23 ديسمبر، 2024 9:04 ص

آدم ليس أول البشر الحلقة 13 – 2

آدم ليس أول البشر الحلقة 13 – 2

جنة آدم وشجرة الخطيئة شجرة آدم والخطيئة الأولى :
استقر آدم وزوجه في الجنة، وضمن أن لا منغصات فيها بعد أن أُبعد إبليس منها، فليست هناك حيوانات مفترسة، ولم تكن جنته تحتاج إلى مؤونة وعناء لاستحصال الثمار منها، والمياه تحيط بها، والأنعام ترتع فيها آمنة توفر له ولزوجه حاجاتهما، ولم يحصل كل هذا بين ليلة وضحاها (كما قلنا سابقاً)، فهذا الوطن الذي قضى فيه آدمُ أربعين عاماً واعتاد عليه ولم يكن يفكر فيما هو أبعد منه، إذ ليس هناك تكليف بأمر آخر، ولا أقصد بالتكليف ما نعرفه من الواجبات والمحرمات، إذ لم يكن العصرُ عصرَ التشريع كما نعرفه اليوم، ولكنه التكليف الذي توجبه النفسُ علينا، وذلك أننا نريد أن يكون لنا وجود مفيد بناء على الباعث الداخلي الذي يحتم علينا أن نشغل مساحة في هذا الكون، وليس أن نكون عالة نستشعر التفاهة نأكل ونشرب وننام كما تفعل الأنعام، فالإنسان كائن لا يخضع للطبيعة وقوانينها بل خُلق ليسخِّر هذه الطبيعة ويشغل حياته بالعمل المنتج، وكان آدم قبل أن تنفخ فيه الروح (قبل الوعي) غير مسؤول عن شيء سوى نفسه، يأكل ويشرب ويحتمي من البرد والحر : ((إِنَّ لَكَ أَلاَّ تَجُوعَ فِيهَا وَلا تَعْرَى*وَأَنَّكَ لا تَظْمَأُ فِيهَا وَلا تَضْحَى)). طه 118 ـــ 119. وكان من خياراته أن يبقى على هذه الحال حتى آخر يوم من حياته، ولكن في هذه الحال سيحصل تعارض مع الأهداف التي خلق من أجلها، ونفخت فيه الروح بسببها، وهي الأهداف التي تعمر بها الأرض، ليس إعمار الطبيعة فهي غير قادرة على ذلك، ووضع النظام والقوانين، وهي الأخرى ليست من شأن الطبيعة. إنها الأهداف التي اصطلح عليها القرآن : ((وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ)).البقرة30. الخلافة، أي الهيمنة ووضع الأسس لتمثيل السماء على الأرض، ولكن السماء ليست محتاجة إلى آدم بل هو من احتاجها ليخرج من الفوضى الأرضية التي عاشتها ملايين الأعوام، ولكنه عجز عن ذلك حتى لحظة التفكير والوعي (نفخ الروح).
يفترض بآدم أن يكون أشد حرصاً ومعرفة بعد أن نفخت فيه الروح، وحذِراً فلا يرتكب ما يؤدي إلى خروجه من الهناء الذي كان فيه، من ناحية أخرى نجد غرابة في معاقبة الإنسان الواعي على فعل ليس بالجرم الكبير (الأكل من شجرة)، واعتبر عاصياً ناسياً لمجرد رغبته بالتناول منها، وهذه الشجرة العجيبة الغريبة التي ذهب فيها المفسرون مذاهب شتى سواء كانت شجرة التفاح أو العنب أو الحنطة، أو كانت متنوعة حسب بعض الروايات وتحتوي على كل أنواع الفاكهة تقريباً، ومهما كانت فهل يستحق آدم وزوجه هذه العقوبة الطويلة التي استمرت من بعده في أبنائه، لمجرد أن تذوقاها؟. وهل أن التوجيه جاء لآدم بصورة مباشرة من الله، أي خاطبه بصوت مسموع، أو بإيحاء داخلي؟، ولو افترضنا أنه على أحد نحوين، فما هو ذنب حواء، وما هو ذنب ذريته من بعده؟.
والحقيقة أن الشجرة (الخطيئة) التي كانت السبب في خروج آدم الجنة كما ذكرت التوراة والقرآن لم تكن تفاحاً أو حنطة، بل هي لم تكن شجرة طبيعية من الأساس.
جاء في سفر التكوين 2 : 7 ــ 9 : ((وجبل الرب الإله آدم تراباً من الأرض. ونفخ في أنفه نسمة حياة. فصار آدم نفساً حية* وغرس الرب الإله جنة في عدن شرقاً. ووضع هناك آدم الذي جبله* وأنبت الرب الإله من الأرض كل شجرة شهية للنظر وجيدة للأكل. وشجرة الحياة في وسط الجنة وشجرة معرفة الخير والشر)).
نلاحظ في هذه الأعداد :
ـــ أن الجنة تقع في الشرق وهو ما حددناه في بابل كما مضى.
ـــ أن هناك شجرتين “شجرة الحياة” و “شجرة معرفة الخير والشر”، أما شجرة الحياة فلم تكن سبباً في خطيئة آدم، ولكنها الشجرة الأخرى، ونفهم من هذا النص أن الشجرة مفهوم معنوي (المعرفة). ولكننا نعلم مما سبق أن مفهومي الخير والشر لم يكونا معروفين ذلك الوقت، أي لم يكن هناك صراع بين البشر العاقلين الواعين لأنهم لم يوجدوا بعد، فما هو الخير والشر المشار إليه؟. هذا ما سيكون محور حديثنا.
جاء في سفر التكوين 2 : 15 ـــ 17 : ((وأخذ الرب الإله آدم ووضعه في جنة عدن ليعملها ويحفظها*وأوصى الرب الإله آدم قائلاً من جميع شجر الجنة تأكل أكلاً* وأما شجرة معرفة الخير والشر فلا تأكل منها. لأنك يوم تأكل منها موتاً تموت)).
ــ نحتاج بعد أن نعرف معنى شجرة الخير والشر؛ أن نعرف كيف سيموت آدم لو عرف الخير والشر. والمفترض أنه لا بد أن يترتب على (نفخ الروح) المعرفة والوعي ونتيجة ذلك معرفة الخير والشر، فما هذا التفاوت؟.
وفي التكوين 3 : 1 ـــ 24 : ((وكانت الحية أحيل جميع حيوانات البرية التي عملها الرب الإله. فقالت للمرأة : أحقاً قال الله لا تأكلا من كل شجر الجنة؟* فقالت المرأة للحية : من ثمر شجر الجنة نأكل* وأما ثمر الشجرة التي في وسط الجنة فقال الله لا تأكلا منه ولا تمساه لئلا تموتا* فقالت الحية للمرأة : لن تموتا. بل الله عالم أنه يوم تأكلان منه تنفتح أعينكما وتكونان كالله عارفين الخير والشر* فرأت المرأة أن الشجرة جيدة للأكل وأنها بهجة للعيون وأن الشجرة شهية للنظر. فأخذت من ثمرها وأكلت وأعطت رجلها أيضاً معها فأكل* فانفتحت أعينهما وعلما أنهما عريانان. فخاطا أوراق تين وصنعا لأنفسهما مآزر* وسمعا صوت الرب الإله ماشياً في الجنة عند هبوب ريح النهار. فاختبأ آدم وامرأته من وجه الرب الإله في وسط شجر الجنة* فنادى الرب الإله آدم وقال له : أين أنت؟* فقال : سمعت صوتك في الجنة فخشيت لأني عريان فاختبأت* فقال : من أعلمك أنك عريان. هل أكلت من الشجرة التي أوصيتك أن لا تأكل منها؟* فقال آدم : المرأة التي جعلتها معي هي أعطتني من الشجرة فأكلت* فقال الرب الإله للمرأة : ما هذا الذي فعلت؟. فقالت المرأة : الحية غرتني فأكلت* فقال الرب الإله للحية : لأنك فعلتِ هذا، ملعونة أنت من جميع البهائم ومن جميع وحوش البرية. على بطنك تَسْعَين، وتراباً تأكلين كل أيام حياتك* وأضع عداوة بينك وبين المرأة وبين نسلك ونسلها. هو يسحق رأسك وأنت تسحقين عقبه* وقال للمرأة : تكثيراً أُكثر أتعاب حبلك. بالوجع تلدين أولاداً. وإلى رجلك يكون اشتياقك وهو يسود عليك* وقال لآدم : لأنك سمعت لقول امرأتك وأكلت من الشجرة التي أوصيتك قائلا لا تأكل منها، ملعونة الأرض بسببك. بالتعب تأكل منها كل أيام حياتك* وشوكاً وحسكاً تنبت لك وتأكل عشب الحقل* بعرق وجهك تأكل خبزاً حتى تعود إلى الأرض التي أُخذت منها. لأنك تراب وإلى تراب تعود* ودعا آدم اسم امرأته حواء لأنها أمُّ كل حي* وصنع الرب الإله لآدم واْمرأته أقمصة من جلد وألبسهما* وقال الرب الإله : هوذا الإنسان قد صار كواحد منا عارفاً الخير والشر. والآن لعله يمد يده ويأخذ من شجرة الحياة أيضا ويأكل ويحيا إلى الأبد* فأخرجه الرب الإله من جنة عدن ليعمل الأرض التي أُخذ منها* فطرد الانسان وأَقام شرقي جنة عدن الكروبيم ولهيب سيف متقلب لحراسة طريق شجرة الحياة)).
ــ كانت الحية هي السبب في إغراء حواء فأكلت من الشجرة، وحواء أغوت آدم فأكل منها، ولكن كيف استطاعت الحية أن تتكلم أو توحي الى حواء ذلك، وهل أن معنى الحية على النحو الحقيقي أو الرمزي؟. إذ من غير المتوقع أن نفهم الحية على النحو الحقيقي فهي أولاً : لا تتكلم، وثانياً : لا بد أن تكون على معرفة بخصائص الشجرة وهو أمر لم يكن لغير الإنسان “آدم” فهو الذي أُصطفي بالروح والمعرفة، إلا أن نفسر الحية بأنها الشيطان الذي وسوس لآدم بأكل الشجرة : ((فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلَى)). طه120. وعلمنا فيما مضى أن الشيطان في هذا الموضع وأشباهه إنما هو نفس الإنسان كما هو في القرآن : ((وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ)). ق16. فالشيطان الذي وسوس لآدم هو نفسه لا غير. وعلى ذلك تكون الحية التي أغوت حواء في التوراة وآدم في القرآن هي نفساهما، ولكننا سنجد أن إقحام الحية في هذا الموضع له جذوره في تراث العراق القديم، كما أنها قد صُوِّرت حول آدم وحواء في لوح عراقي قديم.
ونلاحظ أن ما أشارت به الحية على حواء في التوراة متوافق الى درجة كبيرة مع ما وسوس به الشيطان لآدم في القرآن، الذي كانت نتيجة الأكل من الشجرة فيه هي (الخلد وملك لا يبلى)، وفي التوراة (تنفتح أعينكما وتكونان كالله عارفين الخير والشر)، وهنا لا بد أن نفسر أحد النصين بالآخر، ولكنه في القرآن في هذه الآية عمومي، فأي شيء هو الخلد والملك الذي لا يبلى؟، تجيب التوراة : معرفة الخير والشر. وجواب التوراة أيضاً غير مفهوم، فما الذي تعنيه بالخير والشر في زمان ومكان ليس فيه خير وشر بعدُ؟. فهذان المفهومان إنما تعارفا بعد أن أصبح هناك مجتمع “مهما صَغُر”، ونتيجة التجاذب بين أفراده وتعارض المصالح يحدث الخير والشر بالمفهوم العرفي، كما أن أول حادثة شر نعرفها ذكرت في التوراة والقرآن قتل قابيل لأخيه هابيل، أما قبل آدم وتكوينه لمجتمعه الصغير فإن البشر أو ما يشبهه بدنياً لم يكن بعد قد عرف التجاذبات المجتمعية إلا كما تعرف الحيوانات كالاقتتال على الطعام، وهو ما لا يمكن أن نعده من أشكال الشر. كما أن إطعام الحيوانات لصغارها لا نعده خيراً بقدر ما هو غريزة وأؤكد مرة أخرى (بمفهومنا العرفي للخير والشر وليس بالمعنى المطلق أو الفلسفي). سوف تأتي الإجابة القرآنية المهمة على ذلك في حينه.
ـــ فأجابت الحية : ((بل الله عالم أنه يوم تأكلان منه تنفتح أعينكما وتكونان كالله عارفين الخير والشر)). وتنفتح عيونكما، ليس أنهما كانا أعميين، ولكن النظر هنا معنوي فكري، وهو ما ينتج معرفة الخير والشر.
ـــ فانتبهت حواء بعد كلام الحية إلى أَنَّ : ((الشجرة جيدة للأكل وأنها بهجة للعيون وأن الشجرة شهية للنظر)). أي أنها تفكرت قبل أن تأكل فرأت محاسن الشجرة.
ـــ ((فأخذت من ثمرها وأكلت وأعطت رجلها أيضا معها فأكل)). أي أن المبادرة جاءت من حواء وهي التي ورطت آدم في هذه المشكلة، ولكن القرآن يرفض هذه الرؤية وأكد أن المسؤول الأول عن هذا الأمر هو آدم، فنجد أن الخطاب يلقي باللوم مرة على آدم منفرداً، وأخرى عليهما مجتمعين، بالتالي فإن القسط الأكبر يقع على الرجل وليس على المرأة. وهذا واضح حسب منطق القرآن، فآدم هو المصطفى وهو الذي نفخت فيه الروح، والحقيقة أن كلا من آدم وحواء مصطفيان وكلاهما نفخت فيه روح المعرفة، وإلا ما كانا ليستطيعا أن يتعايشا لاختلاف الفهم والرؤية، إلا أنه في آدم مختلف لأنه كانت بيده زمام إدارة حياتيهما.
ـــ ((فاْنفتحت أعينهما وعَلِما أنهما عريانان، فخاطا أوراق تين وصنعا لأنفسهما مآزر)). قلنا أنهما لم يكونا أعميين، ولكن انفتحت بصيرتهما الذي ينتج عنه “عَلِما” والعلم ينتج عن البصيرة وليس البصر، أي الفكر والعقل والوعي وليس العين المادية، ورأيا أنهما عاريان، ثم ماذا؟. أي ما هي المشكلة في كونهما عاريين؟. فهما لم يوجدا بعدُ في مجتمع يجد العري معيباً، والأهم من ذلك أن القرآن أخبرنا أنهما لم يكونا عاريين منذ يومهما الأول في الجنة، وقبل أن يأكلا من الشجرة أساساً كما رأينا في الآية أعلاه : ((إِنَّ لَكَ أَلاَّ تَجُوعَ فِيهَا وَلا تَعْرَى)). طه 118. ولكن النص التوراتي يؤكد أنهما رأيا نفسيهما عاريين فخاطا لنفسيهما من أوراق التين مئزرين، أي قاما بتغطية موضع العورتين، وهو ما يتشابه نوعاً ما مع القرآن الذي سنرى أنه يذكر أنهما بعد أن تذوقا الشجرة (بدت لهما سوآتهما)، ولكن الأمر ليس على ظاهره، إذ ليس العري الذي دهمهما والسوءتان اللتان بدتا لهما أمرين ماديين، كما سنرى.
ـــ فاْختبآ لكي لا يراهما الرب، الذي جاء يبحث عنهما، وبعد أن عرف أنهما مستحيان كونهما عاريين سأل آدم (من أعلمك أنك عريان؟)، أي “من ألفت نظرك إلى أن العري معيباً” مع أن المفترض أن آدم وزوجه خاطا لنفسيهما إزارين فلم يعودا عاريين، وهل أن الرب يتمشى كما تذكر التوراة؟. طبعاً نحن نعتذر للتوراة أنها تأثرت بالكثير من الإضافات الأسطورية خلال مئات الأعوام من العقائد المختلفة، كما أنها نص شفوي تمَّ جمعه على مراحل متعددة، وفي كل مرحلة كان الكتبة يضفون عليها طابعهم الخاص، ولكن هذا لا ينقص بحال من عظمة التوراة وأهميتها، وأننا لا بد أن نقرأ النص التوراتي أحياناً بتأويل خاص، لأننا نتفهم أن الدين والنصوص الدينية نزلت على البشر بشكل متدرج بلغة قريبة إلى فهمه وذوقه قدر الإمكان، ولا نتوقع أن يكون هذا النص الذي يعود إلى أكثر من 4,000 عام يتفق مع لغتنا وتفاصيل عقائدنا الحالية، فهذا غاية في الإجحاف.
ــ وعندما اكتشف الرب ما فعلا قام بصبِّ اللعنة على الحية، وأن العداوة طويلة بينها وبين الإنسان، والمرأة ستتعبها أيام الحبل والولادة، وأنها ستبقى تبعاً للرجل كل حياتها، وأسماها “حواء” لأنها أم كل حي، بينما عرفنا مما سبق حسب النص الإسلامي أنها سميت حواء لأنها “خلقت من حيوان أو حي”. ولكن التفسير التوراتي صحيح أيضاً فلا يتعارض مع التفسير الإسلامي، فهي أم كل حي معنوياً دون شك، وليس القصد أنها أم كل حي مادي، وإلا فستكون أماً للحيوانات الباقية أيضاً وهذا لا يقصد في التوراة قطعاً.
أما آدم فلن يجد قُوته بسهولة بعد اليوم بل عليه الكد والعمل، ولكن الرب تحنن عليهما فصنع لهما أقمصة من جلود الحيوانات، وقال “هو ذا الإنسان ــ أي الذكر والأنثى ــ صار كواحد منا! عارفاً بالخير والشر”، ولكننا حتى هذه اللحظة “حسب التوراة” لم نعرف عن أي خير وشر تتحدث. ثم عقَّب الرب : “هوذا الإنسان قد صار كواحد منا عارفاً الخير والشر”، ولم نعرف “أيضاً” من هم الذين أصبح آدم واحداً منهم.
جاء في سفر أخنوخ “إدريس” عندما رأى شجرة جميلة مسرة للنظر فسأل عنها فأجابه الملاك : ((إنها شجرة المعرفة، جدُّك وجدَّتُك اللذان كانا قبلك أكلا منها فاكتسبا المعرفة وانفتحت عيونهما، فعرفا أنهما كانا عاريين وطردا من الفردوس)).التوراة، كتابات ما بين العهدين ll، التوراة المنحول 43.
ـــ ثم حذراً من أن يتناول آدم من شجرة الحياة فيحيى إلى الأبد أخرجه الرب الإله من جنة عدن، وأقام ملائكة “كروبيم، ولهيب سيف” لحراسة طريق شجرة الحياة، والكروبيم : صيغة الجمع العبرية وأحدها كروب، وقد أخذت بُعداً في العقيدة اليهودية والعراق القديم حيث صورت على هيئة ثور مجنح بوجه إنسان أو مخلوقات أخرى مع جناحين، لحراسة المعابد أو القصور، ونراهما كثيراً في النقوش الآشورية. كما أن نقش شجرة الحياة كثيراً ما نجده في نقوشهم. وهذه الهيئة متفقة مع (البراق) في النصوص الإسلامية، وهو الكائن الذي حمل النبي في قصة الإسراء المعروفة، والتي شوهتها الإسرائيليات، وكلمة (براق) قلب لكلمة (كروب)، وكلاهما يعني (مبارك) من البركة.
والتوراة لم تحدد لنا الموقع الذي أُخرج آدم إليه، ولكننا نستطيع باطمئنان أن نستنتج أنه شرقي عدن (بابل)، حسب التوراة، لأن الرب وضع هناك الكروبيم ولهيب السيف لكي لا يستطيع آدم العودة إلى الجنة التي أصبحت “تلقائياً” غربي موقعه الجديد، وبما أننا حددنا موضع عدن في شمال بابل “جنوب غرب العراق”، فمن المؤكد أن خروج آدم باتجاه شرقي بابل، أي باتجاه (البصرة)، وهو ما سنأتي عليه عند قراءتنا للنصوص المسمارية والإسلامية. ومما يمكن أن يكون له صلةٌ وجودُ أقدم المدن المقدسة في العالم القديم شرقي بابل مثل “نبِّر، نفَّر” و”أوروك” و “أور”. حيث عرفت أقدم الديانات البشرية، وقد استمرت هذه المدن على مكانتها لآلاف الأعوام، نخص منها نفَّر مدينة “انليل” والتي كانت تعطي الشرعية لملوك العراق القديم، ولم يكن الملك معترفاً به ما لم يحظ بدعم واعتراف المدينة متمثلة بكهنتها المشرفين على معبد انليل.
……………………………………………..
 
ورد عندنا مفهوم توراتي (شجرة الحياة)، ولاحظنا أنه مختلف عن (شجرة معرفة الخير والشر) وبما أننا سنتعرف لاحقاً على الشجرة الأخيرة من خلال آيات القرآن، من المهم أن نحاول أن نتعرف على شجرة الحياة التي منع آدم من الاقتراب منها.
بداية نستعرض الفهم الكتابي (اليهودي ــ المسيحي) لهذه الشجرة :
((شجرة الحياة : شجرة وسط الجنة (تك 2 : 9). ثمرها يمنح الإنسان حياة خالدة. عندما أخطأ آدم وحواء طردهما السيد من الجنة لئلا يأكلا من شجرة الحياة ويعيشا إلى الأبد. ولو كانا يعيشان إلى الأبد بخطيتهما لصار العالم جحيماً مقيماً. لذلك دبَّر الله طريقاً آخر لإعادة الإنسان إلى الحياة وسرعان ما صار التعبير “شجرة الحياة” تعبيراً شعرياً، استخدمه كاتب الأمثال إشارة إلى مصادر البركة العظيمة في حياة الإنسان : أم 3 : 18. ثم استخدمها يوحنا الرائي مشيراً إلى الامتيازات المجيدة العظيمة التي تنتظر المفديين في العالم الآخر “رؤ 2 : 7 و 22 : 2 و 14”)). قاموس الكتاب المقدس 507.
وقد وردت شجرة الحياة في رؤيا يوحنا اللاهوتي على النحو المعنوي :
2 : 7 ((فليسمع ما يقول الروح للكنائس : الغالب سأطعمه من شجرة الحياة التي في فردوس الله)).
22 : 14 ((طوبى للذين يصنعون وصاياه لكي يكون سلطانهم على شجرة الحياة ويدخلوا من الأبواب إلى المدينة)).
22 : 19 ((وإذا أسقط أحد شيئا من أقوال كتاب النبوءة هذه، أسقط الله نصيبه من شجرة الحياة ومن المدينة المقدسة اللتين وصفتا في هذا الكتاب)). ورد في بعض الترجمات (ماء الحياة) بدلاً من (شجرة الحياة). والنتيجة واحدة.
والمدينة المقدسة التي وردت في العبارة الأخيرة هي أورشليم الجديدة التي تتفق مع (الكوفة ــ النجف) (كما أثبتنا في كتاب “المسيح المنتظر”)، بالتالي نعود الى نقطة البداية، أي أن هذه الشجرة وجدت منذ البداية في موضع محدد.
ومن الواضح أن هذه الشجرة ليست شجرة مادية، كما هو ظاهر، وكما سيتضح بشكل أكبر عند قراءة النصوص الإسلامية، ولكننا نحتاج هنا أن نتوقف لنعرف خلفيات هذا المفهوم، وهل هو مفهوم توراتي خالص أم هو مشترك مع ثقافة أخرى؟. كما أن الحية التي أُلقيت عليها تبعات إغواء حواء كيف أُقحمت في هذا الحدث الرمزي؟.
تطالعنا ملحمة كلكامش الهامة جداً والملتصقة بالتاريخ الديني في الشرق الأدنى، والتي أُدرج فيها عن عمد قصص متعددة لفترات متباعدة، ولكنها جميعاً أُنيطت بشخصية محورية واحدة (كلكامش)، ومن المؤكد أن الباحثين في تاريخ الشرق القديم والتوراتيين بذلوا جهوداً قيمة لإرجاع كل حدث إلى زمنه وأبطاله، ولكنهم لم يحلوا حتى الساعة كل رموزها، فضلاً عن التعسف في التفسير الذي فرضه البعض هنا وهناك.
وما نبحث عنه هنا عدة أمور نجدهما في الملحمة :
تحدثنا الملحمة التي جُمعت في القرن السابع قبل الميلاد من قبل كاتب آشوري، وهي في الأصل قصص أو أحداث متفرقة أقدم من هذا التاريخ بكثير (أنظر مقدمة طه باقر “ملحمة كلكامش”)، في أحد فصولها أن كلكامش بعد أن أفقده الموت صديقه أنكيدو وأراد أن لا يذوق هو مرارة الموت، طفق يبحث عن سر الخلود، وبعد رحلة طويلة في مستنقعات جنوبي العراق وصل إلى بطل الطوفان (زيوسدرا) كما سمي باللغة السومرية، وأوتونافشتم كما في البابلية، والذي كوفئ بالبقاء حياً لا يموت. ونلاحظ أن معنى الاسمين السومري والبابلي هو (الخالد). طه باقر، ملحمة كلكامش 236، بالتالي يكون الاسمان صفة وليس الإسم الشخصي، ونفس الأمر يمكن أن يقال عن (نوح) وهو اسم سامي ــ عبري يعني (راحة). قاموس الكتاب المقدس 982، والخوري بولس الفغالي، المحيط الجامع 1331. وهو ما يمكن أن يكون متفقاً مع تسمية الخالد، إذ تعني الراحة الأبدية التي تبدو واضحة من خلال ما تصفه الملحمة.
ثم سأله كلكامش عن سر الخلود والحياة الأبدية، وبعد ممانعة من زيوسدرا أرشده إلى السر، وهو أن يحاول العثور على نبتة معينة وهي التي ستجعله خالداً، وأخيراً عثر كلكامش على النبتة في قاع المياه، ولكن على حين غفلة منه انسلت الأفعى وسرقت منه النبتة والتهمتها، لذلك لا تموت الحية ولكنها تقوم بنزع جلدها كلما شاخت فتعود شباباً “كما تشير الملحمة”.
تجتمع عندنا من الملحمة ثلاثة ركائز أساسية في قصة آدم التوراتية :
ـــ جزيرة الأحلام التي تقع عند منابع أو مصب الأنهار والتي استوطنها زيوسدرا بطل الطوفان الخالد. والتي نضعها شرقي عدن لاعتبارات معينة ستأتي لاحقاً. ولكن هناك خلط أو تداخل، فإن دلمون (أحد جزرها) هي التي حصلت باتجاهها الرحلة، أما سكنى بطل الطوفان فباتجاه بحر الغروب، كما تشير الملحمة، وكما سنتعرض له في مناسبة أخرى، خارج اختصاص هذا الكتاب.
ـــ شجرة الحياة “كما في التوراة” أو نبتة زيوسدرا “كما في الملحمة”.
ـــ الحية التي سببت خروج آدم وحواء من الجنة، وكذلك حالت دون حصول كلكامش على الخلود.
ومن المهم أن لا نخلط بين مفهوم شجرة الحياة كما ورد في رؤيا يوحنا وما ورد في التوراة، مع أن كليهما شجرة معنوية كما لا يخفى، وحتى النبتة التي وردت في نص الملحمة من المؤكد أنها كذلك، أما قصة الخلود الذي بحث عنه كلكامش، فهو خلط من قبل كاتب الملحمة بين عدة أحداث، لأننا نعرف أن بطل الطوفان (نوح) لم يخلد بهذا المعنى المادي “أو حسب مفاهيمنا على الأقل”، ولكن من المؤكد أن كاتب التوراة في مرحلة ما تأثر بالأسلوب العراقي القديم في تدوين الأحداث بصيغة أسطورية، وكيَّفه مع قصة الخلق، وفي نفس الوقت ليس صحيحاً إطلاقاً التعامل مع الأسطورة أو مع التوراة باستخفاف أو تسخيف، لأن الأسطورة تتضمن أحداثاً تاريخية مهمة جداً، ومن المهم أن نستخلص الحدث من بين طياتها وهو ليس بالعمل الهين.
وأعتقد أن من مصادر التوراة الأخرى التي تركت بصماتها في قصة آدم وشجرة الحياة، هي أسطورة نينورتا وطائر الأنزو، وتحديداً ما جاء في سفر التكوين أعلاه ((وقال الرب الإله : هوذا الإنسان قد صار كواحد منا عارفاً الخير والشر. والآن لعله يمد يده ويأخذ من شجرة الحياة أيضا ويأكل ويحيا إلى الأبد)). كما أن نص الملحمة الذي يتحدث عن نبتة الخلود وسرقتها من قبل الأفعى عندما نزل كلكامش إلى عين ماء باردة ليغتسل فيها، قد ارتبط بحوادث تعد تاريخياً أقدم بكثير مما جاء في الملحمة، إذ يتحدث عن بداية التاريخ أو ما قبل التاريخ، إذ جاء في الأسطورة العراقية، أن طائر الأنزو سرق لوح الأقدار الذي كان بيد أنليل، وبواسطته كان يسيطر ويتحكم بالكون، ومن المهم أن نلاحظ أن طائر الأنزو هذا كان موجوداً لخدمة أنليل، عندما نزل أنليل إلى المياه الصافية ليغتسل وترك لوح الأقدار على اليابسة، استغل طائر الأنزو هذه الفرصة لسرقة اللوح فحصل الشلل في الكون لذلك، وفر الطائر إلى الجبل، ولكن استطاع ابن الإله أنليل (نينورتا) أن يهزم الطائر ويستعيد اللوح. أنظر الشواف، قاسم وأدونيس، ديوان الأساطير 2 : 311 فما يليها. ووجه الارتباط أن الحية في التوراة هي تمثيل لإبليس، ولكنها في هذه الأسطورة تمثلت بطائر الأنزو، الذي كان أول أمره في خدمة أنليل، ولكنه تمرد عليه، وهذا يذكرنا بإبليس الذي كان أول أمره في خدمة الإله بشكل فصلناه فيما مضى، ولكنه أعلن تمرده، وجُرِّد من صلاحياته التي كانت له في السابق، كما نجد اتفاقاً بين شخصيتي نينورتا وجبرئيل، الذي وصفته التوراة بأنه (رجل الله) كما أن نينورتا قد وصف في عدة نصوص بعدة أوصاف منها : (ابن أنليل والبطل الشديد والقوي ورجل السلاح، وغيرها من الألقاب التي تبين أهميته)، ومن المهم أن نعرف أن أحد معاني كلمة جبرئيل هو (رجل الله أو أظهر الله ذاته جباراً) كما في العبرية والعربية، إذ أن أحد معاني كلمة (جبر) هو (رجل، جبار، بطل، شجاع). أنظر قاموس الكتاب المقدس 245، ولسان العرب 1 : 369.
وأرجح أن هذه الأسطورة إضافة الى ملحمة كلكامش هي الأساس لما ورد في التوراة من قول الرب أعلاه بضرورة خروج آدم من الجنة حتى لا يأكل من شجرة الحياة فيصبح إلهاً مثلنا. كما أن لوح الأقدار متساوق مع شجرة الحياة ومع النص السومري الذي ورد في قائمة أثبات الملوك السومرية الذي جاء في مطلعه (هبطت الملوكية من السماء)، والملوكية هي السلطة الشرعية التي بوركت من قبل السماء، وهو تعبير آخر عن أن النبوة نزلت من السماء، إذ نجد أن مهمة الأنبياء الأقدمين هي إدارة شؤون المجتمع، إضافة الى تبليغ أحكام السماء التي كانت تصل عن طريق الرؤيا سواء مع الكهنة العراقيين أو مع أنبياء بني إسرائيل قبل المملكة، ومن المهم أن نلتفت إلى الإتفاق بين عصر القضاة في التوراة وبين عصر الملوكية ما قبل الطوفان، حينما كان الكهنة هم الحكام وكان يطلق عليهم لقب (أنسي).
وجاء في الملحمة أن أنكيدو بعد أن رُفض من عالم الوحشية وأصبح فطناً واسع الحس والفهم، قالت له امرأته : ((صرت تحوز على الحكمة يا أنكيدو وأصبحت مثل إله)). طه باقر، ملحمة كلكامش 97. وهذا يعيدنا مرة أخرى إلى الصلة مع التوراة التي سمعنا منها أن الإله قال : إن آدم لو أكل من شجرة الحياة فسيصبح مثلنا، لذلك ذهب البعض أن خطيئة آدم (الخطيئة الأولى) لها صلة بالاتصال الجنسي مع امرأته وهذا ما سنناقشه في حينه. إلا أن المهم هنا هو تفسير ما جاء في التوراة (سيصبح مثلنا) أي : “يحوز على الحكمة” حسب الملحمة.
بعد أن جمعنا المتفرق (قدر فهمنا) وقلنا ونقول مرة أخرى أن النص التوراتي يضع الجنة جنوبي العراق، كما أن مفسري التوراة رجحوا أنها تقع في بابل، وتضيق الدائرة فيضعها النص الإسلامي في ظهر الكوفة، وهو أكثر النصوص تحديداً، ولم تنقضي قصة الشجرة والحية عند هذه الأحداث، فالقرآن يتحدث عن الشجرة التي خوطب منها موسى، وهي الأخرى ليست شجرة مادية كما أن (النار، النور) الذي رآه موسى لم يكن مصدره مادياً دون شك، حتى وإن تخيل أول الأمر أنه كذلك، وتؤكد مصادر الشيعة عن أئمتهم أن موضع طور سيناء “سين” هو الآخر في ظهر الكوفة “النجف”، ومن المرجح أن هذه الشجرة هي التي أشارت إليها الآية : ((وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِن طُورِ سَيْنَاء تَنبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِّلآكِلِينَ)). المؤمنون20. وهذه الشجرة هي شجرة الزيتون التي بوركت كما في القرآن، إلا أنها في نفس الوقت ترمز إلى شجرة معنوية لها وجه شبه مع الزيتونة، كما في قوله تعالى : ((اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)). النور35. وهذه الشجرة معنوية دون شك حسب الوصف القرآني، وقد ارتبطت بشكل وثيق بطور سين (سيناء)، كما أن قوله تعالى ((وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ* وَطُورِ سِينِينَ* وَهَذَا الْبَلَدِ الأَمِينِ* لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ)). التين 1 ــ 4. حيث نلاحظ الصلة بين الزيتون والطور واكتمال خلق الإنسان مادياً ومعنوياً في هذا الموضع. أما الدلالة على كون الطور هو في الكوفة وأنه الموضع المقدس فواضح من قوله تعالى ((فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي مِن شَاطِئِ الْوَادِي الأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَن يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ)). القصص30، فالشاطئ هنا أي ساحل أو حد النهر.
ذكر العلامة الطباطبائي : ((قوله تعالى : “فلما أتاها نودي من شاطئ الواد الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة” الخ، قال في المفردات : “شاطئ الوادي جانبه، وقال : أصل الوادي الموضع الذي يسيل منه الماء ومنه سمى المنفرج بين الجبلين واديا وجمعه أودية انتهى والبقعة القطعة من الأرض على غير هيئة التي إلى جنبها”. والمراد بالأيمن الجانب الأيمن مقابل الأيسر وهو صفة الشاطئ، ولا يعبؤ بما قاله بعضهم : ان الأيمن من اليمين مقابل الأشأم من الشؤم. والبقعة المباركة قطعة خاصة من الشاطئ الأيمن في الوادي كانت فيه الشجرة التي نودي منها)). الميزان 16 : 32.
فالرأي الأول : للطباطبائي أن (الأيمن) تعود إلى الشاطئ، أي الضفة اليمنى من شاطئ الفرات.
والثاني : لكون الكوفة تشتمل على نهرين وبها الموضع المعروف (بين النهرين)، كما تؤكد النصوص أدناه :
ــ إن معنى الظهر في (ظهر الكوفة) كونه يقع بين نهرين :  ((والركيب : ما بين نهري الكرم، وهو الظهر الذي بين النهرين)). الفراهيدي، العين 5 : 363.
((والركيب ما بين نهري الكرم وهو الظهر الذي بين النهرين ويكون عالياً على دونه)). ابن فارس، معجم مقاييس اللغة 2 : 432. ولسان العرب 1 : 433.
روى السيد الرضي عن أمير المؤمنين “عليه السلام” أنه قال في مدح الكوفة : ((يا كوفة، ما أطيبك وأطيب ريحك وأخبث كثيراً من أهلك، الخارج منك بذنب والداخل فيك برحمة، أما لا تذهب الدنيا حتى يحنَّ إليك كل مؤمن ويخرج عنك كل كافر، ولا تذهب الدنيا حتى تكوني من النهرين إلى النهرين، حتى أن الرجل ليركب البغلة الصفراء يريد الجمعة ولا يدركها)). الشريف الرضي، خصائص الأئمة 114. ورواها الزمخشري عن سلمان وليس عن أمير المؤمنين “عليه السلام”، الفايق في غريب الحديث 2 : 173. وكذلك ابن قتيبة في غريب الحديث 2 : 51.
((اللسان : من أرض العراق، في كتاب الفتوح : وكان مقام سعد بالقادسية بعد الفتح بشهرين ثم قدم زهرة بن حوية إلى العراق، واللسان : لسان البر الذي أدلعه في الريف عليه الكوفة اليوم والحيرة قبل اليوم، قالوا : ولما أراد سعد تمصير الكوفة أشار عليه من رأى العراق من وجوه العرب باللسان، وظهر الكوفة يقال له اللسان وهو فيما بين النهرين إلى العين عين بني الجراء، وكانت العرب تقول أدلع البر لسانه في الريف، فما كان يلي الفرات منه فهو الملطاط، وما كان يلي البطن منه فهو النجاف)). ياقوت 5 : 16.
((لما اجتوى المسلمون المدائن بعد ما نزلناها وآذاهم الغبار والذباب، وكتب إلى سعد في بعثه روداً يرتادون منزلاً برياً بحرياً، فإن العرب لا يصلحها من البلدان إلا ما أصلح البعير والشاة، سأل من قبله عن هذه الصفة فيما بينهم، فأشار عليه من رأى العراق من وجوه العرب باللسان وظهر الكوفة، يقال له اللسان وهو فيما بين النهرين إلى العين عين بني الحذاء)). الطبري 3 : 146.
((الموضع المعروف بين النهرين مما يلي القرية المعروفة بحروراء، وإليها أضيفت الحرورية من الخوارج)). المسعودي، التنبيه والإشراف 331.
((الحرورية منسوبون إلى موضع بظاهر الكوفة نسبت إليه الحرورية من الخوارج، وبها كان أول تحكيمهم واجتماعهم حين خالفوا عليه)). ياقوت، معجم البلدان 2 : 245.
 
وقوله تعالى : (شاطئ الوادي الأيمن)، يُخرج جنوب فلسطين (سيناء الحالية) من الاحتمالات، إذ لا يوجد أي شاطئ جنوب فلسطين، أما البحر المتوسط والبحر الأحمر وخليج العقبة فليست قريبة من الموضع حسب تحديد التوراتيين، فلا يصح ان يقال إن الموضع الذي حُدِّدَ للحدث في “سيناء” يقع على شاطئ البحر، أما تفسير أهل البيت فهو الصحيح حيث نجد أن الكوفة تقع على شاطئ الفرات، والفرات يصلح بوضوح لتفسير الآية حيث أن وادي الرافدين يشتمل على شاطئين، الفرات على يمينه ودجلة على شماله، هذا لو فسَّرنا الشاطئ بالنهر، ويمكن أن نقول أن الكوفة تقع على شاطئ نهر الفرات وهذا أيضاً واضح.
ونظراً لعدم وجود نهر أو بحر أو بحيرة في جنوب فلسطين القاحل، فقد تأول مفسرو السنة أن الشاطئ هنا بمعنى الجانب وليس شاطئ النهر :
((عن مجـــــاهد في قوله نودي من شـــــــاطئ الوادي الأيمن، يعني عند الطور عن يمين موسى)). تفســـــير مجاهد 2 : 485.
وقال الطبري : (يقول تعالى ذكره : فلما أتى موسى النار التي آنس من جانب الطور نودي من شاطئ الواد الأيمن، يعني بالشاطئ : الشط، وهو جانب الوادي وعدوته، والشاطئ يجمع شواطئ وشطآن. والشط : الشطوط. والأيمن : نعت من الشاطئ عن يمين موسى)) جامع البيان 20 : 88. وذهب إلى هذا الرأي كل من : أبو الليث السمرقندي، تفسير السمرقندي 2 : 607. وتفسير الواحدي 2 : 818. وتفسير السمعاني 4 : 137. وغيرهم.
إلا أنه تفسير متعسف دون شك، فهو يواجه عدة اعتراضات، منها أن الوادي لغةً :
((والوادي كل مفرج بين جبال وآكام وتلال يكون مسلكاً للسيل أو منفذاً، والجميع الأودية)). الفراهيدي، العين 8 : 98.
وهذا الوصف ينطبق على وادي السلام في النجف وليس على جنوب فلسطين الذي ليس فيه أثرٌ لنهر أو بحر أو آكام، ومن الواضحات أن وادي النجف كان عبارة عن بحر حيث كان يصب فيه نهر الفرات لآلاف الأعوام، ويمتد هذا البحر (المنخفض) لعشرات الأميال في عمق الصحراء، كما أكَّد ويلكوكس : (ويرى الناظر اليوم في هذه المنطقة طبقات كثيفة من المحار “الصدف الفراتي” تغطي وجه الأرض من حدود النهر إلى مسافة تبلغ خمسين ميلاً داخل حدود الصحراء) ويلكوكس، مصدر سابق 19. ناهيك عن تجمع مياه الأمطار فيه. وقد أحاط الماء بمرتفع النجف من ثلاث جهات، حتى أصبح كالجزيرة.
وقال الزمخشري : ((قوله من شاطئ الوادي بدل الاشتمال لأن الشجرة كانت نابتة على الشاطئ)). الكشاف 3 : 175.
ويجب أن نلاحظ أن الكلمة الأكدية فُ رَ تْ تُّ : الفرات، دخيلة من السومرية بُ ر+أ نُ نُ، والتي تعني : النهر (الوادي) العظيم. خالد إسماعيل، القاموس المقارن لألفاظ القرآن الكريم 399.
((قولهم : ( جرى الوادي فطم على القرى) يضرب مثلا للأمر العظيم يجيء فيعم الصغير والكبير، والوادي : النهر الكبير، والقرى مجرى الماء إلى الروضة)). العسكري، جمهرة الأمثال 1 : 322.
((والكافِرُ : الوادي العظيمُ . قيل الكافر : النَّهر الكبير ، وبه فسَّر الجَوْهَرِيّ قول المُتَلَمِّس يذكر طَرْحَ صَحيفتِه : فَأَلْقَيْتُها بالثِّنْيِ من جَنْبِ كافرٍ * كَذلِكَ أَقنو كُلَّ قط مُضَلَّلِ)). الزبيدي، تاج العروس 7 : 452. ومنه نهر كبار، خابور، خيبر، وما إليها.
أما البقعة التي وردت في الآية فهي إحدى أوصاف الوادي المذكور :
قال الطبرسي : ((نودي موسى من الجانب الأيمن للوادي (في البقعة المباركة) وهي البقعة التي قال الله تعالى فيها لموسى (اخلع نعليك إنك بالواد المقدس طوى). وإنما كانت مباركة، لأنها معدن الوحي والرسالة، وكلام الله تعالى. وقيل : مباركة لكثرة الأشجار والأثمار، والخير والنعم بها، والأول أصح)). مجمع البيان 7 : 433.
وعلى أي الوجهين فهي تنطبق على النجف، فإذا كان معنى المباركة أنها معدن الوحي والرسالة فليس لجنوب فلسطين تاريخ سابق بذلك، وعلى كونها مباركة بالنعم والخيرات فنفس الأمر حيث أن جنوب فلسطين قاحل، بخلاف الكوفة.
كما أن قوله تعالى (فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي مِن شَاطِئِ الْوَادِي الأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ)، فالبقعة هي : ((قطعة من الأرض على غير هيئة التي بجنبها)). ابن منظور، لسان العرب 1 : 235. وابن فارس عن الخليل، معجم مقاييس اللغة 1 : 282.
ثم يقول ابن منظور وبشكل ملفت : ((الضَّهر البقعة من الجبل يخالف لونها سائر لونه. قال : ومثل الضهر الوعثة، وقيل : الضهر أعلى الجبل، وهو الضاهر، قال : حنظلة فوق صفا ضاهر * ما أشبه الضاهر بالناضر)). لسان العرب 4 : 143.
فمن المحتمل أن ما جاء في التواريخ والأحاديث، وما ذكره أصحاب معاجم البلدان عن (ظهر الكوفة) إنما هو (ضهر الكوفة)، وذلك :
قال الفراهيدي : ((الظهر من الأرض : ما غلظ وارتفع ، والبطن ما رق منها واطمأن)). العين 4 : 37.
أما الضهر كما رأينا، فهو البقعة من الجبل التي يخالف لونها سائر باقي الجبل، أو أعلاه، وهو ما يتفق مع النجف، إذ ليس هو مرتفع ارتفاعاً يصح أن نقول عنه أنه ارتفاع غليظ. والله أعلم بالصواب.
المهم أن وصف البقعة متفق تماماً مع النجف، مع وجود الشاطئ الأيمن، وهو ما لا يتيسر تطبيقه على جنوب فلسطين.
وقال ابن منظور : ((البُقعة والبَقعة، والضم أعلى : قطعة من الأرض على غير هيئة التي بجنبها، والجمع بقع وبقاع)). لسان العرب 8 : 18.
 وهذا الوصف ينطبق على ظهر الكوفة (النجف) :
روى الحاكم : ((عن الشعبي أن عمر بن الخطاب كتب إلى سعد بن أبي وقاص أن اتخذ للمسلمين دار هجرة ومنزل جهاد، فبعث سعد رجلاً من الأنصار يقال له الحارث بن سلمة فارتاد لهم موضع الكوفة اليوم، فنزلها سعد بالناس فخط مسجدها وخط فيها الخطط، قال الشعبي : وكان ظهر الكوفة ينبت الخزامي والشيح والأقحوان وشقائق النعمان، وكانت العرب تسميه في الجاهلية خَدَّ العذارى، فارتادوا فكتبوا إلى عمر بن الخطاب، فكتب أن انزلـــــوه، فتحول الناس إلى الكوفة)). المستدرك 3 : 89. والمتقي الهنــــــدي، كنز العمال 14 : 170.
روى ابن عساكر : ((نزل أسماء بن خارجة ظهر الكوفة في روضة معشبة أعجبته)). تاريخ دمشق 9 : 56.
روى ابن قتيبة : ((لما نزل المسلمون المدائن وطال بها مكثهم وآذاهم الغبار والذباب، كتب عمر إلى سعد في بعثه رواداً يرتادون منزلاً برياً بحرياً، فإن العرب لا يصلحها من البلدان إلا ما أصلح الشاة والبعير، فسأل من قبله عن هذه الصفة فأشار عليه من رأى العراق من وجوه العرب باللسان وهو ظهر الكوفة)). المعارف 565.
نخلص الى أن معنى البقعة هي قطعة من الأرض متميزة عما حولها، إما بالعشب، أو باللون، أو بارتفاع ونحوه، وكل هذه الصفات يتميز بها النجف، كما أن الموضع الذي ذكر في القرآن عبارة عن وادي وجبل وشاطئ، ومن المؤكد أن الجبل المعني لا يمكن أن يكون شاهقاً وإنما يكون ارتفاعه تدريجياً سهل الصعود والنزول، لا تشعر أنك ترتقي مرتفعاً إلا في مواضع كانت كتلال شبه منبسطة، وإلا فكيف بلغه موسى مع أسرته وقطيعه من الأغنام الذي لا يمكنه أن يرتقي جبلاً؟.
 
وهناك أكثر من جبل مقترح من قبل التوراتيين في جنوب فلسطين، ولكنها جميعاً لا تصلح على ضوء التوراة والقرآن مجتمعين، وكما يؤكد شراح التوراة :
((هناك رأيان عن موقع جبل سيناء اليوم، الأول أنه جبل سربال في وادي فيران، ويؤيد هذا القول يوسابيوس، ولكن لا توجد عند جبل سربال برية تكفي لأن يعسكر فيها العبرانيون كلهم مدة سنة…. والقول الآخر أنه جبل موسى، ويوافق على ذلك جستنيان، ويقول يوسيفوس : أن جبل موسى عظيم الارتفاع ومن المستحيل تسلقه لأنه حاد الصخور وشديد الانحدار ولا يستطيع أحد أن يطيل النظر إليه دون أن تؤلمه عيناه لأنه شديد الضوء…. ويظن يوسيفوس أن هذه الأحوال الطبيعية تجعل جبل موسى أكثر استعداداً لأن يكون الجبل الذي من فوقه أعطيت الشريعة. ويقول البعض : إن موقع سيناء في أرض آدوم، ولكن لا يتفق هذا القول مع ما ورد في الكتاب المقدس عن رحلات العبرانيين في البرية)). قاموس الكتاب المقدس 498.
وهذه المواضع المقترحة تواجه المشاكل التي ذكرها نفس التوراتيين، فضلاً عن كونها متعارضة بوضوح مع القرآن، فالقرآن أشار الى وادٍ كممر للماء، وهو متوفر في النجف ولا يتوفر في أي من مقترحات التوراتيين، وأشار القرآن إلى طور (جبل) سهل الارتفاع يمكن أن يسير فيه الإنسان والقطيع بيسر، وهو ما نجده في جبل السلام في النجف، ولا يتوفر في مواضع التوراة. ومن المهم الالتفات إلى أن موسى اصطحب معه قطيعه وأسرته من مدين، ومن يعرف جنوب فلسطين يجد أن مسير قطيع ماشية أو أغنام في هذه البرية القاحلة سيودي إلى هلاكها حتماً، لعدم توفر المياه والعشب، كما أن المواضع التوراتية المقترحة جدباء، أما الكوفة فمن أخصب بلدان العراق كما هو واضح. يضاف إلى ذلك أن القرآن ذكر أن وادي موسى كان على ضفة نهر (شاطئ) كأحد المحتملات، وهو ما يتوفر في النجف ولا يتوفر في فلسطين بأسرها، التي تفتقر إلى وجود الأنهار، باستثناء نهر الأردن، الذي يصب بعيداً عن مواضع الحدث، فضلاً عن برية سيناء القاحلة. وهناك إشارة مهمة إلى أن طور سيناء تنبت فيه أشجار الزيتون : ((وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِن طُورِ سَيْنَاء تَنبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِّلآكِلِينَ)). المؤمنون20. إضافة إلى شجرة أخرى ارتبطت بسيناء وهي التين : ((وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ* وَطُورِ سِينِينَ)). التين 1 ــ 2. وهو ما كان متوفراً في النجف، ولم يكن جنوب فلسطين يوماً ما مؤهلاً لنباتهما. وهذا في حال فسَّرنا التين والزيتون تفسيراً مادياً.
 
تبقَّى لنا ملاحظة ورأي، أن قوله تعالى (شاطئ الوادي الأيمن) الأرجح أن (الأيمن) وصف للوادي، وليس يعني به الجهة التي تقابل الشمال، وذلك أننا سمعنا من المفسرين ومنهم العلامة الطباطبائي أنه وصف للشاطئ أي الجهة اليمنى من الفرات، كما مرَّ بنا حيث قال : ((ولا يعبؤ بما قاله بعضهم : ان الأيمن من اليمين مقابل الأشأم من الشؤم)). وهذا يواجه مشكلة :
بماذا يمكن أن يجيبوا على وصف الطور بالأيمن كذلك، كما في قوله تعالى : ((وَنَادَيْنَاهُ مِن جَانِبِ الطُّورِ الأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيّاً)). مريم52. و((يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَنجَيْنَاكُم مِّنْ عَدُوِّكُمْ وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطُّورِ الأَيْمَنَ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى)). طه80.
فهل يحتملون أن هناك طوراً أيمن وآخر شمالي في نفس الموضع؟. هذا ما لم يقل به أحد منهم، والرأي عندي أن (الأيمن) هو وصف للوادي والجبل وبمعنى (المبارك، المقدس)، وهو ما ورد في قوله تعالى : ((إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى)). طه12، و((إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى)). النازعات16. وهذه الآية قد تفسر معنى الأيمن بالمقدس أي الميمون والمبارك، وتعود قدسية النجف منذ القدم، ومنها ما روي عن أنه تقدَّس بإبراهيم، ولكننا نجد أنه أبعد زمناً من إبراهيم، فهو مقدس منذ ما قبل آدم حيث رأينا سابقاً أن الملائكة سجدت له في هذه البقعة، وهو موضع جنة عدن كما اتضح فيما مضى.
قال ابن منظور : ((يمن : اليُمْنُ : البركة، وقد تكرر ذكره في الحديث. واليُمْنُ : خلاف الشؤم، ضده. يقال : يُمِنَ، فهو ميمون، ويَمَنَهم فهو يامِن. ابن سيده : يَمُنَ الرجلُ يُمْناً ويَمِنَ وتَيَمَّنَ به واسْتَيْمَن، وإنه لميمون عليهم. ويقال : فلان يُتَيَمَّنُ برأيه أي يُتبرك به، وجمع الميمون ميامين. وقد يَمَنَه الله يُمْناً، فهو ميمون، والله اليامن. الجوهري : يُمِن فلان على قومه، فهو ميمون إذا صار مباركاً عليهم، ويَمَنَهُم، فهو يامن، مثل شُئِمَ وشَأَم. وتَيَمَّنْتُ به : تبركتُ. والأيامِنُ : خلاف الأشائم…… ورجل أَيْمَنُ : ميمون، والجمع أيامن. ويقال : قدم فلان على أيْمَنِ اليُمْن أي على اليُمْن. وفي الصحاح : قدم فلان على أيمن اليمين أي اليُمْن. والميمنة : اليُمْن. وقوله عز وجل : أولئك أصحاب الميمنة، أي أصحاب اليمن على أنفسهم، أي كانوا ميامين على أنفسهم غير مشائيم ، وجمع الميمنة ميامن)). لسان العرب 6 : 520.
إذ على مشهور المفسرين بأن الأيمن هو الجهة المقابلة للشمال، أي لا يمكن أن توجد جهة من دون الأخرى، فهما على نحو المتضايفين، كما في قولك أب التي تستلزم وجود ابن، أما على فهمنا هذا فلا يستلزم وجود طرف مقابل، أي أن الوادي والطور مباركان ومقدسان، من دون الحاجة إلى افتراض وادي وجبل مشؤومين، وإنما توجد خصوصية لهذا الموضع دون غيره. كما في اسم بنيامين بن يعقوب (عليه السلام) المتكون من مقطعين (ابن ــ يمين أو يمن)، أي (ابن اليمن والبركة والسعادة). الفغالي، الخوري بولس، المحيط الجامع في الكتاب المقدس والشرق القديم 282. وقاموس الكتاب المقدس 192.
أما ما رفضه العلامة الطباطبائي فلم يذكر لنا أسباب ذلك، ولو أنه ذكره على نحو الاحتمال لكان أولى من النفي من دون تبرير.
وتجدر الإشارة أن النجف يقع ضمن منطقة الجنوب، وأُطلق على سكانه (أهل اليمن) و (القبائل اليمانية)، ومن المرجح أن القبائل التي سميت في النصوص المسمارية باسم (بني يمينا) في الألف الثاني قبل الميلاد، والتي كانت تهاجم مملكة ماري، في آل بو كمال في سوريا قرب الأنبار، هي من القبائل التي استوطنت الجنوب منذ القدم. ذكر الأســــــتاذ طه باقر : ((“بنو ـ يمينا” بنو اليمين، أي الجنوب)). مقدمـــــــة في تاريخ الحضارات القديمة 1 : 419.
وعلى كل الوجوه فإن الحصيلة المؤكدة أن الوادي المقدس المشار إليه هو النجف.
……………………………………………………….
 
ومن المهم أن نلاحظ ذكر الحية عند الشجرة وهو الموضع الوحيد الذي ذُكرت فيه في القرآن، فقد تحولت عصا موسى إلى حية  ((فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى)) طه20، ((فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ)) الأعراف107.
وهذا لا يعني أن الحية أو الثعبان الواردين هنا بمعنى الأفعى، فالحية من الحياة، أي أنها تحركت بصورة ما، اما الثعبان فهو وصف للأفعى وليس اسماً ذاتياً لها، ويطلق لفظ (ثعب) لمعاني أخرى :
قال الفراهيدي : ((ثعب : ثعبت الماء أثعبه ثعباً، أي فجرته فانثعبً، ومنه اشتق المثعب وهو المرزاب. وانثعب الدم من الأنف)). العين 2 : 111.
وقال الجوهري : ((ثعبت الماء ثعباً : فجرته : والثعب، بالتحريك : مسيل الماء في الوادي، وجمعه ثعبان. والثعبان أيضاً : ضرب من الحيات طوال، والجمع ثعابين. والثعبة : ضرب من الوزغ. والمثعب، بالفتح : واحد مثاعب الحياض. وانثعب الماء : جرى في المثعب. وانثعب الدم من الأنف. قال الأصمعي : فوه يجرى ثعابيب وسعابيب، وهو أن يجرى منه ماء صاف فيه تمدد)). الصحاح 1 : 92 ــ 93. وأنظر ابن منظور، لسان العرب.
كما أن القرآن وصفها كأنها جان : ((وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الآمِنِينَ)). القصص31، والنمل 10. وهذا قد يعني أنها بدت حية متحركة تثعب وتهتز كالجان، وهو كناية عن سرعة الحركة. ونلاحظ أن الحية أو الأفعى لا ترد في المواجهة بين موسى والسحرة : ((وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ)). الأعراف117. وطه 69، والشعراء 45. وليس هناك دلالة واضحة على انقلاب العصا إلى أفعى، وإنما جلّ ما يمكن أن يفهم أن العصا صارت ترمز إلى قوة وهيبة لموسى بعد أن اتصل بالشجرة، ولهذا نجدها تلعب أدواراً أخرى كضرب موسى للبحر في حادثة غرق فرعون، وضرب الحجر الذي انبجست منه اثنتا عشرة عيناً، ولعل الأمر أوسع من كونه مجرد عصا، فهي دائماً في يمين موسى، كما أنها وردت مبهمة في قوله تعالى : ((وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى)). طه69. كما أن القرآن يشير إلى ناحية غاية في الأهمية، وهي أن عمل السحرة كان مجرد عمل تخييلي وليس حركة فعلية : ((قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى)) طه66. وإنما هو سحر وحركة في أعين المشاهد ليس إلا : ((قَالَ أَلْقُوْاْ فَلَمَّا أَلْقَوْاْ سَحَرُواْ أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ)). الأعراف116.
والذي يعنينا هنا أن الحياة قد دبت في ما ليس فيه حياة. وهذا ما نلاحظه في أيامنا هذه من الخدع البصرية لا أكثر. أما عصا موسى الذي كان على ثقة من الخدعة فإنه لم يتأثر بما صنعوا لعلمه المسبق، أما وجود العصا فإن تأثيرها النفسي أهم من تأثيرها الخارجي، فموسى الذي عاد إلى مصر بغير الشخصية التي خرج منها قبل عشرة أعوام، أصبح متسلحاً بالحياة التي وهبت له في لقاء الطور، وليس الدور الأساسي للعصا وإنما لحاملها، فهي نفس العصا التي كان يحملها قبل أن يلتقي ربه على الطور، وهذا يذكرنا بقصة السيوف المقدسة، والتي هي في الواقع ليست أكثر من قطعة معدنية، كما في (ذي الفقار) سيف أمير المؤمنين (عليه السلام)، الذي اتخذ طابعاً مبالغاً فيه، وإنما اكتسب قيمته من حامله لا أكثر، ولو حمله غيره من الناس الاعتياديين فلن يكون له أثر أو قيمة. وتروي مصادر الشيعة أن الإمام الصادق (عليه السلام) التقى رجلاً فشاهد في يد الإمام عصا ورثها عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) فطلب الرجل أن يقبل العصا، فقال الإمام مستغرباً إنك تهتم كثيراً بالعصا ولكنك لا تهتم بحاملها الذي هو ابن رسول الله وحامل إرثه المعنوي والعلمي. والخلاصة أن العصا بنفسها مجرد عصا، والمؤثر هو اليقين الذي كان راسخاً في نفس موسى، وبه كان يواجه مجموع السحرة وغيرهم، ولو كان حامل العصا غير موسى لما أجدته نفعاً.
 
إن هذا التوارد بين الحية “الحياة” والشجرة في أكثر من مناسبة لم يكن من قبيل المصادفة، وأهم ما يلفت النظر في حادثة موسى أن الشجرة لعبت دور الحياة، أو الإحياء، لأن النص القرآني صريح بأن الصوت نادى موسى من داخل الشجرة، وهو نفس الصوت الذي أوعز لموسى بأن يلقي عصاه، فتحولت الى كائن حي، أي أن الشجرة هي شجرة الحياة، كما أن الحياة هنا كانت مادياً بإحياء العصا، ومعنوياً بإحياء موسى، فأصبح نبياً بعد أن كان رجلاً هارباً ليس له دور أساسي “ظاهر” في الحدث، مما يعني أن الحياة هنا بالأساس هي الحياة المعنوية، أي أن موسى أكل من هذه الشجرة، لأننا سنجد أن معنى الأكل أو التذوق على النحو المعنوي، لأننا قلنا أنها شجرة معنوية، أي أن موسى تلقى أمراً أو “روحاً” يخص مهمة تتعلق به وبالعالم القديم، وهو تأسيس أو إعادة بالبشرية إلى عبادة المعبود القديم الذي هُجر لتراكمات امتدت لقرون، وفتحت عينا موسى على أمر لم يكن له عهد به من قبل، أو له في ذاكرة قومه ذكرى بعيدة غامضة، وقد أخذها كما هي، فجاء الى الموضع المقدس فحصل عنده ما يسمى عند العارفين (فيوضات) بأي شكل كانت، فتنبه إلى ما كان عنه غافلاً، وهذا الانتباه هو ما حصل لآدم في لحظة ما، مع فرق مهم، أن موسى جاءه استحقاقه فانطلق منه، أما آدم فانتبه الى نقائصه (سوءاته)، فخرج من تلقاء نفسه إلى عالم الإصلاح حيث يوجد إبليس وقوانينه.
 
رأينا أن التوراة تؤكد أن آدم أكل من (شجرة معرفة الخير والشر) ومُنع من (شجرة الحياة)، فهذا يعني أنه لم يتلق الأمر التي تلقاه موسى، أي أنه لم يكن مستحقاً بعدُ لمقام النبوة، مع أنه مقدر له ذلك فيما سبق، فلما تناول من شجرة (معرفة الخير والشر) وهي مرحلة أولى لا يمكن أن يتجاوزها إلى ما بعدها، كان لا بد له أن يدفع ثمن معرفة الخير والشر، أي العيوب والنقائص وإصلاحها، لأننا نعلم أن كل الأنبياء مرُّوا بمرحلة تشخيص الواقع الفاسد حولهم قبل أن يعرفوا بنبوتهم، وحتى في حال موسى فمن الواضح أنه رفض الواقع الفاسد وواجهه، حينما نصر المظلوم من شيعته وقتل المعتدي عليه، وهذه الحادثة تعبر عن وجود صراع بين السلطة الفرعونية وبين طبقة من الشعب، وكان لموسى أن يتخذ أخيراً موقفاً علنياً في هذا الصراع، فابتلي بالهرب لعشرة أعوام، والتي كانت فرصة مهمة له للتأمل وكسب المعرفة، وإبراهيم من قبله تأمل في ما يعبد قومه، وكذلك شخَّص أهم ما يخص العبادات القديمة، إذ بعد أن كانت الديانة القديمة في العراق تقدم القرابين من المنتوجات الحيوانية والنباتية، تأثرت بالديانات القادمة من الشرق فأخذت تقدم القرابين البشرية، وهو ما لوحظ في مقبرة أور الملكية “السلالة الأولى”، فعاد بها مرة أخرى إلى عهدها السابق، عبر تقديم الأضاحي من الحيوانات، بقصة فداء إسماعيل المعروفة. وهكذا في كل الأنبياء. مع أن تاريخ بني اسرائيل شهد انتكاسات لاحقة بعبادة آلهة وثنية كانت تقدم لها أبنائها قرابين بإجازتها على النيران. كما حدثتنا التوراة.
نخلص إلى أن آدم مُنع من شجرة الحياة لأنه لم يكن مستحقاً لها بعدُ، فهو وُجد في الجنة بعيداً عن تأثيرات إبليس وعالمه وقوانينه (أي عالم التكليف والمعاناة)، فلما رأى ما به من نقائص في الجنة حرص على تكميل هذه النقائص (غير الضرورية)، ((فَأَكَلاَ مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى)). طه121.
والصلة بين النبوة أو الإيمان والمعرفة والحياة وثيقة حسب القرآن أيضاً : ((أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ)) الأنعام122، من الواضح أن الحياة والموت والنور في هذه الآية ليست مادية أو ظاهرية وإنما الحياة المعنوية، وكذلك الموت والنور، ونفس الأمر يقال عن الظلمات التي يكون فيها الكافرون حسب الآية. وهذه الآية يمكن أن نفسر بها قصة موسى مع شجرة الحياة أعلاه.
والنور المشار إليه هنا حصل لصاحبه بعد أن كان ميتاً فتمَّ إحياؤه، أي أن النور هو حصيلة الحياة وينتج عنها. ونفس الأمر ما حصل مع موسى الذي آنس ناراً (نوراً)، وآنس أي شعر بوجود نور، فذهب ليقتبس منه أي يسترشد منه، ظناً منه أول الأمر أن ما رآه ناراً اعتيادية.
الخلاصة أن كل الأنبياء لم يستحقوا شجرة الحياة (الفعلية) إلا بعد معاناة نفسية وتفكر، وهو ما لم يكن ليحصل لآدم ما دام في جنته فاحتاج الى مقدمة ابتلائية.
………………………………………..
 
((فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَـذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ)) الأعراف20. وقد وردت قراءة أخرى بكسر اللام (مَلِكين) وأرجح أنها أوفق بناء على قوله تعالى في آية أخرى حيث جاءت الإشارة الى المُلك والخلود : ((فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلَى)) طه120. وهو متوافق مع ما جاء في النصوص المسمارية العراقية : إن الملوكية هبطت من السماء.
أما الخالدون فهم الانبياء إما على الإطلاق أو أولي العزم منهم، ومنهم (نوح) بطل الطوفان الإسلامي وكذلك في التوراة، وهو بطل الطوفان (زيوسدرا) في نصوص العراق القديم الذي نال الخلود، وبالرغم من أنه أرشد كلكامش الى شجرة الخلود، إلا أن الملحمة لم تنص على أن بطل الطوفان سبق أن تناول منها، ولكنه خَلَدَ لأن الإله كافأه بالحياة الأبدية، ولكننا لا بد أن نكون مطمئنين من كونه تناول من هذه النبتة “الشجرة”، لأن مطلب كلكامش أساساً أن يكون مثل (زيوسدرا) أي خالداً، وهنا لا بد أن نقوم بتأويل نبتة زيوسدرا، وهو أنه أرشده الى الطريق المؤدية إليها مع أنه كان صريحاً بعقم سعي كلكامش، وأن الطريق الى الخلود لا يتم بمجرد السعي دون الاستحقاق والاستعداد والاصطفاء.
ويرجح كارل ماركس : ((أن كلمة “كلدانيين” قد قرئت بشكل مغلوط من المستشرقين، فَهُمْ برأيه  ]بني خالد[ (الخالديون))). فاضل الربيعي، إرم ذات العماد 221.
ونعلم بأن الكلدانيين (سكان بابل) الذين عرفنا أنهم قوم إبراهيم الخليل الذين خرج من بينهم حسب نص التوراة، والنصوص الإسلامية متفقة مع التوراة على ذلك، ورأي ماركس هذا مهم، إذ يُفهم منه أن هؤلاء الكلدانيين (الخالديين، بني خالد) هم أحفاد الخالد بطل الطوفان، فمن الواضح (حسب الأديان الإبراهيمية) أن إبراهيم من ذرية نوح، وهذا يعني أنهم أُطلق عليهم لقب جدهم الخالد كونه أنقذ المتبقين من أبناء آدم عندما غمر الطوفان جنوب العراق، بالتالي فهم ذرية الخالد المختار الذي نجى من الغرق.
كما أن النصوص الإسلامية التي تحدثت بوضوح عن (ذي القرنين) بأنه كان عبداً صالحا ولم يكن نبياً، وأنه كان يبحث عن سر الخلود، التي عبَّرت عنها الروايات بعين الحياة، إلا أنه لم يستطع أن يشرب منها، وإنما نجح في العثور عليها والشرب منها رفقيه (الخضر) الرجل الخالد في التراث الإسلامي.
وهكذا نستطيع أن نقول أننا تعرفنا على حقيقة شجرة آدم أو اقتربنا كثيراً منها.