27 ديسمبر، 2024 3:09 ص

هل ثورة تشرين العراقية شيعية؟

هل ثورة تشرين العراقية شيعية؟

وهل أثبتت هذه الثورة الشبابية الشعبية أن ليس هناك عراق واحد، بل ثلاثة عراقات، عراق شيعي عربي بأغلبيته، وعراق سني عربي بأغلبيته، وعراق كردي بأغلبيته، وبناءً على ذلك فهناك ثلاثة شعوب عراقية، وليس شعب عراقي واحد، وما كانت تسمية «المكونات» حتى الآن، إلا تخفيفا لمصطلح «الشعوب»؟
سأبين لماذا أنفي هذا الادعاء، مبينا نفي كون ثورة تشرين ثورة شيعية عربية، ولماذا أعتبرها ثورة عراقية شعبية، وليست ثورة شيعية، وإن كان الغالب عليها إنها شيعية الجماهير، وإن مناطق اندلاعها وديمومتها هي مناطق الأغلبية الشيعية.

وإذا قيل لماذا إذن لم يشارك كل من السنة والكرد فيها، ولعل السؤال الأهم الذي يطرح، هو سبب عدم مشاركة السنة العرب فيها، ولكني مع هذا سأبدأ بعدم مشاركة الكرد.

إذا نفيت وجود ثلاثة عراقات، وثلاثة شعوب عراقية، فلعلي لا أنفي اثنينية كل منهما، أي وجود عراقَين وشعبَين عراقييَن، هما العراق الكردستاني، والعراق متعدد القوميات بأغلبية عربية، أي عراق ما هو خارج منطقة كردستان. فكل الشواهد والوقائع السياسية والاجتماعية والثقافية تدل على أن كردستان تتعامل حكومة وأحزابا وشعبا (بغالبيته) كدولة مستقلة في الكثير من الممارسات والتفاعلات والمواقف. مع إن الأحزاب الكردية تتعامل بازدواجية، فهي تريد كل امتيازات الدولة الكردية المستقلة، وفي نفس الوقت كل امتيازات كون كردستان جزءً من العراق، والكرد جزءً من الشعب العراقي، أي وفق معادلة «ما لنا هو لنا وحدنا، وما لكم هو لنا ولكم». وشخصيا بينت في عدد من مقالات لي في فترات متباعدة عن أمنيتي أن لو كانت التجربة الديمقراطية الفيدرالية قد نجحت في العراق، ورضي الكرد أن يكونوا جزءً من العراق الواحد الفيدرالي، بعدم بخسهم أي من حقوقهم القومية والفيدرالية من جهة، ومن جهة أخرى بعدم تمددهم بأوسع ما هي حقوقهم بقضم جزء من حقوق الدولة والشعب العراقي أي عراق ما خارج كردستان لصالحهم. فالخطأ حصل من قبل السلطة الاتحادية وأحزاب العراق العربية أو غير الكردية الشيعية والسنية، كما حصل في أداء سلطة الإقليم والأحزاب الكردية الحاكمة أو المتنفذة والمؤثرة بقدر أو بآخر. لذا وما زال الواقع هو هذا، وما زال إقليم كردستان لم يندمج حقيقة في كيان الدولة العراقية، وإن كان من الكرد من يشعر بعراقيته إلى جانب كرديته أو كردستانيته، ولو إن الشعور العراقي يأتي عند معظم هؤلاء ولا نقول كلهم بالمرتبة الثانية بعد شعور الانتماء للشعب الكردي أو الكيان الكردستاني، أو بعضهم للأمة الكردية الكبرى. أقول ما زال الأمر كذلك، فإن العلاقة الأنسب بين منطقة كردستان وبقية العراق، كان يجب أن تكون علاقة كونفدرالية، وذلك بأن تأخذ الكونفدرالية الكردستانية كامل حقوقها غير منقوصة أبدا، ولا تأخذ أي قدر زائد عن حقوقها على حساب حقوق العراق غير الكردستاني، جغرافيا واقتصاديا. ودون نفي أن الكثير من أكراد العراق يتعاطفون مع ما يحصل في بغداد ومحافظات الجنوب، ولكن الأعم الأغلب هناك شعور غير معلن بأن ما يحصل في عراق ما غير كردستان هو شأن داخلي، وأكثر المتعاطفين هم كالذين يتعاطفون مع شعب آخر، وإن كان هناك من الكرد من يتضامن مع الحراك الشعبي عبر شعوره كمواطن عراقي، رغم كرديته، إلا إن هؤلاء بتصوري قد يشكلون أقلية في الوقت الراهن، باستثناء أكراد خارج الإقليم كالفيلية، فشعورهم بالانتماء للعراق أقوى من شعب إقليم كردستان، أو ما يسميهم البعض بأكراد الشمال.

إذن دعونا نبقى في حدود المتبقي من العراق، أي العراق غير الكردي، متعدد القوميات ذي الغالبية العربية، ومتعدد الأديان ذي الغالبية المسلمة. فباستثناء شرائح الشعب من غير المسلمين، تنقسم الغالبية المسلمة إلى شيعة وسنة. من هنا قد يرى البعض إن ثورة تشرين الشبابية هي ثورة شيعة العراق ضد الطبقة السياسية الفاسدة، والموالية لنظام ولاية الفقيه، والمسيسة للدين والمذهب والمقدسات، وغير الكفوءة لإدارة البلاد، واللامبالية باحتياجات الشعب، والمنتهكة لحقوق الإنسان. ودليلهم من يقول بشيعية الثورة هو عدم مشاركة المناطق ذات الأكثرية السنية. دون أن نقول إن كل السنة مع هذا الحراك الشعبي، كما إن ليس كل الشيعة معه، إلا أننا نستطيع أن نقول إن الغالبية الساحقة لشيعة العراق هم مع هذا الحراك، كما إن أكثرية السنة العرب مع هذا الحراك، بنسبة أو أخرى دون أن تكون النسبة دون كونها تمثل أكثرية. لكن لماذا لم يشاركوا؟ عدم مشاركتهم هو بتقديري وتقدير كثيرين تعبير ذكي وحكيم مع مساندتهم الصامتة للفعل الثوري في بغداد وجنوب العراق، لأنهم يعلمون إنهم لو كانوا قد شاركوا، لوُصِموا فورا من قبل الولائيين بالدعشنة والبعثنة، خاصة وإن هذه المحافظات المحررة من داعش هي تحت سطوة وابتزاز الحواشد، بعد تحررها من إرهاب الدواعش. ثم إن عدم مشاركتهم هو تعبير منفعل غير فاعل passive عن الإسناد للفعل الثوري، كي لا تتحول تهمة الداعشية والبعثية من دائرة السنة العرب، لتشمل الثورة التشرينية كلها، فتمنح قامعيها شرعية القمع، والتي ذهب الشيعسلامويون المتضررون من الثورة باتهامها إنها قد حركتها أصابع خفية إسرا-أمري-سعودية.

فشكرا لشعبنا العراقي في المناطق السنية المتضامن مع ثورة تشرين على الموقف الحكيم والمسؤول، والذي سيأتي دوره في اللحظة المناسبة، بشرط ألا يضفي على الثورة صبغة إسلامية أو عروبية، فمعارضتنا للنفود الإيراني لا ينطلق من حس عروبي تجاه نفوذ فارسي، بل من حس عراقي وطني تجاه استعمار نظام ولاية الفقيه الذي تعاني منه أكثرية الشعب الإيراني، وتتمنى الخلاص منه.

فالثورة إذن عراقية شعبية بغالبيتها شبابية، وليست ثورة شيعية، بل مادتها بسبب الظروف الموضوعية التي حاولت أن تبنها هذه المقالة، هي جماهير المناطق ذات الأغلبية الشيعية، والتي لا يمكن أن ننفي وجود سنة ومسيحيين وصابئة وبهائيين وكرد بينهم، خاصة في المناطق المتنوعة كبغداد والبصرة، بحسب تواجد أي من الشرائح المذكورة، وهذا ما ثبت حصوله من مصدر من بغداد، حيث أكد مشاركة سنة بغداد بكثافة في الاحتجاجات.