19 ديسمبر، 2024 12:11 ص

آفات إجتماعية قاتلة (23) اﻷمم التي تكثر الجدل ﻻ ولن تحسن العمل !

آفات إجتماعية قاتلة (23) اﻷمم التي تكثر الجدل ﻻ ولن تحسن العمل !

قال تعالى”وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ۖ وَاصْبِرُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ”.
لو أننا نعمل بقدر ما نتفلسف وبقدر ما نتجادل لسبقنا الجميع، جدالنا جعلنا نذهل عن تربية الاغنام واﻷبقار والتفرغ للجدل في حكم اللحم الهندي والدجاج البرازيلي والبيض اﻷوكراني وسمك المستننقعات الفيتنامي ، أحلال أكلها أم حرام ؟!
جدالنا جعلنا وبدلا من تنشيط الزراعة وإحياء اﻷراضي البور وحفر القنوات ، ملْ الخزانات ، بناء الاحواض والسدود والبحيرات الصناعية ، دعم الفلاحين بالبذور والاسمدة والمضخات والمكائن والبيوت البلاستيكية ومكافحة الافات الزراعية ، نتفرغ لدعوات المقاطعة لغلات دول الجوار وماوراء البحار، فمن داع ومجادل في مقاطعة المنتجات الزراعية التركية كونه يكره الدولة العثمانية، الى مجادل ومطالب بمقاطعة المنتجات الزراعية الايرانية ﻷنه يمقت الدولة الصفوية، الى مجعجع بمقاطعة البضائع الاميركية ﻷنه حاقد على الامبريالية والرأسمالية ، الى مشدد على مقاطعة الروسية والصينية ﻷنه لايستسيغ بقايا الشيوعية والاشتراكية ، الى مناضل لمنع الهندية والتايلندية ﻷنها دول بوذية وهندوسية ، مع ان كل هذه الدول وجيوشها وذيولها وشركاتها وبضائعها وبرغم جدال العراقيين فيما بينهم بشأنها تصول وتجول في العراق ، قواعدها العسكرية فوق اراضيه من أقصاه الى أقصاه ، بوارجها في مياهه – خري مري – ، مقاتلاتها في سمائه – اسماعيلية رايح جاي – تزبد وترعد وتقصف ، كل ذلك لإنشغال الناس بالجدل بدلا من العمل، وفي هذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” ما ضَلَّ قومٌ بعدَ هُدًى كانوا عليهِ إلَّا أوتوا الجدَلَ ” ثمَّ تلا الاية الكريمة ” مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ ” .
وأقول للجميع بأن المقاطعة الاقتصادية فن لاتجيده سوى اﻷمم الحية المنتجة أما تلك التي تشبهنا والتي تهرف بما لاتعرف وتأكل مما لاتزرع ، وتلبس مما لاتصنع ، وتجرف بساتينها بغية تحويلها الى سكنية بدلا من زراعية ، تحرق مزارع وبساتين الطوائف الاخرى للبدء بالتغيير الديمغرافي لصالح دول الجوار انطلاقا من الاحقاد التأريخية والقومية فهذه لاتصلح للمقاطعة ﻷن أحدهم يبخر و10 غيره ..يفسون ، يرقع و100سواه يفتقون .. يبني و200 ماعداه يهدمون حتى قيل في أمثال هذه الرقع الجغرافية الكئيبة – المتعودة على الاستعمار ..دايما – ومن يقطنها من البشر المتناحرين ، المتخاصمين ، المتجادلين فيما بينهم على أصغر اﻷمور وصولا الى اكبرها :
متى يبلغُ البنيانُ يوماً تمامَهُ.. إذا كنتَ تبنيه وغيـرُكَ يَهدم!
الدكتور علي الوردي رحمه الله وبرغم ما نكنه له من احترام كبير لايمنع من نقده حاول حصر خداع الجماهير واثارة الجدال بينهم بوعاظ السلاطين وحدهم واستغفل نفسه وقراءه عن ان للسلطان وسائل اخرى للخداع والهاء الجمهور بالجدل البيزنطي العقيم ﻻتقل خطورة عن سابقتها كما هو مشاهد بأجلى صوره اليوم ، فهناك اطباء السلطان ، شعراء السلطان ، صحفيو السلطان ، فنانو السلطان ، تجار السلطان، شيوخ عشائر السلطان ، قانونيو السلطان ، ميليشيات السلطان، كل هؤلاء ادواته لتحقيق ما يصبو اليه واشغالهم بعيدا عن كرسيه الذي ينوي توريثه بعد عمر طويل لمن بعده وان كان النظام جمهوريا ، ربما كانت محاولة الوردي لحصر – الفرعونية – بكهنتها ووعاظها فحسب كونهم كحلاقي بغداد القدامى يمارسون كل التخصصات في ان واحد قلع اسنان ، حجامة برؤوس اليتامى ، ختان ، خياطة جروح ، حلاقة شعر ولحية ، حفافة صبغ شعر وربما قنادر ايضا ان استلزم اﻷمر ، هذه النظرة القاصرة والنظرية المجحفة لاتصلح حاليا في عصر التخصصات مع ان الطغيان ماض على قدم وساق بوعاظ سلاطين أم بغيرهم ، وﻷن الوردي درس على يد الطامحين بفصل الدين عن الدولة ورضع ما علموه اياه قطرة قطرة فهو لم يسأل نفسه ولم يجب عن هل كان لهتلر وعاظ سلاطين ..لنابليون ..لكاليغولا ، لنيرون ، لهولاكو ..لتيمور لنك ..هل كان لموسوليني وعاظ سلاطين ..هل كان لماوتسي تونغ مثلهم ..هل كان لستالين أمثالهم ..هل كان لكل هؤلاء الطغاة الذي نحروا مئات الملايين من البشر وعاظ سلاطين ، أم إن الوعظية منحصرة حسب رأي الوردي بالعالم الاسلامي من دون غيره فحسب ؟!
اطباء السلاطين” اليوم يحاولون خداع الجماهير بأن ” الفلافل ” مثلا مفيدة للكلى والكبد والقولون وأمراض القلب والشرايين كي لايحلم التعساء اسفل السلم الاجتماعي بسقف اعلى لرواتبهم ولموائد مطابخهم داخل بيوتهم المستأجرة الايلة للسقوط والتي يرى بعضهم انها لاتتجاوز 10% ﻷن مخططي السلاطين ينقلون لهم غير الحقيقة وهم سعداء بها مع علمهم بأنها هواء في شبك ، وكي ﻻ يفكر الفقراء اطلاقا بأطباق المحشي والمشوي الخاص بأصحاب الدماء الزرقاء التي – يطفحها – طبيب السلطان نفسه يوميا على موائد القصر العامرة وبمعيتهم فيما يبشر بمحاسن الفلافل وفضائلها السايكولوجية والفسيولوجية وربما الايدولوجية ايضا ، ليتولى واعظ السلطان إستعراض اهمية الفقر والقناعة ودورهما في ادخال الجماهير – بالكوسترات – الى الجنة فضلا عن استعراض فضل الفلافل من الناحية الشرعية ، ليشرع محامو السلطان بالدفاع عن الفلافل قانونيا ودستوريا ، ليتولى شعراء السلطان التغزل بالفلافل ودورها في اعلاء شأن الشعوب والامم ، ليسارع جلادو السلطان بجلد ظهر كل من يستهين بالفلافل أو يقلل من شأنها ﻷن ذلك يعني انضمامه الى صفوف المعارضة والالتحاق بركب العملاء والجواسيس، يجلدون اعداء الفلافل وهم يتناولون – لحم الغزال والقوزي على التمن – ، فيما الشعب يتجادل ويطيل الجدال بـشأن ” منافع الفلافل من عدمها ” بعيدا عن واقعهم المأساوي الذي يأبون مغادرته وتغييره ﻷنشغالهم بالمراء ، الجدل ، النفاق ، الدجل ، والخوض في عدد عبيد فلان وعديد جواري علان بعيدا عن مولات وابراج ومليارات اساطين العصر الحالي البليد !
والحديث يصدق على بقية الشلة الفرعونية والنمرودية وامثالها من الحواشي والهوامش والذيول التي تسوغ ظلم السلطان وتجد له تبريرات طبية ، علمية ، قانونية ، امنية ، دينية في كل زمكان تعمل بمجموعها على ترسيخ الظلم ، وتجذير الطغيان وتأصيل مبدأ الاستخفاف بالجماهير المستأنسة مصداقا لقوله تعالى ” فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ” حتى ان هذا الاستخفاف ليتطور بمرور الايام تطورا مرعبا يصل الى درجة اقناعهم بأن الحاكم لايمتلك سوى ثلاث بذلات رسمية ، يسكن في دار مستأجرة ، يأكل وجبة واحدة في اليوم ، ليس له شبر واحد ملك صرف في بلده ، راتبه اقل من راتب اصغر موظف في الدولة اما المخصصات والنثريات – والحبشكلات المليارية – فهذه كلها تذهب صدقات للمعوزين والمحتاجين ، أما عن القصور العامرة والمواكب الفارهة التي يرونها يوميا بأم اعينهم فهذه ملك الشعب وليست ملكا للسلطان الذي يحرص على التقاط صور له بين الفينة والاخرى وهو جالس على الارض يتناول الطعام البسيط بمفرده ..اين ؟ داخل قصر كبير يغص بالخدم والحشم والعسس بينما الجماهير تهتف متأثرة بكم الاستخفاف الهائل بحياته وتتغنى بزهده وورعه ” اتقدم واحنا وياك اثنين ..اليعاديك انشك حلكه اثنين اثنين ” .
وأسأل اذا كان اﻷمر كله منحصر بوعاظ السلاطين فحسب فلماذا لم يقف المعترضون مع – الوعاظ المصلحين – او مع العمائم الثائرة من اجل الاصلاح على وصف الدكتور حاتم سلامة في كتابه ذائع الصيت الذي يحمل العنوان ذاته ،اولئك الذين وقفوا بوجه الفاسدين العتاة ووجهوا خطابهم كله ضدهم ، الدعاة المصلحون أمثال الصواف ، امجد الزهاوي ، عبد العزيز البدري ، الصدر الاول والثاني على سبيل المثال لا الحصر، ولماذا بقوا تحت الاقامة شبه الجبرية الاختيارية الانعزالية داخل منازلهم يقلبون بقية اللمحات الاجتماعية حتى من غير ان يعدلوا عليها أو يضيفوا اليها أوينقحوا فيها أو يعتذروا عن بعضها وهم سعداء بحجم الجدال بشأنها في المنتديات والندوات بين انصاف المثقفين والمتعلمين كجدالهم بشأن لحم السمك الجري واﻷرنب منذ مئات السنين، احلال أكلهما ام حرام ؟ !..اليس هذا جزء لا يتجزأ من ” مهزلة العقل البشري” الذي أصر الوردي فيه على ان الشذوذ الجنسي حكر على المجتمعات المحافظة وان ظهر في سواها فبنسبة قليلة لايعول عليها انتقالا ﻻ اكتسابا بمعدل 2% لتأتي الوقائع والاحصاءات والدراسات الحديثة كلها وبعد 50 عاما من وعاظ السلاطين ومهزلة العقل البشري وتنسف نظريته تلك جملة وتفصيلا حتى اصبح العالم المنفتح الذي لايرى في التحلل الجنسي وﻻ العري الجسدي حرجا، ماخورا للشذوذ بكل انواعه بدءا من السحاق واللواط وزواج المثليين الذي اقرته عشرات الدول المتحللة وغير المحافظة نتيجة للضغط الشعبي وباتت للمثليين جمعيات ومنظمات تدافع عن قذاراتهم وصار مشاهيرهم وساستهم واحزابهم تتسابق لكسب اصوات الشواذ وتنتج افلاما لهم وعنهم تحظى بملايين المشاهدات ..وغدا من يعترض على ذلك متهما بالعنصرية وهي تهمة توازي – معاداة السامية – في الدول الغربية يتعرض مرتكبها الى اشد انواع المساءلة والعقاب ، وصولا الى نكاح الدمى ،الشبقية الحيوانية ( البهيمية ) ، البيدوفيليا ( نكاح الاطفال من كلا الجنسين ) ، النكروفيليا ( جماع الاموات ) ،التبصصية ، الاحراقية ، الفتشية ، السادية ، الماسيوشية ، بنوك النطف الذكرية والبيوض الانثوية ، استئجار الارحام ،الامهات العازبات، بروز ما بات يعرف بالجنس الثالث والجنس الرابع ، عمليات تحويل الجنس والاعتراف بالمتحولين بل وبلوغ بعضهم من الشهرة في عالم الغناء والطرب والتمثيل والسياسة والرياضة مراتب متقدمة لعل رئيسة وزراء صربيا المثلية ” آنا برنابيتش” التي انجبت شريكتها المثلية ذكرا من غير اب معروف بعد زواجهما وهي في اعلى منصب في الدولة ..كل ذلك ينسف نظرية ان الشذوذ هو حصيلة – المجتمعات المحافظة – وثمرتها بل ويؤكد خلاف ما جاء في وعاظ السلاطين والمهزلة كليا ونهائيا برغم كم الجدال والمراء الذي اثارته تلك الرؤى وتلكم الاراء منذ تأليف الكتابين وحتى الساعة وشغلت الامة عن اعدائها الحقيقيين ، عن فقرها ، عن جوعها ، عن بطالتها ، عن استعمارها علاوة على استحمارها وكذلك يفعل اليوم بعض من سار على مبدأ ” اشغل الجمهور ولو بنقد الغابرين في ما مضى ” ليتجادل المحكومون فيما بينهم جدالا عقيما لس غايته الوصول الى الحقيقة وتنوير البصائر واضاءة الابصار بقدر اثارة النعرات والخلافات بعيدا عن الفاسدين واحيانا بالاستعانة بذيولهم لتكميم افواه غرمائهم واقتلاع السنتهم ومصادرة ممتلكاتهم وتجريف بساتينهم وحرق مزارعهم وإقصائهم وتهميشهم اذا اقتضى الامر ليأكل الجميع الخازوق في نهاية المطاف مطالبين بتوفير الحصة التموينية وليس فيها منتج محلي واحد – كلها استيراد -توفير الطماطة الاجنبية – بعد ارتفاع اسعار المحلية وشحها في الاسواق – او مقاطعة بعض انواع البيض المستورد انتقائيا اسوة بالبضائع المتمذهبة في عقول الجماهير، كل ذلك بعيدا عن صناعاتهم ومنتجاتهم الوطنية وما افلح قوم اوتوا الخصام والجدل وكما جاء في اﻷثر ” اذا اراد الله بقوم سوءا منحهم الجدل ومنعهم العمل” فما بالكم اذا ما اضيف اليه تزوير الحاضر والماضي مرفقا بالشعوذة والكراهية والطائفية والدجل ؟ ! اودعناكم اغاتي