23 ديسمبر، 2024 8:37 ص

آدم ليس أول البشر – على ضوء القرآن وروايات أئمة أهل البيت (عليهم السلام) في مصادر الشيعة الإمامية / 1

آدم ليس أول البشر – على ضوء القرآن وروايات أئمة أهل البيت (عليهم السلام) في مصادر الشيعة الإمامية / 1

انفرد أئمة أهل البيت (عليهم السلام) دون سائر أهل الإسلام بل دون سائر البشرية سواء من أتباع الأديان السماوية أو الفلاسفة وغيرهم بالقول بأن آدم ليس أول البشر، وجاءت الروايات في المصادر المعتبرة التي يعود جلها الى القرن الرابع الهجري، وهو كما نعلم عصر المحدثين الكبار الذين دونوا الحديث وحفظوه لنا، ومن هذه المصادر تفسير العياشي، ومؤلفه هو المحدث الجليل أبو النظر محمد بن مسعود بن عياش السلمي السمرقندي المعروف بالعياشي المتوفي سنة 320 هـ، والمحدث الأقدم الشيخ محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي المتوفي سنة 381 هـ، والشيخ المفيد محمد بن النعمان المتوفي سنة 413 هـ، وغيرهم ممن سنتعرض لهم في طيات هذه الحلقات بإذن الله تعالى.
وكان الأمر من الوضوح عند علماء السنة بانفراد الشيعة بهذه الروايات عن أئمتهم (عليهم السلام) فقد جاء في التفسير الكبير للفخر الرازي المتوفي سنة 606 هـ :
((المسألة الثانية : ثبت بالدلائل القاطعة أنه يمتنع القول بوجود حوادث لا أول لها، وإذا ثبت هذا ظهر وجوب انتهاء الحوادث إلى حادث أول هو أول الحوادث، وإذا كان كذلك فلا بد من انتهاء الناس إلى إنسان هو أول الناس، وإذا كان كذلك فذلك الإنسان الأول غير مخلوق مع الأبوين فيكون مخلوقاً لا محالة بقدرة الله تعالى. فقوله : (ولقد خلقنا الإنسان) إشارة إلى ذلك الإنسان الأول، والمفسرون أجمعوا على أن المراد منه هو آدم عليه السلام، ونقل في “كتب الشيعة” عن محمد بن علي الباقر “عليه السلام” أنه قال : قد انقضى قبل آدم الذي هو أبونا ألف ألف آدم، أو أكثر، وأقول : هذا لا يقدح في حدوث العالم بل الأمر كيف كان، فلا بد من الانتهاء إلى إنسان أول هو أول الناس، وأما أن ذلك الإنسان هو أبونا آدم، فلا طريق إلى إثباته إلا من جهة السمع)). التفسير الكبير 19 : 117.
وسوف نتعرض لاحقاً عند المناقشة لرأي الرازي هذا، ونلاحظ أنه لا يعترض على الاتجاه الشيعي في وجود بشر سابقين على آدم.
كما ذكر الآلوسي المتوفي سنة 1270 هـ، في تفسيره :
((والذي عليه الجماعة من الفقهاء والمحدثين ومن وافقهم أنه ليس سوى آدم واحد ــ وهو أبو البشر ــ وذكر صاحب “جامع الأخبار” من الإمامية في الفصل الخامس عشر خبراً طويلاً نقل فيه أن الله تعالى خلق قبل أبينا آدم ثلاثين آدم، بين كل آدم وآدم ألف سنة، وأن الدنيا بقيت خراباً بعدهم خمسين ألف سنة، ثم عمرت خمسين ألف سنة، ثم خلق أبونا آدم “عليه السلام”، وروى ابن بابويه في كتاب “التوحيد” عن الصادق في حديث طويل أيضاً أنه قال : لعلك ترى أن الله تعالى لم يخلق بشراً غيركم، بلى والله لقد خلق ألف ألف آدم أنتم في آخر أولئك الآدميين، وقال الميثم في “شرحه الكبير على النهج” ــ ونقل عن محمد بن علي الباقر ــ أنه قال : قد انقضى قبل آدم الذي هو أبونا ألف ألف آدم أو أكثر، وذكر الشيخ الأكبر “قدس سره” في “فتوحاته” ما يقتضي بظاهره أن قبل آدم بأربعين ألف سنة آدم غيره، وفي كتاب “الخصائص” ما يكاد يفهم منه التعدد أيضا الآن حيث روى فيه عن الصادق أنه قال : إن لله تعالى إثني عشر ألف عالم، كل عالم منهم أكبر من سبع سموات وسبع أرضين، ما يرى عالم منهم أن لله عز وجل عالماً غيرهم، وأني للحجة عليهم. ولعل هذا وأمثاله من أرض السمسمة وجابرسا وجابلقا إن صح محمول على عالم المثال لا على هذا العالم الذي نحن فيه، وحمل تعدد آدم في ذلك العالم أيضاً غير بعيد، وأما القول بظواهر هذه الأخبار فمما لا يراه أهل السنة والجماعة، بل قد صرح زين العرب بكفر من يعتقد التعدد، نعم إن آدمنا هذا “عليه السلام” مسبوق بخلق آخرين كالملائكة والجن وكثير من الحيوانات وغير ذلك مما لا يعلمه إلا الله تعالى لا بخلق أمثاله وهو حادث نوعاً وشخصاً خلافاً لبعض الفلاسفة في زعمهم قدم نوع الإنسان، وذهب الكثير منا إلى أنه منذ كان إلى زمن البعثة ستة آلاف سنة وأن عمر الدنيا سبعة آلاف سنة ورووا أخباراً كثيرة في ذلك، والحق عندي أنه كان بعد أن لم يكن ولا يكون بعد أن كان، وأما أنه متى كان ومتى لا يكون فمما لا يعلمه إلا الله تعالى، والأخبار مضطربة في هذا الباب فلا يكاد يعول عليها)). تفسير الالوسي 4 : 180 ــ 181.
ونلاحظ هنا أن الشيعة نالوا حصتهم المعتادة من التكفير حسب الآلوسي، بقول هذا العالم السني (زين العرب)، ومن المعلوم أنه يستهدف الشيعة لا غير فهم قد انفردوا بهذا القول كما أسلفنا. أما نص ابن عربي المشار إليه فهو :
((ولقد أراني الحق تعالى فيما يراه النائم وأنا طائف بالكعبة مع قوم من الناس لا أعرفهم بوجوههم فأنشدونا بيتين ثبت على البيت الواحد ومضى عني الآخر فكان الذي ثبت عليه من ذلك لقد طفنا كما طفتم سنينا * بهذا البيت طرا أجمعينا وخرج عني البيت الآخر فتعجبت من ذلك فقال لي واحد منهم وتسمى لي باسم لا أعرف ذلك الاسم ثم قال لي أنا من أجدادك قلت له كم لك منذ مت فقال لي بضع وأربعون ألف سنة فقلت له فما لآدم هذا القدر من السنين فقال لي عن أي آدم تقول عن هذا الأقرب إليك أو عن غيره فتذكرت حديثاً عن رسول الله ص إن الله خلق مائة ألف آدم)). ابن عربي، الفتوحات 3 : 549.
ومن المؤكد أن النص الذي يشير إليه ابن عربي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) إنما هو النص المروي عن أئمة أهل البيت، إلا أنه لم يصرح بذلك، أو أنه لا يتذكر أين قرأ الرواية فنراه يحيل الى رسول الله كما أخطأ بالعدد فهو قد ذكر مائة ألف بينما نصوص الشيعة تذكر ألف ألف أي مليون، وسنتعرض لهذا العدد ومغزاه، فإن القصد هو العدد الكبير من البشر الذين سبقوا آدم وليس بالضرورة نفس العدد المذكور.
ونستعرض فيما يلي أهم تلك النصوص والتي ليس فيها منفذ لتأويل :
((روى الصدوق عن أبيه، قال : حدثنا سعد بن عبد الله، قال : حدثنا محمد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن عمرو بن شمر، عن جابر بن يزيد، عن أبي جعفر الباقر في حديث قال : لعلك ترى أن الله إنما خلق هذا العالم الواحد، وترى أن الله لم يخلق بشراً غيركم، بلى والله لقد خلق الله ألف ألف عالم، وألف ألف آدم، أنت في آخر تلك العوالم وأولئك الآدميين)). الصدوق، التوحيد 277. والخصال 652.
((عن يعقوب بن شعيب قال : سألت أبا عبد الله “عليه السلام” عن هذه الآية “كان الناس أمة واحدة” قال : قبل آدم وبعد نوح ضُلالاً فبدا لله فبعث الله النبيين مبشرين و منذرين)). العياشي 1 : 104. التوحيد للصدوق 277، والخصال للصدوق 652. والحافظ رجب البرسي، مشارق أنوار اليقين 60.
((وروى الصدوق عن بكير بن أعين، عن أخيه زرارة قال : قلت لأبي عبد الله “عليه السلام” : جعلني الله فداك أسألك في الحج منذ أربعين عاما فتفتيني، فقال : يا زرارة بيت يحج قبل آدم “عليه السلام” بألفي عام، تريد أن تفنى مسائله في أربعين عام)). الصدوق، من لا يحضره الفقيه 2 : 219.
((عن رسول الله في حديث طويل سأله أحدهم : من سكن الأرض قبل آدم؟، قال “صلى الله عليه وآله” : الجن. قال : وقبل الجن؟، قال : الملائكة. قال : وقبل الملائكة؟، قال : آدم، قال : فكم كان بين الجن وبين الملائكة ؟ قال : سبعة آلاف سنة، قال : فبين الملائكة وبين آدم؟، قال : ألفي ألف سنة)). المفيد، الاختصاص 50.
وقال المحققان (علي أكبر الغفاري، السيد محمود الزرندي) في هامش هذه الرواية : في بعض النسخ وفي البحار [قال : وبعد الجن؟ قال : الملائكة، قال وبعد الملائكة؟ قال : آدم] وما في المتن أصح وإن كان المعنى على النسختين واحد والخبر يدل على كون الأرض مسكناً “لبني آدم قبل الملائكة ويؤيده قول الملائكة حيث قال الله تعالى “إذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء – الآية ” لأنه يعلم منه أن الملائكة عالمون بكيفية سلوك بني آدم في الأرض وإفسادهم فيها وهذا لا يمكن إلا أن يسبقوا الملائكة وإن كانوا من نسل آدم أخرى غير أبونا.
((عن محمد بن مسلم قال : سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول : لقد خلق الله في الأرض منذ خلقها سبعة عالمين ليس هم من ولد آدم، خلقهم من أديم الأرض فاسكنوها واحداً بعد واحد مع عالمه، ثم خلق الله آدم أبا هذا البشر وخلق ذريته منه)). تفسير العياشي 2 : 238. والخصال للصدوق 359.
لذلك تعامل علماؤنا مع هذه المسألة بمرونة أكبر مما عند السنة، ولكن بشيء من الاحتياط وهم معذورون بذلك دون شك، ذكر الشيخ عبد الهادي الفضلي :
((والبحث الديني يوصلنا إلى وقوع أو تحقق وجود عوالم أخرى غير عالمنا هذا، لما ورد في حديث جابر الجعفي عن الإمام محمد الباقر “عليه السلام” : (لعلك ترى أن الله إنما خلق هذا العالم الواحد، وترى أن الله لم يخلق بشراً غيركم، بلى والله لقد خلق الله ألف ألف عالم، وألف ألف آدم، أنت في آخر تلك العوالم وأولئك الآدميين). والبحث العلمي يدلنا على حقيقة تلكم العوالم، أو يكشف لنا على الأقل عن جانب من حقيقة تلكم العوالم، فقد عثرت الكشوف العلمية الحديثة على (هياكل بشرية مشابهة لهيكل هذا الإنسان الحالي، كانت تعيش على الأرض قبل ملايين السنين)). الفضلي، أصول البحث 45 ــ 46.