نسمع كثيرا -وقى الله القارئ- عن السكتة القلبية، وهي توقف القلب المفاجئ عن العمل، وعادة مايفارق الحياة كل من يصاب بها إلا من حباه الله فينجيه منها، لأسباب يعلمها وحده جل وعلا، فيعاود إذاك قلبه ضخ الدم الى أنحاء الجسم. والأطباء قطعا لا يقفون مكتوفي الأيدي إذا ما وقعت حالة مثل هذه أمامهم، إذ هم يفعلون كل ما بجهدهم لإنقاذ حياة المريض. وبما أن العضو المصاب بالسكتة هو القلب، الذي يتربع وسط الصدر يحيطه جدار يحميه من المؤثرات الخارجية، لذا فإن يد المسعف لايمكنها الوصول اليه وإجراء اللازم من الإسعافات الأولية ومحاولات إعادة الحياة اليه. الأمر الذي حث الأطباء وحفزهم على البحث عن حل لهذه المعضلة، فتوصلوا الى ابتكار طريقة، تتمثل باكتشاف جهاز جديد من شأنه توليد فولتية عالية جدا لجزء معلوم من الثانية، يوجه مباشرة على صدر المصاب بالسكتة، في محاولة لتنشيط عضلة القلب وإعادتها الى العمل -بإذن الله طبعا- وهي عملية يثاب عليها صاحب الفكرة وصانعو الجهاز ومستخدموه، في حال إنقاذ المصاب اوعدمه، إذ (الأعمار بيد الله). وتسمى هذه العملية بـ (Cardiopulmonary resuscitation) أي (الإنعاش القلبي) وهو آخر الدواء.
ماتقدم ليس محاضرة طبية.. او درسا من دروس كلية الطب، بل هو تشبيه أراه قريبا الى حد ما مما يجري في ساحتنا العراقية، ولن أتناول ما كان يحدث قبل عام 2003 فشماعة الإخفاقات والتداعيات آنذاك كانت النظام الحاكم المتمثل برأس الحكم صدام.. بل سيكون حديثي مقتصرا عما جرى بعد ذاك العام، إذ الجميع هلل واستبشر خيرا بالتغيير الجذري الذي حصل فيه، وخال بعضنا أن العراق سيسابق الريح، ويعدو وسط أمم العالم المتحضرة ليكون أولها، كما كان قبل أربعة آلاف عام أولها. وأول بشائر ذاك الإحساس هو كمّ الحرية الهائل الذي أمطرته علينا سماء (عام السعد). كذلك شكل الحكومة وآلية انتقاء الحكام، هو الآخر كان صدمة للعراقيين بعد سنين القمع والدكتاتورية.
إلا أن الرياح لم تكن لتأتي بما يشتهي الشعب، فبعد ان صار أمر الحكومة والرئاسات انتخابيا، حصل ما لم يكن يحصل في زمن الدكتاتور، إذ تلبست نعمة الحريات الممنوحة للمواطن العراقي بلبوس النقمة والوبال عليه، ولم يعد يرى من خيرها غير كثرة الاتصالات وأبراج الشبكات بمسمياتها العديدة، بين عنكبوتية وإلكترونية، ومن الفضائيات.. هلّت عليه من على شاشات تلفازه قنوات ماكان يراها في عالم الخيال، ومن الأجهزة المنزلية ما يسد عليه كل حاجاته وحاجات ربة بيته وأولاده، وكذلك من المركبات والعجلات والسيارات موديلات وماركات يحار في عدّها.
ولكن في حقيقة الأمر كانت هناك مأساة تغرق فيها البلاد والعباد، أودت أخيرا الى مآل لايسر أي عراقي ينتمي لأرض العراق واسم العراق روحا وهوية وكيانا ووجودا، فالأرض احتلها أوباش.. والعرض هتكه رعاع.. والمال سلبه قراصنة.. والدين لوثه كفرة.. والرموز هدمها تكفيريون.. والحريات اغتصبها معتوهون لايعرفون معنى الإنسانية.
هو نداء الى ساسة العراق الجدد.. فلتشكل لديكم هذه المصابات والانتكاسات والتداعيات جميعها صعقة كهربائية، كتلك التي يحدثها جهاز (الانعاش القلبي) لتشحذ فيكم طاقة العمل الدؤوب والنيات الخالصة، لحل المعضلات والعقد التي أصابت الجسد العراقي، لإعادة أمجاده وإنقاذه مما وصل اليه.. “لعلكم تنعشون”.