18 ديسمبر، 2024 10:54 م

لولا طلب السيد طالب رياض نعسان آغا، المتحدث الرسمي باسم الهيئة العليا للمفاوضات، توضيحات  من وزارة الخارجية الأميركية بشأن التصريحات غير الرسمية للوزير جون كيري التي قيل إنه أدلى بها في حوارات جانبية على هامش مؤتمر المانحين في لندن لما كان لتلك التصريحات ذلك المدى من الجدل بعد ان الدثار السميك من التعتيم الاعلامي الذي غلفت به تلك من قبل جل وسائل الاعلام العربية.
تعتيم وان لم يكن يتناسب مع اهمية وخطورة تلك التصريحات ولكنه يتماشى مع حالة التحير وعدم التوقع التي سادت العديد من المقاربات لما عد انعطاف تام للتعاطي الامريكي -المربك سلفا- مع الازمة المتفاقمة في سوريا وتداعيات تحولها الى ازمة اقليمية ودولية مرشحة للتصاعد الى مديات قد لا تتحمل معها المنطقة -او بعض دولها على الاقل- مثل هذه التصريحات الصادمة..
وقد يكون اخطر ما ورد عن الوزير كيري هو تحميله قوى المعارضة السورية مسؤولية ايقاف المفاوضات وهو ما يتعارض مع التصريحات العلنية التي صدرت عن رأس الدبلوماسية الامريكية والتي تحدثت عن مسؤولية العمليات العسكرية التي يخوضها الجيش السوري مدعوما بالغطاء الجوي الروسي في التعثر الذي اصاب محادثات “جنيف 3” في بواكيرها, وهذا قد يكون السبب في ثورة الرئيس التركي رجب طيب اردوغان على الحليف الاكبر والذي تجلى نقدا لاذعا واتهاما بان سياسة الولايات المتحدة بانها السبب وراء تحول “المنطقة الى بركة دماء”, في كلام ظاهره التبرم من دعم امريكا لقوى حماية الشعب السورية وباطنه تلك الهواجس فعلا ولكن مضاف اليها التخوف من تحول الولايات المتحدة نحو مزيد من التفاهم مع روسيا على حساب الاستثمار التركي المكلف سياسيا وامنيا واقتصاديا في قوى المعارضة المسلحة وانهيارا كاملا لمخطط المنطقة العازلة في الشمال السوري وما تمثله من اولوية قصوى للحكم التركي, وما يزيد الطين التركي ارباكا ذلك التسريب “اللافت في توقيته” عن رسالة امريكية مفترضة الى بشار الأسد في تشرين الأول المنصرم، مفادها أن الولايات المتحدة لاتريد تغييره، ولكن عليه الكف عن رمي البراميل المتفجرة لتستطيع تسويقه, وهو ما قد يكون ” محبطاً لكل الجهود الدولية التي ما زالت تسعى لعقد جولة ثانية من المفاوضات”, حسب تعبير السيد نعسان آغا.
هذه التصريحات مضافا اليها توقع وزير الخارجية الأميركي أن المعارضة ستتعرض “للإبادة أمام وقع القصف العنيف المتوقع أن تشهده سوريا خلال الأشهر القادمة”، قد يشير الى مسارات جديدة قد تتخذها الازمة السورية, ستكون معركة حلب هي النقطة الفاصلة فيها نحو تضاؤل دور قوى المعارضة السورية المسلحة وتحول الاحداث على الارض نحو صدام مباشر مابين الجيش السوري وحلفاؤه مع تنظيم داعش وجبهة النصرة, او بكلمات اخرى ان النزاع سيكون مع قوى مشخصة كتنظيمات ارهابية من قبل المنظومة الدولية مما يسقط تماما التنظير لقوات معتدلة في مواجهة النظام ويضع المزيد من الصعوبات امام اي دعم ممكن ان يصل الى ارض الشام خارج اطار الدولة السورية القائمة.
هذه المعطيات , وقد يكون غيرها الكثير مما يدور تحت الطاولة , تبدو انها مصممة -وباجحاف مؤلم- لوضع تصريحات السيد احمد عسيري التي تتحدث عن ان قرار الرياض بشأن قرار الرياض إرسال قوات برية إلى سوريا  “نهائي ولا رجعة عنه” في مكانه الطبيعي كحديث للاستهلاك السياسي الموظف ضمن حملة تسويق لوجوه معينة على حساب اخرى, خاصة مع التناقض الكبير ما بين الاعلان السعودي واكتفاء بيتر كوك المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) الى الاشارة الى “عرض المملكة توسيع دورها في الحملة الجوية” في ختام اجتماع وزير الدفاع الامريكي مع الامير “الجنرال” محمد بن سلمان في بروكسل.
فالمملكة التي اشترطت مشاركة الولايات المتحدة وانها لن ترسل قوات برية خاصة إلى سوريا بصورة منفردة، قد تجد الكثير مما يجعلها تعيد النظر في المنتظر من الحليف الامريكي عندما تسمع من الوزير كيري كلمات مثل “هل تريدني ان اذهب الى الحرب مع روسيا من اجلكم.. هل هذا ما تريده”, في رده على احد المعارضين السوريين في حديثه عن تقصير امريكي في حماية المدنيين. فالولايات المتحدة, رغم ضياع بوصلتها السياسية في بعض مراحل النزاع, الا انها ما تزال تمتلك من الحكمة ما يجعلها تصغي تماما الى الموقف الروسي الذي يبدو انه مستعد للمضي ابعد كثيرا من مجرد تقديم العون الجوي للقوات السورية, وهي ليست بالخفة التي تتجاهل بها تصريحات ميدفيديف الذي يتحدث بوضوح عن حرب عالمية جديدة كبديل عن فشل الاطراف في التوصل الى حل عن طريق المفاوضات, خصوصا وان امريكا قد تجد صعوبة كبيرة في خوض مثل هذه الحرب مع القناعة الكاملة بانها لن تنتج الا المزيد من الفوضى والمكاسب الميدانية للعديد من الفصائل المسلحة غير القادرة على انتاج عملية سياسية مقنعة في منطقة ملتهبة”حيث يقاتل الجميع ضد الجميع”.
فحتى الغفلة لن تكون مبررا كافيا لانتظار تورط امريكي في سوريا استجابة لصداقة قديمة, فالدول العظمى لا تذهب للحروب عادة بناء على العواطف -ان وجدت- وبالتأكيد لن تكون بسبب بعض مقالات الرأي المدفوعة مهما كانت بلاغتها ,ولا استجابة لتغريدات التويتر ولا مقاطع اليوتيوب, او لتسليك صعود وجوه مقابل اخرى في صراع عروش هي من اوجدتها.
نأمل, وبصدق من جرب ويلات الحروب لعقود اكلت اخضر العراق وخيرة شبابه ومقدراته وامن وكرامة شعبه, ان تتغلب الحكمة لدى القيادة السعودية على الاندفاع في مشاريع اثبتت الوقائع انها لم تأخذ حظها المطلوب من العناية والدرس والقراءة الواعية للمواقف, وعليها ان تعي انها ستكون وحدها في تلك المواجهة التي لن تكون بالتأكيد في مصلحة شعوب ومستقبل دول المنطقة, ولن تكون فيها المملكة ولا جيشها ومقدرات شعبها الا مخلب مهمل لمشاريع دول اخرى قد لا تتطابق رؤاها ومصالحها مع مصلحة الشعب السعودي, وان كان لا بد للـ”جنرال” من حرب, فليجد ارض اخرى غير ارض الشام وحليف اكثر استعدادا للمغامرة من امريكا..والا فان تللك المغامرة ستكون الاخيرة بالتأكيد ولن يجد بعدها ما يحارب به.