گعدة العصر بين نسيم الهواء وقوري الشاي

گعدة العصر بين نسيم الهواء وقوري الشاي

‏كتب الأستاذ نايف عبوش مقالة قصيرة عن ذكريات الزمن الجميل، فقال:
‏(( گعدة الچاسر أيام زمان كانت ممتعة حقاً.. حيث نسيم الچاسر عليلاً حتى في عز الصيف، وكان لشاي العصر نكهة خاصة على جگارة تتن اللف.. إذ تشعر براحة تامة وسعادة غامرة.))
‏نعم يا أستاذنا، كانت تلك الجلسات بحق لحظات لا تُنسى، جلسات تمتد على عتبات البيوت المطلة على الشارع العام، حيث تمر من خلال دروب “الحوادير” وجوه تحمل أخبار المدينة، وتمر السيارات على بُعد كيلومتر واحد فقط عن قريتنا الصغيرة.
‏ما زلت أتذكر ذلك الراديو العتيق، وتلك الأخبار التي كانت تبثها إذاعة “هنا لندن”، نستمع إليها بشغف، نتابع العالم من حولنا ونحن في قلب قرية بدا لنا أنها كل العالم.
‏وكنا ننتظر يوم الثلاثاء أو الأربعاء لنستمع إلى برنامج “ركن البادية” الذي يعده ويقدمه الإعلامي المتألق ابراهيم مطلگ الفرحان أبو معمر، الذي ما زال يواصل حضوره حتى اليوم، متميزاً في طرحه، قريباً من الروح البسيطة والتراث الريفي الأصيل.
‏في ذلك الچاسر، كنا نجلس بجانب الشيبان نستمع لحِكمهم وكلماتهم المليئة بالتجارب، نستسقي منهم دروساً لا تُدرّس في المدارس، فكنا نحن صغار السن تلاميذ في مدرسة الحياة، نتعلم من نظراتهم، من حديثهم، من صمتهم أحياناً.
‏وصاحب البيت القريب كان هو من يقوم بواجب الضيافة، فيأتي بـ “قوري الشاي” وصينية الاستكانات. وما أطيبه من شاي عصر، وما أروعه من حديث ختيارية! حديثهم فيه نكهة الزمن الجميل، وفيه بساطة لم تعد موجودة في عصرنا المزدحم بالتكنولوجيا.
‏لم نكن نعرف يومها عن التكنولوجيا شيئاً، سوى ذلك الراديو الذي لا يملكه سوى اثنين أو ثلاثة من رجال القرية. لكننا كنا نملك ما هو أعظم… وجوهاً بيضاء يكسوها الحياء، وقلوباً طيبة تجمعها الألفة وحسن النية، ومجتمعاً صغيراً لكنه غني بالحب والمواقف.
‏شكراً لك أستاذنا نايف عبوش على هذه العودة الجميلة، التي أخذتنا معك إلى جلسات العصر، إلى الشاي الساخن، وإلى ناس كانت صداقتهم أوفى من كل وسائل الاتصال اليوم… رحم الله من غاب، وبارك في من بقي.

أحدث المقالات

أحدث المقالات