” استعمال تعبير “فلسفة عربية” يمتلك سبق التأكيد على أهمية المرور الى العربية بينما صياغة “فلسفة إسلامية” تسجل انتماء ثقافيا أكثر منه دينيا “1[1]
من المعلوم أن القراءات السائدة تقلل من قيمة التناول الفلسفي العربي للقضايا السياسية وتعطي الأولوية للميتافيزيقا والمنطق واللغة والأخلاق وبدرجة أقل المجتمع والتاريخ والاقتصاد وتدرج شؤون الحكم ومسألة الحقوق في خانة الأمور المسكوت عنها إلى جانب الدين والجنس وأشياء محرمة ينصح بتركها. لكن هذا الحكم المسبق يمكن مراجعته وإعادة التفكير في حضور المسألة السياسية في الفلسفة العربية وإثارة مواقف حكماء العرب من الإشكاليات المطروحة على الحكام في زمنهم وطرق تعاطيهم معها. لعل استذكار بعض النظريات الفلسفية الماضية والتركيز على جملة من المفاهيم الاجرائية والمقاربات الجدية واستدعاء آراء ومناهج مفكري حضارة اقرأ وعلماء لغة الضاد يخرجهم من سراديب التقاليد وقبو التراث ويلقي بهم في معارك العصر وحركة التاريخ ويصلح ما أفسده الدهر من ناحية أولى، وربما يمثل هذا الاستنجاد دليلا ساطعا على استمرار نفس المزالق العملية والتشويشات النظرية التي ظل الوعي الإسلامي يعاني منها وتعيقه عن تشخيص العلل وفتح طرق الخروج من الأزمات من ناحية ثانية.
الرأي الأول يتعلق بغائية الأخلاق الفلسفية التي تتعالى على تحصيل السعادة الفردية والخير الأسمى وتهتم بالخيرات الفردية وتركز على البعد السياسي للخير وتمنح السعادة المادية للمدينة في مجموعها.
الرأي الثاني يشير إلى ضرورة التربية السياسية للمواطنين وإعطاء الأفراد تكوينا أخلاقيا من أجل تأهيلهم على الفوز بالفضائل واحترام القوانين وإتيان أفعال حسنة والابتعاد عن الرذائل وترك المفاسد.
الرأي الثالث يتطرق إلى منزلة الحكماء والفلاسفة والعلماء في المدينة ويطالب بإخراجهم من عزلتهم وغربتهم ومن وضع النوابت والهراطقة إلى وضع المتوحدين والمرابطين على علم الحق والعمل به.
الرأي الرابع يطالب باعتماد سياسة عقلانية في تنصيب الحكومة ويجعل من وضع النواميس وتفصيل الأحكام وحسن الاجتهاد في الشرائع سبيلا نحو تدبير المدينة وتنظيم المجتمع وضمان المصلحة العامة.
الرأي الخامس يهتم بالعلم المدني وطرق الحكم وصفات الحاكم وأنواع المدن وينتقي القوانين الجيدة والوسائل الناجعة لإرضاء العامة والإحسان إلى الخاصة والاستفادة من العلماء واتقاء الفتن والنزاعات.
الرأي السادس يخص وضع الدين من الدنيا ومنزلة الشريعة من الواقع ودور المسجد في المدينة وظيفة الفقهاء في السياسة ومرتبة السلطان الروحي من السلطان الزمني ويطلب فيها بالتروي والتعقل والتمييز.
الرأي السابع يمنح الأمة الشرعية التاريخية على الجماعات التي تتكون منها ويعطي الدولة السيادة على الأرض ويعادل بين السلطة والحرية وبين القوة والحق وينتصر إلى بنائية العفو على تدميرية العنف. لكن إلى أي مدى تنفع الآراء النظرية الموروثة عن الماضي من تخليص الحاضر من أوحال العنف السياسي؟ وما حيلة مصداقية النظريات الفلسفية في مواجهة تحريفات الممارسة وغواية المنفعة؟
المرجع:
Pauline Koetschet, la philosophie arabe, éditions Points Essais, Paris, 2011 , p20.