من الجزائر الى غزة كيف يكون الكفاح إرهاباً؟

من الجزائر الى غزة كيف يكون الكفاح إرهاباً؟

لم تتوقف الشعوب عن خوض معاركها في سبيل حرية أوطانها عبر التأريخ. نتذكر في تأريخنا المعاصر فيتنام، الجزائر، كمبوديا، جنوب أفريقيا، أيرلندا، أفغانستان، لبنان والعراق حيث كانت لغة المحتل دائماً واحدة: المقاومة إرهاب. لكن حين يغادر المستعمرون صاغرين، يتغيّر الخطاب وتصبح نفس الحركات التي وُصفت بالإرهابية رموزاً للتحرر والعدالة.

كفاحات كتبت التاريخ

في فيتنام، ارتكب الجيش الأمريكي أبشع المجازر، ووصف المقاومين بأنهم تهديد لـ”العالم الحر”. لكن من خرج منتصراً؟ الفلاح الفقير الذي حمل بندقيته في وجه القاذفات.

في الجزائر، قدّم الشعب مليون شهيد في حرب التحرير ضد الاستعمار الفرنسي، وكان الإعلام الغربي يصف الثوار بـ”الإرهابيين”. وبعد الاستقلال، أصبح نضال الجزائريين أيقونة التحرر في العالم الثالث.

في جنوب أفريقيا، وُضع نيلسون مانديلا على قوائم الإرهاب لعقود، ثم خرج ليصبح رمز العدالة وضمير الإنسانية. وفي أيرلندا، وُصف “الجيش الجمهوري الأيرلندي” بالإرهاب، قبل أن تُجبر بريطانيا في النهاية على التفاوض معه. وفي أفغانستان، قيل إن المقاومة ضد السوفييت “فوضى دموية”، لكنها كانت كفاحاً صلباً ضد قوة عظمى.

وفي لبنان، قاوم الشعب الاحتلال الإسرائيلي بالدم والسلاح حتى انسحب الجيش الإسرائيلي من الجنوب عام 2000، بعدما كان يصف المقاومين بـ”الإرهابيين”. وفي العراق، بعد غزو 2003، قاوم العراقيون الاحتلال الأمريكي الذي دمّر دولتهم وقتل مئات الآلاف، ومع ذلك وُصِفت مقاومتهم لتواجد قوات أجنبية بالتمرد والإرهاب، في مشهد يعكس المتملقين من أهل البلاد مع النفاق الدولي نفسه.

فلسطين … الجرح المفتوح

كل تلك الأمثلة لم تكن سوى مقدمات لما نعيشه اليوم في فلسطين. منذ النكبة عام 1948 والشعب الفلسطيني يُقتلع من أرضه ويُساق إلى المنافي والمخيمات. ومنذ ذلك الحين، أصبحت مقاومته تُقدَّم على أنها تهديد عالمي، بينما الاحتلال هو الذي يواصل القتل والدمار بلا توقف. غزة اليوم هي الدليل الأوضح: مدينة محاصرة منذ 18 عاماً، تتعرض لأبشع حرب إبادة في العصر الحديث، حيث يُقتل الأطفال بالآلاف تحت ذريعة “مكافحة الإرهاب”.

إسرائيل تمارس إرهاب دولة منظم: قصف متعمد للمستشفيات، تدمير للمنازل فوق ساكنيها، حصار وتجويع، اعتقالات جماعية، وتهجير قسري. كل ذلك يتم تحت غطاء سياسي أمريكي، دعمه دونالد ترامب علناً حين نقل سفارة بلاده إلى القدس، وأعطى الضوء الأخضر لسياسات الضم والتهويد. فأي حضارة وأي قانون يسمح بتجريم الضحية ومنح القاتل شرعية مطلقة؟

اعتراف أوروبي متأخر

ورغم كل هذا الظلم، جاء بريق أمل من أوروبا. بعد سبعين عاماً من الانتظار والتواطؤ، اعترفت دول أوروبية كبرى بدولة فلسطين. صحيح أنّ الاعتراف جاء متأخراً، لكنه يحمل دلالة عميقة: لم يعد ممكناً للعالم أن يغضّ الطرف عن الدماء التي تسيل في غزة والضفة، ولم يعد ممكناً الاستمرار في شيطنة شعب كامل فقط لأنه يرفض أن يعيش عبداً تحت الاحتلال. هذا الاعتراف قد يكون المفتاح الأول لكسر احتكار إسرائيل للرواية، وقد يكون بداية النهاية لأسطورة “جيش لا يُقهر”.

الحقيقة التي لا تُطمس

الحقيقة التي يجب أن تُقال بوضوح: الإرهاب هو الاحتلال، لا المقاومة. الإرهاب هو دولة مدججة بالسلاح تقتل الأطفال وتدمر المدارس وتمنع الدواء عن المرضى، لا أم تحمل ابنها تحت الحصار ولا شاب يرابط على أرضه.

لقد حاولوا تشويه نضال فيتنام والجزائر وجنوب أفريقيا ولبنان والعراق رغم تقاطع العلاقات الدولية فيه، لكن التاريخ أنصف المقاومين وأدان المستعمرين. وغداً، سينصف فلسطين. سيكتب التاريخ أن غزة لم تنكسر رغم الجوع والدمار، وأن الفلسطيني الذي سُمّي إرهابياً كان في الحقيقة بطلاً يدافع عن وطنه وكرامة أمته.

فمتى يكفّ العالم عن تزييف الحقائق؟ ومتى يعترف أن الكفاح إذا كان من أجل الوطن ليس جريمة، بل هو ذروة الحضارة وشرط العدالة الإنسانية؟