أفرد الوزير اﻷديب أبو سعد اﻵبي(ت 422 هـ ) في كتابه ” نثر الدرر في المحاضرات ” بابا سماه” نوادر في الفساء والضراط “جاء فيه أن فتاة أخرجت ريحا في الطريق العام فسمعها شيخ كبير كان على مقربة منها ما دفعه الى إبداء إستيائه ولكن بطريقة مؤدبة جدا واذا بالفتاة تنفجر بوجهه غاضبة قائلة له”يَا بغيض يَا مقيت، مِمَّن تُسَبِح؟ قطعت عَلَيْك الطَّرِيق؟ تعلقت لَك بِثَوْب؟ شتمت لَك عرضا؟ رميتك بِفَاحِشَة؟ حبستك عَن حَاجَة؟ فَخَجِلَ الشَّيْخ حَتَّى كَأَنَّهُ هُوَ الَّذِي ضرط!!” ، هذه الطرفة المستلة من كتب التراث ونوادر المحكيات تلخص لنا ما يجري في العراق اليوم طبق اﻷصل حيث بات الفاسدون وكل ما إعترض معترض على فسادهم الذي أزكم اﻷنوف يهاجمونه بشراسة قل نظيرها على طريقة المرأة والشيخ ويجتمعون عليه دفعة واحدة ، وهم الذين ما إجتمعوا يوما لخدمة الوطن والمواطن ، ما يدفع المعترضين في نهاية المطاف لتقديم الإعتذار وإبداء الخجل وكأنهم هم الذين سرقوا ونهبوا وأخرجوا الريح بدلا من عتاة السراق الحقيقيين وعذرا للقراء على هذا التشبيه والقياس اﻻ أن الفاسدين ممن نهبوا البلاد وسبوا العباد لم يبقوا لنا وسيلة للحديث معهم فضلا عن النيل منهم غير تلك وقد ألجأونا رغما عن أنوفنا الى هذا التشبيه على طريقة اﻵبي آنف الذكر ، وعذري في ذلك القدح ما ذكره الإمام النووي في كتابه ذائع الصيت ” رياض الصالحين ” :
القدح ليس بغيبة في ستة … متظلم ومعرف ومحذر
ومجاهر فسقا ومستفت ومن … طلب إلاعانة في إزالة منكر
فعندما يتهم نائب في البرلمان وأمين عام حزب ، نائبة سابقة ومستشارة حالية بالسمسرة عبر تغريدات متتابعة من غير حياء ولاخجل وبلغة سوقية بحتة درج عليها طويلا ظنا منه أنها اﻷقرب لدغدغة مشاعر الجماهير ، وعندما يُكشَف النقاب عن وجود مليون قطعة سلاح بعضها أسلحة ثقيلة في البصرة لوحدها فيما ترفع الدولة شعار”لاسلاح باليد” ، وعندما ينتحر شاب بسبب البطالة شنقا بمنطقة شط العرب ، سبقه الى ذلك شيخ كبير مصاب بالسرطان بإلقاء نفسه من الطابق السادس لمستشفى الصدر التعليمي لعدم تمكنه من شراء العلاج ، وعندما تصدر وزارة الدفاع قرارا يقضي بإحالة عدد من الضباط والقادة وبرتب كبيرة الى المحاكم العسكرية المختصة بتهم تتعلق بالفساد ، لتتبعها وزارة الداخلية بنشر خبر يتحدث عن القاء القبض على منتحل صفة ضابط برتبة لواء في الشرطة متهم بالنصب والإحتيال على المواطنين بزعم تعيينهم مقابل مبالغ كبيرة غربي العاصمة بغداد ، ليثلث مجلس القضاء اﻷعلى بخبر يفيد بوجود 68428 موقوفا ومحكوما بالمخدرات في 6 أشهر فحسب في العراق ، والإطاحة بمحتال يحوز 175 ختماً مزوراً لدوائر الدولة في ديالى ، لتصدمك تحقيقات محكمة استئناف بغداد الرصافة بالقبض على متهم أقدم على جريمة الإبتزاز بحق 40 طبيباً في بغداد وتهديدهم بدفع المال أو القتل ، ليفاجئك رئيس محكمة تحقيق النزاهة وغسيل الأموال بنظر المحكمة بنحو3 آلاف قضية فساد وظيفي خلال عام واحد فقط بينها جرائم اختلاس ورشوة وهدر للمال العام وسرقة أموال الدولة ،وبعد أن سَعُدت الجماهير بعمليات الدهم التي طالت صالات القمار والروليت في العاصمة والقبض على العشرات من العراقيين واﻷجانب فيها واذا بنائبة في البرلمان تفجر مفاجأة من العيار الثقيل تفيد بأن الرؤوس الكبيرة قد هربت بعد أن تم إخبارها مسبقا بالعملية وأن من ألقي القبض عليهم هم مجرد طباخين وعمال وحراس ومستطرقين وﻻعبي قمار صغار جدا ، لتصعق بعودة ملف شراء عجلات المتسوبيشي وعددها 6000 الاف عجلة لحساب الداخلية الى الواجهة لما شابها من فساد ومبالغة في تقييم اﻷسعار ومطالبات بكشف الملف ومن ثم غلق الملف ومن ثم الكشف عنه مجددا وهكذا دواليك ﻻ لمحاربة الفساد بقدر التورط بلعبة كسر العظم السياسية وممارسة الإبتزاز بين الفرقاء ،وبعد زيارتين كبيرتين اﻷولى كويتية في حزيران الماضي برئاسة أميرها صباح أحمد الصباح الى العراق ، والثانية عراقية في تموز الماضي برئاسة رئيس مجلس النواب على رأس وفد كبير الى الكويت وصفتا بالتأريخيتين واذا وفي أقل من شهر على – الحبيات وتبادل اﻷحضان والقبلات – تشتعل وسائل الإعلام ومواقع التواصل بتبادل الإتهامات بين الجانبين على ميناء مبارك وخور عبد الله وميناء الفاو وترسيم الحدود وصلت الى حد الشتم المقذع ورفع شكاوى الى مجلس اﻷمن الدولي من قبل الطرفين ، لاتملك اﻻ أن تستشيط غضبا وتنعت المتورطين والساكتين على الفساد فضلا عن المتواطئين معه بكل الرذائل وباﻷخص أن هذا الفساد قد دمَّر العراق كليا وأرهق كاهل شعبه الذي أصبح نازحا داخل بلده ومشتتا في بقاع اﻷرض خارجه ، وسيشكل كما شكل في الموازنات المالية السابقة حجر عثرة أمام إقرار موازنة 2020 الترليونية التي تعاني من عجز كبير ترليونيا أيضا وإخلاف جميع الوعود التي قطعت للعاطلين والمتقاعدين ، ونقض كل العهود التي أعطيت للمهمشين وأصحاب العقود واﻷجراء اليوميين وسط غضب وغليان شعبي عارم بلغ مداه بما لا تؤمن نتائجه وﻻتحمد عقباه تحدث عنه غير واحد من المسؤولين وزعماء الكتل أنفسهم !
حين عصى آدم وحواء وأكلا من الشجرة فبدت لهما سوآتهما بحكم أن الخطيئة لابد أن تتمخض عن أمر جلل ليس بمحمود قطعا واﻻ لما حرمها الله تعالى ابتداءا ، توجب ايجاد حل سريع لتجاوز آثار الخطأ والإغواء وقد كان ” فطفقا يخصفان عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ” ، وهذا واحد من الدروس القرآنية المستفادة من تلكم القصة وخلاصته ” اذا أخطأت فعليك أن تندم وتصلح خطأك بسرعة ، إنك إن لم تفعل ذلك جرك عدم الاصلاح السريع الى خطأ آخر مثله إن لم يكن أسوأ منه في عملية دور وتسلسل لاتنتهي أبدا ” ولو كنا جدلا بدلا من آدم وحواء ساعتها وأكلنا – الخطيئة – فأنكشفت لنا عوراتنا لما طفقنا لمواراتها بسرعة ، بل على العكس كنا سنقف لنجادل بعضنا ونتبادل الإتهامات فيما بيننا بالجاسوسية والتبعية ، يمعن كل منا نظره في عورة الاخر ليفضحها لا ليسترها ، ولتساءل بعضنا بورع بارد ، هل هذه عورة حقا تستحق المداراة، أم لا ؟! هل ورق الجنة يصلح لستر هذه العورة أم لا؟! ما تعريف العورة لغة واصطلاحا ، أخبرونا عن أروع ما قيل في العورة شعرا ونثرا ومثلا ، من هو أول من إنكشفت عورته في التأريخ من بعد آدم ، من يجب على هذا السؤال فله سامسونج نوت 9 ، مانوع الورق الذي ستر به آدم عورته – تين ، توت ، رمان – يله شباب منو يعرف ؟ من قال إن الرجل مشمول بستر عورته ، مؤكد أنها خاصة بالمرأة فحسب ، أستر عورتك أولا ﻷستر عورتي بعدك أيها العميل .. الخ ، نحن نرتكب الخطايا واﻷخطاء فتبرز لنا عوراتنا وتنكشف للناس سوآتنا ثم نقف مكتوفي اﻷيدي بعد الفضيحة وﻻنحرك ساكنا من دون الإنتقال الى مرحلة الستر والاصلاح والتغيير التالية ، لنتجادل في أي الحلول أفضل ، ما يجعلنا عرايا أمام العالم كله لفترة طويلة حتى من دون ورقة تستر الحد اﻷدنى من عوراتنا المنكشفة للبشرية جمعاء أكثر من الغرب الخليع ذاته ، غطاء العورة هذا يشبه – الحاكم الظالم – الذي بدوره يشبه غطاء المجاري اذا ما أزيح كما قال نوري باشا السعيد من دون تخطيط محكم مسبق ، فلايؤمن بعدها من كم الروائح والشرور والعورات الهائلة التي ستخرج منه بسرعة غير مسيطر عليها البتة وعلى من يزيح هذا الغطاء أن يفكر مليون مرة قبل الإزاحة بكيفية القضاء على الروائح الكريهة التي ستفوح والحشرات الضارة التي ستظهر الى العلن حتما وآلية العمل على سترها ثانية بأقصى سرعة ممكنة ،وﻻعذر له بـ” اني شمدريني..لو ادري هيج كان خليت الطابق مستور ” نحن لانفعل ذلك مطلقا ، نحن نضعف او نزيح الغطاء – الحاكم – ونترك الهوام لتعيث في اﻷرض فسادا بينما نقف على التل لنتجادل في أيهما اﻷنفع للأمة ، مجار -ديكتاتورية – بغطاء حديدي محكم الإغلاق ، أم مجار – ديمقراطية – مفتوحة على الغارب بلاغطاء يذكر ، حتى تمكنت الحشرات الخارجة على القانون في نهاية المطاف من السيطرة على كل مناحي الحياة ونحن في غفلة من أمرنا يترحم بعضنا على الغطاء الحديدي السابق ، وما زلنا نبحث في آليات مكافحة الحشرات وتوقيتاتها المناسبة ، ربما لتضييع الوقت ومنح الفاسدين المزيد من الفرص لسرقة ما تبقى من المال العام والهروب به الى الخارج على حساب الشعب المغلوب على أمره وﻻ أظنه ومن خلال المعطيات على اﻷرض سيبقى كذلك طويلا !
وختاما أقول إما جهاد كفائي وحرب ضروس شاملة لاهوادة فيها على الفساد والمتورطين به لامحاباة وﻻ انتقائية فيها ﻷي كان ، حرب غير خاضعة للإبتزاز والضغط السياسي ، وإما تنكيس لرايات الإصلاح والسكوت عن هذا الملف والكف عن التصريحات وخصوصا قبيل الإنتخابات ﻷن أيا من الشعب لم يعد يصدق كل من يقترف إثم المجاهرة بالاصلاح علنا ومن ثم الشروع بالسرقة خفاء ، مصداقا لما جاء سلفا ” فسَا عاشق المال والسلطة مجاهراً..فأصبح زعيما لقومه وساد !!اودعناكم اغاتي