تشهد العلاقات بين الولايات المتحدة وإيران تصعيداً كبيراً على خلفية فرض واشنطن عقوبات اقتصادية على إيران وتصنيف حرسها الثوري إرهابياً، وإرسال مجموعة سفن حربية بقيادة حاملة الطائرات “أبراهام لينكولن” رفقة قاذفات من طراز “بي 52” إلى منطقة الخليج بسبب تهديدات إيرانية للقوات الأمريكية وحلفائها.
وانطلاقاً من ذلك لا يزال الساسة واللاعبون الإقليميون والدوليون، يتحدثون عن ضرورة إيجاد حل سياسي، ينهي المواجهة الدائرة بين الولايات المتحدة وطهران، مبادرات عراقية، وحراكٌ دبلوماسي تمثل عن عزم الحكومة العراقية إرسال وفود إلى طهران وواشنطن لإنهاء التوتر بين الطرفين، ويمكن وضع هذه المبادرة في سياق التعاون والتنسيق والتشاور المستمر بين البلدين إزاء ما يحدث في المنطقة، لبلورة موقف مشترك وواضح من مجمل ما يجري على الساحتين الإقليمية والدولية ، كما تحمل في طياتها رسائل إلى من يهمه الأمر بأن علاقات الشراكة الإستراتيجية القائمة بين العراق وطهران قوية، وخارج المساومات والصفقات، وهي زيارات تعطي الانطباع بوجود دور عراقي جديد في الأزمة الأمريكية الإيرانية.
ظهرت مؤشّرات عدّة تكشف عن تبنّي العراق سياسة جديدة في التعامل مع الملفّ الأمريكي- الإيراني، إذ أكد “عادل عبدالمهدي”، رئيس الوزراء العراقي، على وجود اتصالات على أعلى مستوى مع المسئولين في إيران وأمريكا، وأن وجهة نظر العراق بشأن أزمات المنطقة تتقاطع بشدة مع رؤية الاتحاد الأوروبي، وأضاف: “نحن في مرحلة نقل الرسائل بين طهران وواشنطن، ونسعى للحد من مستوى الأزمة بين الجانبين… إن مسؤوليتنا تقتضي الدفاع عن العراق والمحافظة عليه بعيداً عن خطر الحرب”، وفي الجانب الأخر سيقوم رئيس الوزراء بزيارة قطر والكويت في جولة بالمنطقة تأتي استكمالا لزيارة السعودية للتباحث وتقريب وجهات النظر حول حل الأزمة الأمريكية -الإيرانية.
فالتساؤل الذي يتبادر في أذهاننا هنا هو: هل ستنجح الجولات والمباحثات العراقية في إيجاد حل قريب ينهي الأزمة الأمريكية -الإيرانية؟.
في هذا الخصوص رصد المراقبون العديد من المؤشرات التي تشير إلى دور بارز للوساطة العراقية من أجل التوصل لحل الأزمة القائمة بين طهران وواشنطن يجنب المنطقة من حرب إقليمية ممتدة، فالعراق يملك من الرصيد الإستراتيجي ما يؤهله للقيام بمبادرة دبلوماسية خلاًقة لحل هذه الأزمة في ضوء المعطيات التالية:
– إن العراق هو دوماً الأقرب إلى إيران.
– إن العراق يتبع دائما سياسة مرنة في علاقاته الدولية والإقليمية، تجسد ترجمة فعلية لمبادئه في السياسة الخارجية تتفق مع ترسيخ دعائم الأمن والاستقرار في المنطقة .
– تتسم السياسة الخارجية العراقية بالصراحة والوضوح انطلاقاً من مبادئ الاحترام المتبادل ولذلك فإن علاقاته القريبة مع مختلف الدول يسهم في حل المشكلات والتقريب بين وجهات النظر المختلفة.
– حساسية الدور الفعلي للعراق و تأثيره على السياسة الدولية و قضايا المنطقة.
– أن سياسة العراق تقف على مسافة واحدة من كافة أطراف الأزمة، وهذا الموقف يمكنه من طرح المبادرات والرؤى والتعامل مع كافة الأطراف بدون أي حساسيات.
وهنا أرى بأن هناك رؤية إستراتيجية موجودة في كل الأوساط العراقية، مفادها أن العراق المؤثر في الإقليم، هو العراق التي يمكن أن يسهم في عودة الاستقرار إلى منطقة الشرق الأوسط المضطربة كما أن هناك رؤية إستراتيجية ثابتة وهي أن العراق يسعى إلى تقريب وجهات ومواقف القوى والأطراف المعنية بتطورات الأزمة وتداعياتها، وهو دور يماثل ما تقوم به الدول الأخرى،هذا مما سيوسع من دائرة الحوار وربما سيغير المواقف الرافضة لهذا الحوار، كما أن هناك بعض الدول ستخسر رهانها بالحرب على إيران.
وأخيراً أختم مقالي بالقول إن المبادرة العراقية تأتي في خضم واقع جديد فرضته التطورات الأخيرة في المنطقة، وهو الأمر الذي خلق توافقات بين العديد من القوى الإقليمية والعالمية، ولعل عبارة حل الأزمة الأمريكية الإيرانية صارت قاسماً مشتركاً في كل المحافل الدبلوماسية، برغم التناقض في الرؤية، في بحر الخلافات، سواء بين الولايات المتحدة وطهران.
باختصار شديد: لا بد من إيجاد حل سياسي للأزمة باعتباره السبيل الوحيد للخروج من المأزق الراهن بما يضمن الأمن والاستقرار للمنطقة، لذا يجب على كل الأطراف أن تأتي وتتفاهم على كيفية الخروج من هذه الأزمة وأن تتضافر الجهود لمحاربة الإرهاب الذي بات يشكل خطر على المنطقة بأكملها.