قصة حب موغلة في التاريخ، تتشابك فيها الأيدي تارة وأخرى تفترق، وتلتقي عيون العاشقين لسنين يتبادلون همس الشفاه ونجوى الحب والغرام، ثم ما يلبث أن يكون الفراق بينهم لعقود..
أحيانا يكتفي أحدهم بأن ينظر الى خليله ليرى كيف أصبحت أحواله، وأحيانا أخرى تسود بينهم مشاكسات العشاق، وتارة حقد الأحبة، ثم ما يلبثان أن يلتقيان لتعود حكاية العشق مرة أخرى.
هي ليست حكاية آدم وحواء التي حدثت في السماء، وإنما مسلسل عشق بين آدم وغفران يحدث أمامنا طوال عقود، وأحداث تتجدد بين الأجيال وهم يشاهدون آدم متيما بوصال غفران، التي تهواه لأيام وتخاصمه لسنين، فتبتعد عنه ثم ما تلبث أن تعود، تحاول أن تخالف الحقيقة التاريخية، وترسم مسارا لها والذي ما يلبث أن يقودها نحو آدم، لكنها تعاند نفسها ويغلبها التكبر، عن مد يدها الى شريكها الأزلي.
مرات كثيرة وسنين طوال، كانت غفران التي لا تملك ثقة بحب آدم، تحاول أن توجد كيانها الخاص بها لوحدها، علها تتفوق على آدم وتثبت أنها أكبر من ذلك الحب، فتدور بين البلدان، تلتقط صورة هنا وتبتسم هناك، تجمع حولها من تظن أنهم سيرفعون من شأنها، تمشي بشموخ فوق السجاد الأحمر لتصافح الأبالسة، الذين همهم إفتراسها وجعلها غنيمة لهم، ثم ما تلبث أن تصاب بالصدمة والإحباط، من هول ما رأت من مكر وخداع وفتن كادت أن تحرقها..
أما أدم فيقف منتصبا مواجها مصاعب الحياة، وهول الأحداث التي مرت عليه، وكادت أن تمحيه من الوجود، وفراق غفران التي تكابر بالإبتعاد عنه، لكنه ينفض غبار السنين الثقال، ويستعيد تاريخه ليقف شامخا متألقا، الجميع يحاول التقرب ومصاحبته، فقد صار نجما ساطعا وإسما لامعا، ورغم ذلك ما زالت غفران تملك قلبه، كونها قرينه التاريخي، وهو بإنتظار ذلك اليوم الذي تأتي فيه فاتحة ذراعيها إليه..
العراق ومصر هما تاريخ هذه الأرض، بلدي الشمس التي أشرقت على العالم، وموطني الحضارة عبر التاريخ، فزقورة بابل تشهد للعراق، ومصر تشهد لها الإهرامات، هما الجناحان اللذان يطير بهما الشرق، وهما مدارس الحضارة والمعارف والعلوم والكتابة، وهما بلاد الأنهار التي تروي الأرض فتجعلها خضراء، وفيهما مهبط آدم ومدفن نوح وإنطلاقة إبراهيم، وهناك أرض يوسف.. في العراق المملكة التي حكمت الجهات الأربع، وفي مصر إمبراطورية أخناتون العظيم.
شهدت العلاقة بين العراق ومصر مراحل متفاوتة، فأحيانا تشهد تواصلا وإرتباطا وثيقا، وأحيانا أخرى تمر في مراحل جفاء وبرود يصل الى الخصومة، بحسب أهواء السلطات الحاكمة ورغباتها، دون النظر الى مصالح شعبي البلدين، الذين تجمعهما أواصر تاريخية كبيرة، ولطالما كان النظام السياسي في العراق يميل نحو الشرق، فإن النظام السياسي في مصر يميل نحو الغرب، إلا في أزمنة متفاوتة، ومتى كانت العلاقة متينة بين البلدين، كانت المنطقة تشهد إستقرارا كبيرا، وأغلب الأحداث المهمة والإنجازات الكبيرة التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط، عندما كان هذين البلدين يتوافقان على أهداف محددة.
بعد الزيارات المتعاقبة لثلاث حكومات عراقية، بدأت تتضح بوادرعودة العلاقة بين آدم وغفران، وأن علاقة الحب الأزلي بدأت تشتعل شرارتها مرة أخرى، وبدآ يمسكان بأيدي بعضهما من جديد، فقدر هذين البلدين أن يتحالفا معا، فهما يملكان كل المقاومات الإقتصادية والبشرية والجغرافية، التي تجعلهما يمثلان مرتكزا مهما في الشرق الأوسط والعالم، وإذا ما دامت هذه العلاقة وتطورت سيكون تأثيرها كبير على الأوضاع السياسية والإقتصادية في المنطقة برمتها.