22 ديسمبر، 2024 7:48 م

آراء في زيارة اوباما … لنصب ضحايا هيروشيما…؟؟

آراء في زيارة اوباما … لنصب ضحايا هيروشيما…؟؟

في الكلمة التي ألقاها الرئيس الأمريكي بعد وضعه اكليلا من الزهور أمام نصب ضحايا القنبلة النووية التي القيت على مدينة هيروشيما ابان عهد سلفه الرئيس هاري ترومان نهاية الحرب العالمية الثانية قال : ” جئنا لنمعن النظر بفظاعة ما حصل في الماضي غير البعيد. جئنا لنندب الضحايا فان أرواحهم تخاطبنا بأن نتطلع الى الأمام ونعاود التفكير بمن نحن وما نبتغي أن نكون “. وقال أيضا : قبل 71 عاما عندما سقط الموت من السماء أيقنا فظاعة الدمار وكيف تغير العالم أمامنا. ما تعلمناه من هيروشيما ان التقدم التكنولوجي من دون تقدم مواز في المؤسسات الانسانية يمكن أن يفضي الى القضاء علينا. الثورة العلمية التي جاءت بالقوة النووية تتطلب تقدما بالقيم الانسانية أيضا. ربما لا نستطيع منع قدرة الانسان على الشر لكن على المجتمعات ان تمتلك الوسائل للدفاع عن نفسها وعلى المجتمعات التي من بينها مجتمعنا الذي يمتلك الأسلحة النووية أن تكون لها الشجاعة للخلاص من حالة الخوف وتشجيع العالم للتخلص منها. نحن لم ندرك ربما هذا الهدف خلال ما تبقى لنا من العمر لكن السعي المثابر قد يمنع حدوث الكارثة مرة أخرى”.

عبارات بليغة وهي ما ميزت خطاباته ولعلها كانت واحدة من أهم عوامل التأثير في نفوس الناخبين الأمريكيين أثناء حملته الانتخابية ضد منافسيه للفوز برئاسة البيت الأبيض ، لقد كذب حينها وهاهو يكذب الآن. كان واضحا من العبارات التي استخدمها في كلمته اثارة عواطف اليابانيين لاقناعهم بحميميته وانه فعلا يتضامن مع اقارب واصدقاء الضحايا وهي لاشك تركت اثرا ايجابيا في نفوس اليابانيين الأحياء وهي تشبع الى حد ما رغبة الكثير ممن كانوا يطالبون أمريكا باعتذار رسمي عما ارتكبته بحقهم وربما كانوا حقا يعتقدون بانه سيعتذر لكنه لم يفعل ولن يفعل. فهو رجل حرب لا رجل سلام. لقد منح في عام 2009جائزة نوبل للسلام لتعهده بتخليص العالم من الاسلحة الذرية لكنه لم يخطو خطوة واحدة على هذا الطريق بل على العكس هو أكثر الرؤساء الأمريكيين انتاجا للرؤوس النووية. لقد بدأ سباقا جديدا للتسلح النووي فرصد ما بين 2 – 3 تريليون دولار لتجديد ترسانته النووية خلال الخمسة عشرة والعشرين  القادمة. وفي عهده تم انتاج ما يسمى mini nukes التي سيكون استخدامها أكثر سهولة من بقية أجيال السلاح النووي. (1)  

ومع ان تفاصيل الخطة أبقيت سرية لكن بعض المعلومات العامة قد سربت الى وسائل الاعلام. حيث جاء فيها ان خطة التجديد ستتضمن أيضا انتاج غواصات حديثة قادرة على حمل صواريخ باليستيكية حاملة للرؤوس النووية اضافة الى انتاج جيل جديد من الطائرات المقاتلة وطائرات المراقبة والاتصالات وتطوير مراكز البحوث والمختبرات النووية.

 

 

 لكن لنعود الى الحدث الفظيع ذاته وهو اسقاط القنبلتين النوويتين على مدينتي هيروشيما وناكازاكي نهاية الحرب العالمية الثانية ونراجع بعض ما كتب عن هذا الموضوع من قبل الباحثين والصحفيين الذين كانوا قريبين من مراكز صنع القرار في تلك المرحلة السياسية وما بعدها ثم نناقش ما وراء زيارة وكلمة أوباما الى اليابانيين.

قدر عدد سكان هيروشيما ساعة القاء القنبلة النووية عليها بحوالي 300،000 مواطن جلهم من كبار السن والنساء والأطفال من سيئي الحظ أما الشباب فقد سيقوا للحرب عدا ذلك لم يكن في المدينة أية مواقع عسكرية مهمة يجعلها هدفا للقوات الامريكية. الكثير من الخبراء والقادة العسكريين الأمريكيين والأجانب اقروا أن القاء القنبلتين النوويتين لم يكن له ما يبرره عسكريا فالحرب العالمية الثانية قد انتهت بدحر ألمانيا النازية واستسلامها للجيثس السوفييتي في برلين في الخامس عشر من أيار مايو 1945. الرئيس روزفلت ونائبه هاري ترومان كانوا على علم بمحاولات اليابان للاستسلام وشرطها الوحيد كان الابقاء على موقع الامبراطور هيرو هيتو لكونه رمزا روحيا للشعب الياباني ، لكن الأمريكيين رفضوا العرض. رغبة اليابان للاستسلام كانت قد نقلت للأمريكيين عبر السوفييت خلال سفير اليابان في موسكو منذ عام 1944 بل وحتى قبل ذلك التاريخ .فالأمريكيون كانوا على علم بتفاصيل تلك المحاولات لحصولهم على الشفرة التي كانت تنقل عبرها المراسلات الدبلوماسية والعسكرية بين المسئولين اليابانيين وسفاراتهم في الخارج حتى قبل الهجوم على Pearl Harbor . وفي 13 – 7 – 1945 جدد السفير الياباني في موسكو طلب حكومته للاستسلام عبر السوفييت لكن الأمريكيين رفضوا العرض أيضا. فلماذا أصر الأمريكيون برغم ذلك على القاء القنبلتين على المدينتين المنكوبتين وقتل أكثر من 200 ألفا من سكانها في ثوان معدودات..؟؟

الاجابة على السؤال تتلخص في الحقيقتين التاليتين ، الأولى – اخافة الاتحاد السوفييتي واجباره لقبول واقع ان الولايات المتحدة هي الدولة الأقوى في العالم وينبغي على جوزيف ستالين الزعيم السوفييتي حينها الاعتراف بذلك.

والثانية – ان الرئيس هاري ترومان أراد اخضاع اليابان كليا ولأمد غير معلوم للهيمنة الأمريكية المباشرة وحرم عليها ان تعود امبراطورية تحت أي مسوغ مع ابقائها قاعدة عسكرية لمراقبة وتحدي الوجود الروسي والصيني في البحار المجاورة.

فيما يخص الحقيقة الأولى فان ستالين ومنذ أول تجربة نووية أجرتها الولايات المتحدة قد أدرك نوايا حليفته أمريكا فباشر على الفور وعلى عجل حيازة القدرة النووية لادراكه بأن القوة والقوة وحدها هي اللغة الوحيدة التي تفهمها الادارة الامريكية وبالفعل بعد أقل من أربعة سنوات حاز الجيش السوفييتي على السلاح النووي وأمنت سلامة الشعوب السوفييتية من أي عدوان عليها.

أما بخصوص الحقيقة الثانية فقد تم لهاري ترومان ما اراد فأخضعت اليابان للهيمنة الكاملة للولايات المتحدة للواحد والسبعين عاما التالية ولحد اليوم. تعتبر اليابان حاليا مقرا لماءة وتسعة قواعد عسكرية برية وجوية أمريكي ترابط فيها قوات يزيد تعدادها عن 50،000 الف عسكري وترسي حول شواطئها عشرات السفن الحربية. اليابان ملتزمة حتى وقت قريب باتفاقيات استسلامها نهاية الحرب لكن الرئيس أوباما يحاول تغيير الواقع السائد من خلال دغدغة المشاعر القومية الصاعدة داخل الزمرة اليابانية الحاكمة منذ تسلم رئيس الحزب الليبرالي رئيس الوزراء الحالي Shinzo Abe  السلطة عام 2012. وتحت ذريعة ” ان الشروط التي فرضت على اليابان نهاية الحرب العالمية الثانية قد شاخت وان الوقت قد حان لتلعب اليابان دورها في المسرح الدولي” يحاول رئيس الوزراء الياباني العودة باليابان الى الوراء متجاهلا الكوارث التي حلت ببلاده في الماضي غير البعيد بنتيجة الاطماع الامبريالية.

 ففي عام 2013 بدأت اليابان بتنفيذ استراتيجية جديدة للأمن القومي وزادت تبعا لذلك نفقاتها العسكرية. فبحسب الفقرة 9 من الدستور الياباني الذي أقر بعد الحرب العالمية الثانية تنفيذا لوثائق استسلامها للحلفاء التي نصت بأنه لا يجوز لليابان اعادة بناء قواتها المسلحة على الأرض وفي الجو والبحرعدا تلك الضرورية للدفاع الذاتي عن النفس. وفي خريف عام 2015 أقر البرلمان قانونا يسمح للحكومة بارسال قواتها العسكرية خارج حدود اليابان. انسحاب جزء من القوات الأمريكية المرابطة في قواعد عسكرية على أراضيها شكل فرصة لالغاء الفقرة التاسعة من الدستور والعمل على اقامة جيش بكامل الاستعداد للدفاح عن مصالح اليابان بحجة مقاومة التوسع الصيني في بحر اليابان. كل ذلك لم يتم بدون علم الادارة الأمريكية. ( 2)

 وفي هذا الاطار يجب تفسير زيارة الرئيس اوباما لليابان لحضور مؤتمر مجموعة الدول الصناعية السبعة وكلمته أمام نصب ضحايا هيروشيما. فالحدثين لم يتما بمعزل عن جهوده لمباركة توجهات السياسيين والعسكريين اليابانيين لاعادة الاعتبار للأمبراطورية اليابانية وانهاء القيود التي فرضت عليها نهاية الحرب العالمية الثانية التي توجت بتعديل الدستور والغاء الفقرة 9 من الدستور الياباني. لقد أصيب بالصدمة أنصار السلام اليابانيين نتيجة تلك التوجهات وزادهم غضبا وتشاؤما تصريح رئيس وزرائهم الحالي  بقوله ” إن الشروط التي فرضت على اليابان بعد الحرب العالمية الثانية قد شاخت وان الوقت قد حان لتجاوزها “. اعطاء الضوء الأخضر وإعادة الاعتبار لليابانيين الحالمين باعادة مجد الامبراطورية الزائف سيدفع بالـتأكيد لطلب المزيد وربما سيسمح لهم بتطوير قدراتهم النووية فحتى الآن هم تحت المضلة النووية الامريكية. وتعبيرا عن هذا النزوع الخطر الذي لم يأتي دون تحريض الادارة الأمريكية قامت الحكومة اليابانية الحالية بارسال سفنا حربية الى خليج الفلببين بحجة مراقبة التحركات الصينية قبالة شواطئ الفلبين حيث قوبل القرار باحتجاجات شديدة اللهجة من الصين وكوريا الجنوبية. وستخطئ اليابان مرة أخرى إن شاركت في حروب التدخل الامبريالية التي تقودها الولايات المتحدة في مناطق عدة في العالم.

فما عدا الحرب من أجل الاستقلال فان بقية حروب الولايات المتحدة كانت من أجل الهيمنة على العالم. الولايات المتحدة لم تواجه خطرا لكنها شكلت خطرا على كثير من الدول الأخرى فأخضعتها لهيمنتها المباشرة أوغير المباشرة. أما الدول التي ترفض سياسة الاحتواء والتدخل الأمريكي في شئونها الداخلية فتظل هدفا للحصار والعقوبات الاقتصادية والسياسية والاستفزاز وهي السياسة التي تنفذها حيال الصين وروسيا حاليا ، لكن الصين وروسيا ليستا دولا متعبة ، فهما ليستا اسبانيا عام 1898 عندما هاجمت مناطق نفوذها واستولت على كوبا والفلبين مدعية تحريرهما. الصين وروسيا ليستا غرنادا أو بنما أو العراق أو ليبيا أو الصومال أو سوريا أوكرانيا أو دول أمريكا اللاتيتينية التي زرعت فيها عملاءها عبر الانقلابات العسكرية. (3)

فروسيا لم تبدأ الحرب مع أحد لكنها دائما من ينهيها والحرب بالنسبة للغرب هي استمرار للسياسة بوسائل أخرى ، لكن بالنسبة للروس هي كفاح مرير من أجل البقاء ودفاعا عن الوطن الذي يحبونه وشعبهم الذي هو حياتهم ذاتها. لقد كتب القائد البريطاني في الحرب العالمية الثانية الذي دحر الجيش الألماني في معركة العلمين في صحراء مصر الجنرال برنارد مونتغمري محذرا من الحرب مع روسيا. قائلا : (4)

” الحرب التالية على الأرض ستكون مختلفة عن الحرب العالمية الثانية التي علينا أن نحارب فيها بطريقة مختلفة. للوصول الى قرار حولها يجب علينا أولا ، أن نكون واضحين حول بعض أصول الحرب. القانون رقم واحد في الصفحة الأولى من كتاب الحرب هو : ” لا تتقدم نحو موسكو”. عددا من الناس حاولوا ذلك ، نابليون وهتلر ولم يكن الأمر بالجيد. هذا هو القانون الأول”.