هيأة النزاهة في وقت سابق !
ومن صور ” التزوير قراطية ” ظاهرة تزوير الشهادات المدرسية والجامعية ، الاولية والعليا وحسبي أن أسوق هنا ما كشفه النائب عن ” كتلة صادقون ” عبد الامير الدبي ، في معرض مطالبته بإصدار عفو عام عن المنتسبين اﻷمنيين المفصولين بسبب الشهادات المزورة، قائلا وبالحرف ” يجب أن ﻻ نجعل من الشهادة والتحصيل الدراسي حجر عثرة أمامهم ، فمنذ عام 2003 وحالات تزوير الشهادات منتشرة في العراق. وكثير من الوزراء والنواب السابقين ومسؤولين كبار في الدولة أفادوا من الشهادات المزورة” على حد قوله ، ما أثار لغطا شعبيا واسعا لم يهدأ بعد ، ليعلن مجلس القضاء اﻷعلى وبعد أيام من ذلك صدور أحكام وفقا للمادة 331 من قانون العقوبات العراقي بحق “مدير مدرسة ” في رصافة بغداد تلاعب بدرجات بعض الطلبة الراسبين وقام بتغيير درجاتهم مقابل مبالغ مالية”، وﻻشك أن الكشف عن هؤلاء المزورين وأمثالهم باتت مهمة وطنية منوطة بمديريات التربية ووزارتي التربية والتعليم .
تزوير الباجات والكتب والوثائق واﻷختام الرسمية ظاهرة أخرى تندرج تحت عباءة ” التزوير قراطية ” ومن هزاتها الارتدادية إعلان مديرية مكافحة الجريمة المنظمة ضبط مطبعة في شارع المتنبي تقوم بطباعة الباجات والهويات والكتب الرسمية المزورة تحمل أسماء لدوائر رسمية وجهات سياسية حكومية وغير حكومية !
ومن اشكالها إنتحال وتزوير الصفة وابرزها القبض على منتحل صفة ضابط يحمل ٤ باجات عسكرية نافذة الصلاحية صادرة من وزارة الدفاع في رصافة بغداد ، والقبض على منتحل صفة ضابط برتبة رائد في وزارة الداخلية، والاطاحة بشبكة تمارس عمليات التزوير وإنتحال صفة مسؤولين في رئاسة الوزراء، و إنتحال صفة ضباط في جهاز المخابرات الوطني في جانب الكرخ من العاصمة ، علاوة على اعتقال منتحل صفة ضابط في رئاسة الوزراء بمنطقة الشالجية والقائمة طويلة غصت بها وكالات الانباء والنشرات الاخبارية!
ومن صورها إدعاء المشيخة من قبل بعض ضعاف النفوس للضحك على ذقون البسطاء وابتزاز الاغنياء وهؤلاء في العادة يعتنون بمظهرهم ” عقال وغترة وصاية وعباءة ودشداشة انيقة وخواتم بأحجار كريمة – فالصو – في اليمين والشمال وساعة تقليد – راسكوب – لايزيد سعرها عن 3 الاف دينار ، ويحفظون بعض الحكم واﻷمثال والهوسات ومقاطع من الشعر الشعبي والابوذيات والدارميات والزهيريات وجانبا من انساب العشائر والافخاذ ليمارسوا – لصوصيتهم – بأعتبار أن القانون لايحمي المغفلين ، وعلى مجالس العشائر الكريمة ملاحقة هؤلاء الذين يسيؤون الى سمعة العشائر فضلا عن المشيخة في كل انحاء البلاد !
هناك ظاهرة خطيرة أخرى لاتقل فداحة عن سابقاتها متمثلة بتزوير تواريخ نفاد الأدوية التالفة والاغذية منتهية الصلاحية وتزوير تواريخ الصنع وعناوين المناشئ وتقليد علب الشركات المصنعة وماركاتها وآخرها ضبط أكبر معمل حليب في العراق يعمل على تزوير الماركات العالمية في الديوانية !
من الظواهر “التزوير قراطية ” المحلية بروز ما بات يعرف بالنقابات والمؤسسات الثقافية والاعلامية -السبرانية – الوهمية التي تتخذ من السوشيال ميديا مصائد مغفلين لضحاياها وتمنح الهويات والشهادات التقديرية والكنى والالقاب الفنية والصحفية بل و الدكتوراه الفخرية المزورة أيضا بزعم أنها من جامعات مرموقة مقابل بدل نقدي بالعملة الصعبة لايتجاوز احيانا الـ 100 $ وهؤلاء لا وجود لمقارهم وﻻ مكاتبهم على نظام التموضع العالمي- جي بي اس – وﻻ خارطة غوغل !
وﻻيفوتنا الاشارة الى ظاهرة تزوير التقارير الطبية للحصول على التعويضات ضمن ضحايا العمليات الإرهابية وآخرها ضبط 3 مُتَّهمين بتزوير (29) تقريراً طبياً مقابل (500) دولار عن كل تقرير في الانبار ، زيادة على تزوير اﻷسماء للتجاوزة على شبكة الحماية الاجتماعية وقد تم استرداد أكثر من 9 مليارات دينار ونصف خلال عام واحد بعد إكتشاف اﻵف اﻷسماء الوهمية ضمن قوائم مزورة !
أما عن ظاهرة تزوير العملات فهناك ما يقرب من 200 شبكة تنشط في العراق تتولى تزوير فئات الـ ” 5 – 10 – 25 ” الف دينار اضافة الى الدولار واليورو وقد القي القبض على مئات المتورطين بجرائم تزوير العملة وتفكيك عشرات العصابات بينها نساء في جميع أنحاء العراق ، بما فاق ما قام به أشهر مزور عملات في الشرق الاوسط اللبناني عماد ناصر ، و الذي نجح في تزوير أصعب عملة ” الريال السعودي ” وبقية العملات بأستثناء الليرة اللبنانية التي رفض تزويرها ..لماذا ياعماد ؟ قال ” ﻷنني احترم الأرزة المطبوعة على عملة بلادي !!”.
وبذلك تتفوق ظاهرة ” التزوير قراطية” العراقية على “الفرانكية” اﻷميركية وتضحك عليها – وتحطها بجيب الخردة – ذاك ان المزور العراقي اذا ما أصبح مسؤولا بفعل تزوير الشهادات أو اﻷصوات الانتخابية والتأريخ النضالي المزيف فإن الجهة السياسية التي يمثلها والتي رشحته الى منصبه ستدافع عنه بكل قوة وتمنع مساءلته تحت أي ظرف كان ومهما كانت الذرائع واﻻ فأنها ستفتح النار ضد خصومها السياسيين مع التلويح بكشف ملفات تزوير مماثلة على ممثلي بقية الكتل والاحزاب والتيارات ما يجعل الكل ساكتا على الباطل وفضائح التزوير والمزورين التي آزكمت روائحها الانوف في حال مست – رؤوس البصل – والاكتفاء بملاحقة مزوري الطبقات الدنيا والدرجة العاشرة ممن لا جلد لهم وﻻ سند !
ومن اﻵفات في هذا المجال الخطير والتي ذهب ضحيتها الالاف ، تزوير مقاطع الفيديو والصور عبر الفوتو شوب ، وكذلك بث الشائعات وما يتمخض عنها من إثارة القلاق واﻷحقاد والضغائن والفتن في بلد يقف على شفا جرف هار كالعراق ، والشائعة هي أبشع أنواع القول الزور ونشر الاكاذيب ،اضافة الى شهادة الزور بالباطل لصالح جهات أو اشخاص ضد آخرين ، وفي هذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قالوا بلى يا رسول الله، قال ” الإِشْرَاكُ بِاللَّهِ ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ ” وَكَانَ مُتَّكِئًا فَجَلَسَ ، قَالَ : ” وَقَوْلُ الزُّورِ ” فَمَا زَالَ يَقُولُهَا حَتَّى قُلْنَا : لَيْتَهُ سَكَتَ . كما يروي الراوي وذلك لعظيم خطر قول الزور وشهادته وكل ما يتفرع عنهما من نشرات اخبارية كاذبة ومقاطع فيديو أو صور مفبركة وشائعات وأباطيل وادعاءات ونكات سمجة وأقاويل كثرت بشكل غير مسبوق في العراق ساعد على انتشارها مواقع التواصل ووسائل الاتصال الحديثة والاعلام الالكتروني . اودعناكم اغاتي