لا يعلوا هذه الكلمات أيٌّ من ضجيج الصراعات اللغوية ، و هي لعمري مهمة يعلم أهلها حجم مشقتها ؛ كيف للمتحدث بهدوء العقل و ثقة المعرفة أن يسمع كلماته وسط صريخ و ضجيج من لا يملكون إلا حناجرهم القوية ، يؤرقهم الرجل الهادىء ؛ من لا يرتضي مستشارا اعلاميا و لا جيشا إلكترونيا للترويج لعقود عمله و خبرته الطويله ، يزعجهم جهلهم بمذهبه و إيدلوجيته من دون الوطن
لماذا هو يعمل و لا يتحدث كثيرا !؟
لماذا لا يدخل معنا ميدان صراعنا اليومي !؟
لماذا هو مع الجميع و لوحده !؟
و لماذا لا تغلق شوارع العاصمة لمرور موكبه !؟
و لماذا لا يلحق بسيارته جيش من المدججين بالسلاح لحمايته !؟
و لماذا لا يصارع و يسقط زملائه و أقرانه !؟
أليست لنا الطائفية جنة و نعيم ، و الاثنية مناصب و رغيد ، و الحزبية ثراء و جاه ، فلماذا لا نراه بإي منها ، و يكفر بها !؟
كثيرةٌ هيَّ دهشتهم و تعجبهم ، و أكثرُ مِنها إستحالة إداركهم لإمره ، لا ترى هكذا عيون ما بين هذه التجاعيد و الشيبات ، لن تعرفوه و لن تعرفوه ، فلا يدرك سحر الالوان إلا الفنان ، و لا يعرف عذوبة الشعر إلا الولهان ، و لايهيم بالجمال الا نقي السريرة و الخلدان ، ليس شأنه بمكتب فخم ، أو ببضع مئات من الجنود خلفه أو بما تفعلون ، فبمكتبه منضدة خشبية يجلس يوميا من السابعة و النصف صباحا خلفها ، أوقعت السنين بعض اجزائها ، لا يقبل استبدالها حرصا و تواضعا ، و لايرتضي لنفسه وطاقمه بناية منفردة ، بل هو بذات البناية التي يشاركه مئات الموظفين بإختلاف أوضاعهم التخصصية و الادارية ، و ليس بين مكتبه و أي مواطن سوى بضع سلالم و غرفة واحدة تسبق غرفته ، و لا ينتقل لاعماله الا بسيارتين او ثلاثة مع الناس ، لا أتحدث عن رئيس قسم أو مدير عام بل الحديث عن رئيس مجلس القضاء الاعلى و المحكمة الاتحادية العليا القاضي مدحت المحمود ، الأستاذ الذي إن جلت في محاكم العراق ستجد المئات من القضاة بأختلاف درجاتهم يقولون لك هكذا حدثنا و هكذا علمنا أستاذنا المحمود ، ليس الرجل قاض بارع و استثنائي فحسب ، بل هو أُستاذ و صانع الجزء الأكبر للقضاء العراقي المعاصر ، هو عنوانٌ من عناوين الدولة و سيد من سادة رجالها ، و مهندس ديمقراطية تخوض منذ عقد من الزمان كل اشكال الحروب ، و نموذج مرجعي في زمن غيبت المصالح معيارية للحق و العدل ، و إنتظام قيمي في ظل فوضى منمقة ، و عمل تخصصي في زمن الصريخ و لا عمل ، ليس على الباحث عن آخر رجال الدولة و الساعي لصناعة رجالها ، إلا أن يحل ضيفا في جلسة من جلسة المحكمة الاتحادية ، ليبصر و يعي بإي قيمة تصنف كلمات الرجل و عمله ، فعلى كرسيه الذي يتوسط ثمانية كراسي لزملائه في المحكمة ، يعتلي أكثر من نصف قرن من الخبرة و الفراسة ، حتى لتشعر أن نصا اسطوريا يتلى ، و درر من الحكمة يباح بها ، و درسا في الكياسة و الفطنة تذاع ، و تعاليم بالحلم و الأناة يثقف لها ، وليست عملية تقاضي و محاكمة .
© 2016 Microsoft الشروط الخصوصية وملفات تعريف الارتباط المطوِّرون العربية