23 ديسمبر، 2024 3:45 ص

آفات إجتماعية قاتلة ( 25) لماذا لايحب الصحفيون مهنتهم ؟!

آفات إجتماعية قاتلة ( 25) لماذا لايحب الصحفيون مهنتهم ؟!

ما أصدق العبارة التي صاغها الروائي النيوزلندي صموئيل بتلر ، وأطلقها ذات يوم مدوية من غير خوف ولا وجل ” أهم خدمة تقدمها الصحف والمجلات هي تعليمها الناس مطالعة المطبوعات بثقة منعدمة” ، ولعل “فيلم الغول” وهو من بطولة عادل امام يعد واحدا من أهم اﻷفلام العربية التي تعرضت لمهنة المتاعب ، السلطة الرابعة ، صاحبة الجلالة، كما يطلق عليها وما يمر به أصحابها من شقاء ومآزق مادية ومعنوية ﻻتحصى تكاد لاتنتهي وباﻷخص في العالم الثالث حيث تسارع المؤسسات الإعلامية في جمهوريات الموز والخوف لتحصين نفسها من المساءلة بعبارة ( المؤسسة غير مسؤولة عما يرد من آراء بأقلام كتابها والتي ﻻتمثل بالضرورة توجهاتها لذا إقتضى التنويه !) هذا التنصل الإستباقي يكفي لذهاب – جلد الصحفي الى الدباغ – في حال لم يتناغم المقال مع فكر الرقيب ولم يستوعب مقصه ولم يأت على مقاسه مفصلا من غير زيادة ولانقصان ولايشترط في الرقيب أن يكون حكوميا كما في اﻷنظمة الشمولية فقد يكون حزبيا وفئويا يمارس هواياته بقمع اﻵخرين وتكميم أفواههم – كيك بوكس قراطيا – اذا ما تعرض الصحفي لطائفته بسوء ولو خدمة للوطن والمواطن والصالح العام !
أما عن عبارة “لماذا ﻻيحب الصحفيون مهنتهم ” التي تصدرت المقال وهو السؤال الذي طرح أكثر من مرة على صفحات اﻷصدقاء من دون إجابة ، التساؤل المؤرق الذي قرأته وسمعته عشرات المرات من زملاء المهنة وسواهم وبما أنني ابن بار في هذا الكار أبا عن جد وليتنا لم نكن كذلك يوما حيث كان ابي رحمه الله يمتلك صحيفة في العهد الملكي أغلقها نوري باشا السعيد على خلفية رسم كاريكاتوري على الصفحة اﻷخيرة تناول شخصه بمزيد من السخرية والتهكم فبإمكاني تلخيص جانب من الإجابة من خلال تجاربي المريرة والطويلة وقد يختلف معي بشأنها آخرون كثر :
– ليس هناك في العالم مؤسسة تقضي أعواما بالعطاء ولها جمهور عريض ورأي ضاغط شعبويا تغلق أبوابها وتسرح منتسبيها بـ – آلوووو – لمدة ربع دقيقة ﻻ أكثر غالبا ما تكون منتصف الشهر كي لايحصل المنتسبون على رواتبهم كاملة وكي تضيع عليهم مستحقات الشهر الذي سرحوا فيه بإستثناء الصحافة في العراق اذ أن مكالمة واحدة من صاحب الصوت اﻷجش لكثرة التدخين و المقيم خارج العراق مع رئاسة التحرير المحلية كفيلة بإنهاء إبداع 10 سنين بشخطة قلم حتى من دون مكافآت نهاية الخدمة وﻻ شكر وﻻتقدير ، واﻷمثلة كثيرة جدا وﻻ أريد الخوض بتفاصيلها وﻻ بأسمائها ﻷن – تلعب نفسي – ، نعم يمكن ذلك اذا ما هاجمت الصحيفة النظام الحاكم أو تعرضت له بسوء أو انها بثت شائعات لا أساس لها من الصحة من شأنها إرباك اﻷوضاع وزعزعة اﻷمن والإستقرار على صفحتها اﻷولى أو الثانية وبالمانشيت العريض فيأتي إغلاقها بمثابة عقوبة وقتية أو دائمية ، اﻻ أنه وفي العراق يمكن أن تغلق الصحيفة بعد 24 ساعة من مدح رأس الهرم – ابو الخبزة – ايضا كونه لم يعد بحاجة الى خدماتها إما لخسارته في الإنتخابات أو لفوزه فيها !
– أية مهنة في العالم تضم أساتذة وتلاميذ ..كفاءات من أصحاب الخبرة ومواهب واعدة ، يموت الكبار أو يهرموا فيحل الصغار محلهم لتبقى المهنة حية نظرة على مر اﻷجيال يتفاخر السابقون بخلفهم من اللاحقين ويشجعونهم ويعلمونهم اﻻ إن مهنة الصحافة المحلية تعاني من مراهقة بعض الكبار وجشعهم ، كبير اولئك وأشكك بوجود كبار فيها حاليا بالمعنى الحرفي للمفردة بإستثناء النزر اليسير منهم فجلهم إما مات أو قتل أو هاجر أو أحيل على المعاش يريد ان – يكوش – حتى على تكاليف إرسال قرص السيدي الى المطبعة بعد إنتهاء مرحلة التصميم ..يريد أن تكون كل اﻷعمدة الصحفية له وحده ..التحقيقات بإسمه وحده ..الحوارات خاصته وحده .. يريد نسبة من الإعلانات ..جزء من المبيعات ..حصة من التكريمات ..جانب من السفريات ، احتكار الايفادات ، ﻻ صورة شخصية تنشر في الصحيفة أو المجلة اﻻ صورته ، ﻻ طلة اﻻ طلته ، لامديح اﻻ لشخصه ..يريد أن تتفرغ الصحيفة له وحده فحسب، ولعله ﻻيرغب ببروز أية موهبة صاعدة كي لاتحدث المقارنة بينه وبين ما يكتبه اﻵخرون ما قد يكشف جانبا من – مهلهلاته وحبشكلاته وكوبي بيساته فضلا عن زهايمراته وباركنسوناته – هو يأبى أن يقول ماقاله الكبار من ذي قبل ” هؤلاء هم تلامذتي النجباء الذين أفاخر بهم الأجيال من بعدي “هو يريد أن يصدع رؤوسنا بـ “أنا وليكن بعدي الطوفان ” و ” لو ألعب لو أخربط الملعب ” ومن بعض صفات هؤلاء المقيتة التحرش بالنساء طوال اليوم وإن كنّ بعمر حفيداتهم مع صبغ الشعر والشوارب بالسواد الفاحم طوال الوقت وعلى مدار العام + شرب – العرك – بالدولكة ، ناهيك عن لعب الدمبلة والعشق اﻷزلي للعزائم والولائم – البلوشية – كما إن جلهم إختصاص بإفراغ ثلاجات الفنادق من محتوياتها في الليلة اﻷولى لرحلة الوفود مدفوعة الثمن ، علاوة على تبادل المقاطع الاباحية والهزلية – هاتفيا – اثناء الرحلات الصحفية وإستعراض البطولات الغرامية والسياسية الوهمية !
– عادة وعندما تفلس المؤسسات الإعلامية في العالم فإنها تمهد لمنتسبيها قبل ذلك التأريخ بفترة ليست بالقصيرة وتشرح لهم بأن الوضع كذا وكذا وإن إستمر الحال على هذا المنوال فنحن مضطرون للاغلاق ونشكركم على جهودكم الخيرة ونعتذر لكم جميعا ..أما ان تكون اﻷمور – كمرة وربيع – اليوم عصرا لتغلق المؤسسة غدا صباحا من غير إحم ولادستور فهذا قمة الابتذال وزيادة ﻻيمكن ان يحدث اﻻ في امبراطورية – خرطينوس- الرأسمالية الاشتراكية الملكية الجمهورية الدينية العلمانية الاممية القومية الراديكالية الليبرالية !
– في العراق وبعد أن يغلق – ابو المال – المؤسسة ويسرح موظفيها ويأكل عليهم راتب نصف شهر يطل في نفس اليوم ليدافع عن حقوق االعمال والصحفيين بمؤتمر أو لقاء متلفز داعيا للقضاء على البطالة وتوفير فرص عمل للعاطلين للتعمية – على انتهاكاته البشعة لحقوق الانسان – قبل سويعات من مؤتمره الصحفي ذاك ومن غير حياء وﻻ خجل !
– في العراق تأتيك التعليمات مسلفنة – فايبريا وواتس آبيا – بأن ( عوف الحديث عن الامارات ، ما الك علاقة بالاردن ، اترك ايران ﻻ تورطنا ،السعودية خط احمر ، قطر مو مشكلة أخذ راحتك ، ﻻتحجي على تركيا ، شعندك ويا الماسونية ، جلبت خوما جلبت ، الحكي على اسرائيل مو وكته ، خل نتفرغ لحماس وحزب الله ، ادري شذكرك بجمال عبد الناصر دسب الاخوان هسه ، الزعيم عبد الكريم لاتجيبه بالطاري ،تفرغ لصدام ، النظام الملكي لاتتقرب عليه سولفلي على النظام الجمهوري أو العكس بالعكس، ماما اميركا تسويلنا مشاكل وترمب ما يكعد راحة ، اطلعلي على فرنسا وبدربك على بريطانيا ومستعمراتها السابقة عمان و البحرين ، من الكويت لاتتقرب ، خل نخلص من خور عبد الله أولا ونحل مشكلة ميناء الفاو الكبير وقضية التعويضات التي لاتنتهي ولكل حادث حديث ، ركز على البعثيين وعوف الشيوعيين، او العكس ،عوف الشيعة واحكي على السنة أو العكس ، ﻻتتطرق للاكراد وسب العرب أو العكس ، عوف الاسلاميين وابلش بالعلمانيين او العكس ، ﻻتسب المعارضة وتحدث عن الموالين أو العكس وهكذا دواليك ” والعجيب أن صاحب المؤسسة والذي عادة ما يمتلك عدة مؤسسات صحفية أنه يهاجم من أصر على مدحهم في مؤسسته اﻷولى ، فيما يمدح من شدد على مهاجمتهم في مؤسسته الثانية ما ينبئك بأنه – مبتز – وﻻعب كقرد محترف على الحبال ومن الطراز اﻷول غايته إطلاق العديد من المؤسسات المتباينة في الطرح ولكل منها سياستها واجندتها لتتناول كل منها إثارة زوابع تشكل تشويشا للمتلقي وعصفا ذهنيا للجمهور بغية الحصول على اكبر قدر من المنح الخارجية و- الخاوات – الداخلية ، بمعنى ان بعض مؤسساته ترفع من شأن ثورة 14 تموز و الزعيم عبد الكريم على سبيل المثال لا الحصر ، فيما الثانية تلعن سلفه سلافين الزعيم وثورته في نفس اليوم واﻷمثلة كثيرة وﻻ أريد الخوض فيها ﻷن ..قلبي مورم !
– في العراق لاحقوق للصحفيين البتة و- الطايح رايح – وأي شكوى لمن يهمه اﻷمر – طز وفش – اذ من الممكن أن تعمل بـ 10 مؤسسات اعلامية دفعة واحدة اليوم لتجد نفسك – عطالة بطالة – على طاولات المقاهي الشعبية تشرب الشاي والحامض بالدين وتلعب الطاولة والدومينو بالمراهنة على الفائز بعد عام واحد فقط ، وﻻتستبعد مطلقا من ان تعود للعمل مذموما مخذولا في ذات المؤسسات التي أغلقت أبوابها بعد إعادة إفتتاحها على أيدي مستثمرين جدد برؤى ورسائل وأهداف جديدة ولكن بنصف راتبك السابق – وانت الممنون – !
– قد يكون نشر صورة ممثلة بملابس محتشمة على الغلاف اﻷخير في مجلة أو على الصفحة اﻷخيرة من جريدة كارثة الكوارث التي لاتغتفر واذا بالممانع لنشر الصورة كونها خادشة للحياء ينشر صورة لنفس الممثلة ولكن من غير ملابس في مؤسسته الثانية وفي الصفحة الخامسة أو الرابعة حتى أنك لتشعر بأنه – يبيع شرفا – في الصحيفة اﻷولى لايتوفر عشر معشاره في الصحيفة الثانية ولو بالحد اﻷدنى ﻷن رسالة المؤسسة اﻷولى فضلا عن جمهورها يختلف كليا عن رسالة الثانية وجمهورها ، فاﻷولى موجهة للمحافظين – وللساجدين الراكعين – فيما الثانية موجهة – للحشاشين وجماعة هات القزازة وأقعد لاعبني، المزة طازة والحال عاجبني – !
-ضيق ذات اليد وقلة الرواتب والمخصصات وعدم الثقة بديمومة عمل المؤسسات يدفع الصحفي العراقي للعمل في أكثر من مؤسسة وان تقاطعت نصفها وربما كلها مع ما يؤمن به من توجهات وما يحمله من أفكار مايجعله يمتدح أشخاصا على الورق بوده لو – يبصق عليهم – واقعا ، يكتب مقالات واعمدة ويجري تحقيقات وحوارات تناقض كل مبادئه حتى يعيش المسكين في نهاية المطاف بحالة من الفصام الذهني وتأنيب الضمير الذي يقض مضجعه يوميا ، كل ذلك ومجموع رواتبه لاتكاد تكفيه لدفع إيجار شقته ..حساب مولدته …مصاريف عائلته ..تكاليف علاجه بإنتظار المنحة السنوية التي – أصبحت بالمشمش – منذ اربع سنين ، وانتظار قطعة اﻻرض التي وعد بها من لايمتلكون في عراقهم شبرا واحدا و- راحت بالكشمش – ولعل هذا ما قصده المحلل النفسي البريطاني“كيفن داتون ” في كتابه (حكمة المرضى النفسيين) حين أشار الى أن الصحافة والمحاماة هي مهنة المرضى النفسيين في العالم فما بالك بالعراق !
– في العراق اذا كنت صحفيا فإنك تواجه المساءلة لوحدك ، فضلا عن تكاليف إجراء التحقيقات والحوارات من ذهاب وإياب وانتظار وتسجيل وتفريغ وتصوير وكتابة وتحرير وتصحيح قد تطول وقد تقصر ، ولكن وعند التكريم يتهافت عليك الكل ويحسدونك بغية الحصول على قطعة من الكعكة مصداقا لقولهم “الهزيمة يتيمة لكن النصر له ألف أب !
– الصحافة في العراق هي اﻷخطر شأنها في ذلك شأن الصحافة في سورية ، ليبيا ، اليمن ، الصومال وقائمة ضحايا الصحافة في العراق تضم مئات الشهداء والجرحى والمخطوفين والمفقودين والمغدورين والمهانين ناهيك عن المرضى والمسنين والمعاقين من دون حقوق وﻻ قوانين، أما عن قانون حقوق الصحفيين لسنة 2011 فإنه غير مفعل عمليا على أرض الواقع وبحسب المتابعين قراءة مواده ” 6 – 7 – 8 -9 – 10 ” لتكتشف أن أيا منها لم يطبق اﻻ لماما وهي كأدبيات اﻷحزاب تعاني من بون شاسع بين النظرية والتطبيق ، بين المأمول والمعمول ،بين الواقع والطموح .
وختاما أقول أن ما يصدق على الصحافة المكتوبة يصدق على نظيراتها المرئية والمسموعة وﻻ عبرة بعدد ضئيل من الصحفيين المعروفين – فضائيا – ممن يعيشون ببحبوحة مادية وبشهرة اعلامية فالعبرة بالغالب الشائع وليس بالقليل النادر، وووو بس حاليا . اودعناكم اغاتي