22 نوفمبر، 2024 10:27 م
Search
Close this search box.

آفات إجتماعية قاتلة (33) أيها الفُجار إن التجارة نبل وشطارة ﻻ خسة وحقارة!

آفات إجتماعية قاتلة (33) أيها الفُجار إن التجارة نبل وشطارة ﻻ خسة وحقارة!

التجارة التي كانت تتخذ من النبل والشطارة سجية ومنطلقا لها أصبحت في العراق اليوم وبخلاف نظيراتها في العالم – خسة وحقارة – فبعد أن كانت التجارة تعد ركيزة البلاد الإقتصادية ومعينها الذي لاينضب أسوة بالنفط والزراعة والصناعة صارت أس البلاء وأساس تقلبات السوق ودخول – الغث والقاتل والرديء – من غير وازع ولا ضمير الى اﻷسواق المحلية ،صار عندنا تجار في الدين ، وتجار في السياسة ، وتجار أعضاء بشرية ، تجار مخدرات ، تجار سلاح ، تجار رقيق أبيض ، تجار مواد مسرطنة ، تجار أدوية منتهية الصلاحية ، مواد غذائية تالفة ، تجار آثار ، تجار عملات مزورة ، تجار مواد مهربة ما يستدعي إطلاق – وثيقة العهد والشرف التجاري – وإلزام التجار بتأطيرها وتعليقها وسط محالهم وأسواقهم ليطلع على بنودها القاصي والداني على أن تتصدرها اﻵية الكريمة : “وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ”، يتبعها قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : “التَّاجِرُ الصَّدُوقُ الأَمِينُ مَعَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ”، وقوله صلى الله عليه وسلم : “كُلُّ جَسَدٍ نَبَتَ مِنْ سُحْتٍ فَالنَّارُ أَوْلَى بِهِ” ، وقوله صلى الله عليه وسلم :” إِنَّ التُجَّارَ يُبعَثُونَ يَومَ القِيَامَةِ فُجَّارًا ، إِلَّا مَن اتَّقَى اللَّهَ وَبَرَّ وَصَدَقَ ” وجاء في حديث نبوي شريف آخر صحيح ” إِنَّ التُجَّارَ هُمُ الفُجَّارَ” قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ أَوَ لَيسَ قَد أَحَلَّ اللَّهُ البَيعَ ؟ قَالَ : بَلَى ، وَلِكِنَّهُم يُحَدِّثُونَ فَيَكذِبُونَ ، وَيَحلِفُونَ فَيَأثَمُونَ “.
لقد عشت وترعرعت في أحضان عائلة كبيرة إمتهنت التجارة وكنت أذهب بمعية والدي رحمه الله الى عقد التجار في شارع النهر مقابل البنك المركزي العراقي يوميا وأنصت طويلا الى أحاديثهم وأرقب تعاملاتهم وكنت أتابع عن كثب كيف أن أحدهم ﻻينقض عهده ولن يقول لا ، بعد أن قال نعم ، ولو أدى ذلك الى خسارته بضاعته ، كيف كانوا يوفون بوعودهم مهما كانت الظروف ، كيف كانوا ينظرون الى التاجر الذي يبيع بضاعة مغشوشة نظرة إزدراء وإحتقار ويمتنعون عن التعامل معه كليا ، كان الشيك – الصك – بدون رصيد جريمة كبرى ، المماطلة بتسديد الديون مع القدرة على سدادها كبيرة لاتغتفر ، كلمة أحدهم بالبيع والشراء من غير قسم ولا أيمان تعد ميثاقا غليظا لايجرؤ أي منهم على التراجع عنها ولو كلفته كل ما يملك ﻷن ” التاجر عند كلمته ووعده ” وبناء عليه كان التاجر العراقي يعد من أصدق التجار وأنبلهم عربيا ، ومن أكثر الناس وجاهة وأناقة وإحتراما محليا ، كل ذلك بخلاف ما يحدث في عصر – الكرفس – حين صار التاجر المحنك الشاطر بعرف المجتمع الفاسد هو ذلك المخلوق الذي يكثر من الحلف الكاذب بكل الكتب السماوية والمقدسات ليبيع – درزن أباريج – ، ذلك الإمعة الذي يتفنن في الغش بالميزان ، التطفيف بالمكيال ، صرف صكوك مزورة لا أرصدة لها لا بدينار وﻻ بدولار ولا بتومان ، صار – اللوتي – الذي لايبر بعهد و لايفي بوعد وﻻ كلمة ، الذي يجيد فنون التحايل والإحتكار مع أنهما في الدنيا قبل اﻵخرة خزي وعار، إن إستدان ألحّ بالسؤال وإن طولب بالمبلغ بموعده المحدد ماطل أو إختفى وربما أنكر أو – غلَّس – حتى صار بعض شذاذ اﻵفاق والمحتالين والهتلية من كبار التجار الذين يشار لهم بالبنان في عصر الذل والاستعمار والهوان !
” وثيقة الشرف التجارية ” يتوجب على غرفة تجارة بغداد وأمانة العاصمة ومجالس المحافظات والبلديات تعميمها بين التجار وتعليقها بفلكسات كبيرة مؤطرة أو عبر جداريات أنيقة في أماكن ظاهرة بمداخل اﻷسواق ومخارجها فضلا على المحال التجارية والوكالات التموينية والمولات وإلزام التجار بالتوقيع على بنودها عند إصدار الهويات أو تجديدها وعند دفع الضرائب وإبرام العقود وما شاكل ، ولابد من أن تتناول الوثيقة أخلاقيات التجارة ، فقهها ، مُثلها ، قيمها ، أهدافها لكي يحاسب التجار بعد ذلك عن كل تقصير متعمد وخطأ فادح يقترفونه بحق المستهلكين وصحتهم بخلاف ما موجود فيها !
التاجر الصدوق يجب أن لايتاجر بالمهلكات والمحرمات ” الخمور ، المخدرات ، الدخان ، لعب اﻷطفال البلاستيكية الخطيرة التي تصيب أبناءنا بالعمى في اﻷعياد والمناسبات ، أسلحة الكبار التي تسببت بمقتل 1000 شخص عشوائيا بواردات تبلغ 3 ملايين دولار سنويا والتي تباع في أماكن خاصة أبرزها سوق – مريدي- ناهيك عن إستخدامها في النزاعات الشخصية والدكات والعراضات العشائرية ،ﻻيتاجر بالملابس الفاضحة للذكور والاناث ، بالمواد الغذائية والصناعية المغشوشة ، باﻷدوية التالفة ، عدة الوشم وأحباره ،اﻵت القمار والروليت وأدواته ونحوها ” التاجر الصدوق ” لايحتكر ، لايغش في الميزان ، لايطفف في المكيال ، لايخلط الرديء بالحسن ، لايبيع البضائع المضروبة الا بعد إخبار المشتري بذلك ، لايكثر من الحلف وإن كان صادقا ، لايحلف كاذبا لتصريف بضاعته ، لايماطل بدفع ديونه ، غير صخاب وﻻ عياب وﻻفاحش وﻻ بذيء في اﻷسواق ، لايتعامل بالربا بنوعيه ( ربا الفضل والنسيئة ) ولايدفع الرشى ، ولايبيع على بيع أخيه وﻻيتعامل بالنجش (وهو أن يزيد في الثمن لا لرغبة بالشراء وإنما لغرض الخداع والاضرار بالغير ) ولايتعامل ببيع الغرر ( البيع المجهول الذي يلحق ضررا بأحد الطرفين ) وﻻبيع العينة ( وهو بيع سلعة باﻵجل ليشتريها من نفس الشخص بثمن أقل بمعنى هو قرض ربوي بصيغة بيع ) ” ، التاجر الصدوق ” نظيف في محله وبضاعته ، سهل في تعامله ، باسم الوجه ، حسن الخلق ، وفي بوعوده ، صادق في حديثه ، بار بعهوده ، مُخرج لزكاته ، دافع لصدقاته ، مؤد لحقوقه وغير متجاوز على حقوق اﻵخرين “.
اليوم وأنا أطالع مئات الأطنان من البضائع الفاسدة التي يتم ضبطها أو إعادتها أو إتلافها في المنافذ الحدودية والنقاط الجمركية فضلا عن مواقع الطمر الصحي واﻷسواق المحلية ﻻ أملك الا أكتب ما كتبته آنفا ناصحا عسى أن ينتفع من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان وفي ضميره بقية من خير وإنسانية ووطنية . أودعناكم اغاتي

أحدث المقالات