قال تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ ، وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ ).
كنت أختنق بدخان الحرائق المشتعلة بفعل فاعل في كل مكان بدءا بحريق حقل كبريت المشراق وحقول الحنطة والشعير بمعدل اكثر من 54 الف دونم بواقع 328 حريقا أشعل عن عمد وبشتى الطرق بينها إستخدام العدسات المكبرة وأعواد البخور المربوطة بثقاب الكبريت ، وحريق الجنسية في المنصور وحرائق اﻷسواق الكبيرة والمولات والطوابق المخصصة للعقود وقبلها وخلالها نشر السموم في اﻷحواض السمكية ، واﻷوبئة في حقول الدواجن والمواشي ، واﻷمراض الفتاكة في مزارع الطماطة لتهديد اﻷمن الغذائي والحيلولة من دون الإكتفاء الذاتي وتحويل العراق الى مستهلك دائم ﻻيقوى على الإنتاج حتى على مستوى – الكراث والفجل – حين فكرت مليا في آفة ” العلقـ..مانية ” وأعني بها ظاهرة إرتداء قناع الملة ، الطائفة ، العرق ، الدين أمام الجمهور الفقير المقهور لخداعه ، ومن ثم خلعها والكفر بها مجتمعة في الحفلات الماجنة داخل الفنادق والملاهي والقصور حيث يتحلق الفاسدون بأموال السحت الحرام على إختلاف مشاربهم حول موائد الغواني والقمار والخمور ، وألحّ عليّ مقترح ألهمتني إياه رائعة ، بيرم التونسي ، لتشجيع الصناعة الوطنية ومحاربة الشركات الإحتكارية والحد من آفة الإستيراد العبثي غير المبرمج على حساب المنتج المحلي وما يترتب عليه من تشغيل العاطلين وتوظيف اﻷيدي العاملة وأعني بها قصيدة ” دور ياموتور ” التي أصبحت أيقونة العمال في بعض الدول العربية يقول فيها :
دور يا موتور يا للي بتلعب أعظم دور ، دور علي كيفك واغزل صوفك لا هنـــا مراقب ولا كونتــــــور ، مصر الحرة ولو تتعري ما تلبس نسيج من برة لا حرير بمبة ولا كستــور ..أحنا المغزل، وأحنا المنسج، واحنا نحضر واحنا نصدر، على مرسيليا وعلى دارفور !!
خلاصة المقترح الى الشعراء يتضمن إطلاق سلسلة قصائد ” عمودية ، شعر حر ، تفعيلة ، شعبية ” وﻻبأس باﻷبوذيات والدارميات والزهيريات في ذات السياق لمكافحة الفساد والإفساد وفضح أساطينه ودورهم في نحر الفضيلة ونشر الرذيلة وتدمير الاقتصاد الوطني وحرقه وحوسمته كليا ، على أن يتناول الشعراء الافاضل في كل قصيدة ” آفة فساد ” مستشرية في المجتمع ” الرشوة ، الاختلاس ، الربا ، التزوير ، البطالة ، التسول ، الغش ، التخنث والتزلف ، تجريف البساتين ، حرق المزارع ، حوسمة أو تعطيل المصانع ..الخ ” وكل قصيدة تتألف من 10 أبيات أو أكثر تتناول آفة من اﻵفات من دون الخلط بينها في قصيدة واحدة لتكون أجلى معنى وأعمق فكرة وأبعد أثرا ، حتى أن أمثالي إن إحتاج بيتا أو قصيدة يستشهد بها عن الرشوة مثلا وجدها عندهم ، عن التزوير عثر عليها بمعيتهم وهكذا وفي حال نجاح المشروع واستمراره يُصار الى جمع النتاجات بالتتابع بين دفتي ديوان شعري بأجزاء يوثق مرحلة من تأريخ العراق هي اﻷسوأ لايختلف في ذلك إثنان ولايتناطح بشأنها كبشان ، وليكن عنوانه” آفات ” للتحذير منها مجتمعة تُبوبُ بحسب كل آفة على حدة “الربا للشاعر فلان ..والشاعر فلان ..والشاعر فلان ” ، الرشوة ” لفلان وفلان وفلان ” وهكذا لتقرأ في المهرجانات والندوات،في المدارس والجوامع والجامعات بغية مكافحة الفساد المستشري في كل مكان والحد منه قدر الإمكان وخلق حالة من التثقيف والوعي الجمعي بهذا الإتجاه يتصاعد تأثيرها بإطراد ضاغط بغية الاصلاح والتغيير المستقبلي فهذه هي زكاتكم أيها الشعراء وهذه هي ذخيرتكم في حياتكم وصدقاتكم الجارية بعد مماتكم فشمروا عن ساعد الجد واستثمروا ماحباكم الله تعالى به من مواهب ﻷجل الحق والعدل وفي سبيلهما ..وربما يتطور اﻷمر الى إنشاد الرائع من القصائد على طريقة عزيز علي ، الشيخ إمام ، مارسيل خليفة !
ومن يتأمل في تفسير اﻵية الكريمة التي تصدرت المقال ليعجب أشد العجب من تطابقها مع – العلقـمانيين – وما يقومون به اذ فسر المفسرون قوله تعالى “واذا تولى” أي ملك الأمر وصار واليا ، وفسروا ” ليفسد فيها ” بقطع الرحم وسفك الدماء ، وفسروا ( ويهلك الحرث والنسل ) بقصة أحدهم كان بينه وبين قبيلة ثقيف خصومة فأحرق زروعهم وأهلك مواشيهم ، وهذا عين ما يحصل في العراق اليوم على يد الفاسدين المتنفذين بأوامر اقليمية ودولية لنشر الفوضى غير الخلاقة واثارة القلاقل والفتن واضعاف البلاد وأهلها لصالح من يأتمرون بأمرهم وينفذون اجنداتهم حرفيا ويوميا !
إحذروا العلقـ..مانيين “الذين يمتصون دماء الخلق كالعلق ويعيدون كلما ذكروا الى اﻷذهان سيرة أبي رغال الذي دل إبرهة الحبشي على الكعبة ، وابن العلقمي الذي ساعد هولاكو بالدخول الى بغداد ، هؤلاء هم أسوأ على اﻷمة من كل أعدائها ، فهذا العلقماني يسرق ويزني ويختلس المال العام ويحرق ويحمي دور البغاء وصالات القمار ويتاجر بالمخدرات والسلاح والخمور ويأخذ نسبة منها بالباطل ويقطع الطريق ويسطو على المصارف ويهرب خيرات البلاد ويدخل كل ما يضر اقتصادها بخلاف الشريعة والقانون ، اﻻ إنه ينظم الندوات والمؤتمرات الصحفية ويعزر ويقيم الحدود ضد خصومه والرافضين لسطوته والممتعضين من فساده وفق الشريعة والقانون ، وكلاهما منه وممن نصبه على رقاب العباد براء براءة الذئب من دم يوسف ، هؤلاء يراهنون في اﻷعم اﻷغلب على سطحية تفكير الناخبين اذا ما تعلق اﻷمر بعواطفهم المشحونة ليفوز المرشحون بالعصبيات القومية ، المذهبية ، الدينية ، الايدولوجية ، إذ سرعان ما تنطلي تلكم العواطف الجياشة التي يجيد “العلقمانيون” العزف على اوتارها ساعة إرتداء القناع – العلقماني – على الجمهور يستوي في ذلك الليبراليون والراديكاليون ، العلمانيون والدينيون ، القوميون واﻷمميون ، الاشتراكيون والرأسماليون ، اﻻ إنهم يسرقون – الجمل بما حمل – بمجرد كسب الرهان والظفر بالمنصب من دون أي إعتبار لا لملة ولا لدين ولا لمذهب ﻷربع عجاف لن تحظى جماهيرهم خلالها برؤيتهم -بعد تغيير أرقام الهواتف – سوى في الفضائيات والمواقع والصفحات الناطقة بإسمائهم وغالبا ما تكون تلك المشاهدات ﻷكثرهم وهم يوزعون الاتهامات التي طالتهم باﻷدلة والبراهين ويحاولون دفعها عن شخوصهم وأحزابهم ورمي الكرة بملعب اﻵخرين ، متوعدين بالثأر والانتقام ممن اذاعوا سرهم وفضحوا أمرهم بالتوقيت والطريقة التي يرونها مناسبة !
ولعل الصفات الاربع الواردة في الحديث النبوي الشريف : ( أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا ، وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا : إِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ ، وَإِذَا حَدَّثَ كَذَبَ ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ ) تنطبق على ” العلقـ ..مانيين ” حرفيا، ولله در الشاعر سامي طه ، القائل في مطلع قصيدته (الفساد وراياته ) :
ظهر الفسادُ ورفرفت راياتهُ ..ولبئس ما رفـَّـتْ من الراياتِ
اودعناكم اغاتي