23 ديسمبر، 2024 1:49 م

آخر عجائب السيد أسامة النجيفي!

آخر عجائب السيد أسامة النجيفي!

فجأةً نزل ملاك الرحمة والحرص على العملية السياسية والسلوك السياسي الصحيح – نزل على السيد أسامة النجيفي رئيس مجلس النواب وزعيم كتلة “متحدون من أجل الإصلاح”.

لقد إمتنع السيد أسامة عن نشر اسماء المصوتين في مجلس النواب لصالح فقرة الإمتيازات في قانون التقاعد الموحد “لئلا تستخدم للتسقيط السياسي” على حد ما نقل عنه النائب السيد حيدر العبادي رئيس اللجنة المالية البرلمانية الذي طالبه بالنشر، وعلى حد قول النائب السيد محمد الخالدي مقرر مجلس النواب في فضائية (الحرة – عراق) بتأريخ 12/2/2014!!

ربما يمثل ذلك توبة لخالقه بعد أن نجا أسامة وأخوه من الموت قبل أيام في الموصل على يد إرهابيين هم أحرار في تصرفاتهم وألاعيبهم، فهؤلاء الإرهابيون لا يعيرون أدنى أهمية لأي حساب تكتيكي في التعامل مع ذراعهم السياسي حتى وإن بلغ حد التصفية الجسدية لأصابع الذراع. فالإرهابيون لا يترددون من قتل شخصية كبيرة أو صغيرة من حلفائهم الطغمويين* لهدف كيدي أو تأديبي دون الخوف من إنقلاب تلك الشخصية الكبيرة وأتباعها عليهم والإنتقال إلى خندق أنصار الديمقراطية، ربما لعمق إيمان الإرهابيين بثبات إيمان حلفائهم السياسيين وإصرارهم على هدفهم المتجسد برفض الآخر ورفض صناديق الإقتراع ورفض الديمقراطية والتمسك بإستعادة السلطة البراقة المفقودة بأي ثمن حتى إذا تطلب ذلك “إثارة النعرات الطائفية” و”قتل الآخر” و”التضحية بالنفس” و “الإنتحار” و ” تأجيج حرب أهلية”. لقد حصل هذا مع طارق الهاشمي الذي قتل الإرهاب أكثر من شخص من أهله (أخ وشقيقته على ما أذكر) فإزداد شراسة وإجراماً ضد الديمقراطيين ولصالح الإرهابيين قاتلي إخوته.

ربما صحا ضمير السيد أسامة النجيفي بعد أن راجع مسيرته فأدرك الأذى الذي سببه لوطنه العراق، يوم زار واشنطن عام 2011  وتفاهم هناك مع من يعنيهم الأمر فأطلق صيحة إقصاء وتهميش السنة الوهميَّيْن داعياً إلى الإنفصال أو الأقاليم. ولما عاد إلى العراق، مشحوناً، دعى القوات المسلحة إلى التمرد وشجع متظاهري ومعتصمي الأنبار وسامراء والموصل وغيرها على التمسك بشعاراتهم ولم يوخزه ضميره ولم يردعه القَسَمُ الذي تلاه أمام البرلمان بصيانة الدستور والحفاظ على النظام الديمقراطي إذ نسي أن من بين الشعارات التي رُفعت على مرأى ومسمع الجميع في تلك التظاهرات كان مطلب إسقاط الدستور وإحتلال بغداد لتطهيرها من “الصفويين العملاء” الذين وثقوا بالسيد النجيفي وساهموا في إنتخابه على رأس السلطة التشريعية.

لكنني أجزم أنه لم تكن هناك صحوة من أي نوع إلا من أمر واحد هو الوهم الذي سحقته الأيام. كما يبدو لي، قيل للسيد النجيفي (بعد فشل محاولة سحب الثقة من رئيس الوزراء) إن إسقاط النظام السوري سيعجل بإعادة السلطة المفقودة. وإسقاط النظام السوري سيصبح مضموناً لو ساهم العراق في هذا المسعى. وهذا، بدوره، يقتضي إدامة الضغط على حكومة التحالف الوطني بقيادة المالكي كي يخضع لجون كيري وجون ماكين وشركات النفط التي تعادل كل منها “قوة عشر فرق عسكرية” وذلك للإنخراط في مسعاهم لإسقاط النظام السوري لصالح إسرائيل.  تحمس السيد النجيفي لهذا المنطق ورفع عقيرة “الإصلاح السياسي”.

لم تسر الأمور على الأرض ولا الرياح في البر والبحر على هوى خطة النجيفي و”حلفاءه” الخارجيين القريبين والبعيدين. لقد فشلت مخططات أمريكا وإسرائيل والسعودية وقطر وتركيا في سوريا وكذلك في العراق الذي زفوا له (داعش) من سوريا مبرقعة مثقلة بالحلي الثمينة منها بندقية القنص إسرائيلية الصنع. فشلت المخططات لدرجة أن أمريكا عادت وراحت تستعين بالعراق للقضاء على داعش والقاعدة لأن وزير الأمن القومي الأمريكي ووكالة الإستخبارات المركزية نبها الإدارة الأمريكية إلى المخاطر على الأمن القومي الأمريكي التي باتت تشكلها التنظيمات الإرهابية في كل من سوريا والعراق. 

هنا أصاب السيد النجيفي الإرتباك فبدر منه أمران:

أولاً: التمسك بقشة الغريق لإنقاذ القوى الإرهابية في الأنبار والفلوجة مهما كانت تسمياتها. فمرة يقول هي ضعيفة ولا يتعدى عددها أل (200) مسلحاً بينما يصرح السفير الأمريكي في بغداد بأن عدد مقاتلي (داعش) وحدهم الذين عبروا من سوريا مؤخراً إلى العراق يبلغ (2000) إرهابياً.

ومرة يكتشف السيد النجيفي بأن القضية  يجب ألا تفهم على أنها عسكرية بحتة بل هي سياسية أيضاً. لقد أدرك السيد النجيفي هذه الحقيقة متأخراً إذ سبقه الشعب العراقي بمدة طويلة في كشف هذه الحقيقة وذلك منذ أن رفع حلفاء النجيفي شعار المطالبة بإسقاط الدستور ورفعوا صور صدام وأردوغان وعزز الدكتور النائب أحمد العلواني عزيمتهم إذ لوح برشاشته من على منصة التظاهر، وهكذا إلتحمت السياسة بالسلاح.

ثانياً: وهنا أعود إلى بداية المقال وهو، في الحقيقة، بيت قصيده.

عاد السيد النجيفي إلى تكتيكات قديمة – جديدة أكثر تواضعاً من مسألة إسقاط الدستور أو إسقاط النظام السوري و النظام العراقي بضربة واحدة.

لقد عاد وشدد ثانية على مواصلة تكتيك بهذلة أموال الشعب على إمتيازات غير إعتيادية للرئاسات ذات أهداف متعددة هي: إشاعة الفساد، نزع ثقة الشعب بنوابه وبمجلسهم وبالحكومة وبالنظام الديمقراطي وهو بيت القصيد، خلق مرارة الشعور بالتمايز والطبقية.

لقد إمتنع النجيفي عن نشر أسماء النواب وموقف كل واحد منهم في التصويت على مشروع قانون التقاعد الموحد. لماذا؟ السبب أغرب من الفعل ذاته، أي العذر أقبح من الذنب. كيف؟

الذنب: رفض نشر أسماء النواب وتصويتهم من قبل رئيس المجلس لأن الإطلاع على التصويت من حق الشعب.

العذر: لئلا يستخدم كشف التصويت في التسقيط السياسي!!

في واقع الحال، هذا يعني منع الشعب من محاسبة نوابه وتقييم أدائهم وبالتالي إتخاذ القرار بإعادة التصويت للنائب ثانية في الإنتخابات القادمة أو العزوف عنه. 

وهذا يعني أيضاً قتل عملية تطوير الأداء البرلماني بمنع الشعب من إبعاد السيئين من النواب وتقديم الجيدين الذين يمثلونه خير تمثيل.

حقاً إنه آخر عجائب السيد رئيس مجلس النواب!!