10 أكتوبر، 2024 8:44 م
Search
Close this search box.

ملح الصمت،ضجيج الساحل

ملح الصمت،ضجيج الساحل

يلملم شباكة الان ،متعب لم يصطاد منذ ثلاث ليال ،السمك يبحث دائما عن رزقه كما الصياد كذلك في بيئة صالحة ،لم تعد المياه تسوعب خياشيمه الارجوانية ،الملوحة لا يطيقها حتى السمك البحري.
يعود الى منزلة المتهالك ،ياكل ماتيسر ،يسمع ماتيسر ،يضاجع ماتيسر ويستدير اليوم .
(جاسم العامود) بصراوي السحنة والجنسية، حاله يشبه الكثير ممن انقطع رزقهم بسبب اللسان الملحي في شط العرب ،الاسباب معروفة للجميع والصمت ايضا هواية الجميع المفضلة هنا في خاصرة الربط الحيوي بين الشرق والغرب جوا وبرا وبحرا، هنا (البصرة).

:لم تعد الحياة سهلة. يردد بصري اخر وهو يرنو الى الجانب الايراني من شط العرب بحسرة ودلالة ، تذكرني هيئتة بالتماثيل البرونزية لجنرالات الحرب العراقية الايرانية التي نشبت بسبب الماء والشط أيضا،تلك العشرات من التماثيل التي كانت تقف على كورنيش شط العرب وتشير بسبابتها الى ايران رفعت بعد ٢٠٠٣ احتراما لمشاعر الجارة ايران وبيعت كخردة.
يقول شاعر من الرواد في البصرة: (مثل خبز الارياف خرجنا نحن اهل الجنوب من تنانير امهاتنا ساخنين لأجل ان نليق بفم الحياة) تكثيف جيد للشخصية البصرية كلقمة ساخنة تلوكها أفواه الآخرين، ليس الا
نعم صديقي الشاعر الحرارة الجنونية التي تقارب او تفوق ال٥٥سليليزية خلال الصيف
تجعلك ساخن كبصري رغم انف( تنور/رحم) أمك ،ولكن هل (فعلت) خاصية السخونة تلك؟ مع المركز الذي يبتلع نفطك ويرسل لك مجاري بغداد الثقيلة وكل بزل العراق مثلا؟ مع الجارة إيران التي ترسل لك ملح أجاج وتحتفظ بماء الكارون خلف السدود ،ترسل لك مليشيات (رسمية )على طول الارض وعرضها ، ترسل لك عمائم و أفكار دينية منتهية الصلاحية لا تطبقها على أرضها،ترسل بضائعها الرديئة مقابل مليارات الدولارات ، تعطل مشاريعك الحيوية كالكهرباء لتبيعها لك وقد تبتزك بقطعها خلال جحيم الصيف!
يسال أحدهم :لا نعرف سر طيبة البصري وكرم ضيافته.
اضيف :وسذاجته وخجلة الأنثوي احيانا(اعتذر للحركات النسوية عن هذا التعبير )
لا يمتلك البصري الغضب ! رغم انه يعيش بعشر حقوق الحيوان في دول اخرى، (في الاتحاد الاوربي مثلا يشترط صعق الحيوان وافقاده الوعي قبل ذبحه ) ، الحكومة العراقية والمليشيات لا تلتزم بهذه المعايير الأوروبية عند القتل علنا في الشارع .
يستذكر البصريون تاريخهم الادبي والعلمي كون البصرة مدينة عريقة عمرها اربعة عشر قرنا ولها مساهماتهما في الحضارة العالمية بأسماء معروفة ك( بن الهيثم)( واضع أسس علم البصريات و فكرة الكاميرا )و الخليل (لغوي مؤسس لعلم العروض) و غيرهم.
كل هذا الاجترار يتم بينما الحضور لهذه (الندوات الثقافية)يحرك ورقة كرتونية أمام وجهة كمروحة ويضيء شاشة نقالة نازل من سلم المبنى المتهالك لانعدام الكهرباء.
سوسيولوجيا البصري ممزق بين هويتين أحدهما ميعت اوضيعت وهي الهوية الخليجية اولا بسبب ابتلاعه من قبل الكيان العراقي في ١٩٢١وثانيا بسبب غزو الكويت والهوه الزمنية و النفسية التي حصلت من خلال القطيعة والحصار وهوية جنوبية تتصل بماء الهور الى( الناصرية والعمارة) و المعدان من ورثة سومر واوروك في بواكير الحضارة قبل سبعة آلاف سنة(لم يتبقى منها الا لقى اثرية واكواخ قصب في الهور استمرت بعمارتها و نسيجها الحضري بشكل مذهل الى اليوم)
البصري الذي أدمن البحر في السابق وانتج مخياله (السندباد البحري) كشخصية قصصية في الارث الانساني(لا يتخلص البصري من الهوس الأدبي حتى لو كان الموضوع تجارة دولية بحت)
بين ساحليته ،يتأرجح البصري (لا تخلو عائلة بصرية من قرابة تصل الى الدرجة الاولى احيانا من العوائل الخليجية من الكويت الى عمان)
وبين التدفق الجنوبي من ميسان و الناصرية الذي قفز بنفوس البصرة فوق عتبة الاربعة ملايين نسمة
(الرابط القبلي هنا اقوى من روابط القربى حيث يتحسس البصري من التزاوج مع سكان الجنوب تجنبا للمشاكل العشائرية)
.القادمون منذ أواسط التسعينات بعد جريمة تجفيف النظام السابق للاهوار و القادمون حديثا بدافع البحث عن عمل
واغلبهم يختلفوا ثقافيا واجتماعيا عن الشخصية البصرية المنفتحة والتي ذاقت طعم التمدن والمواطنة في السابق وكونها متروبولتان أكثر منها (عراقية )مغلقة.
يتفق الاثنان بالكرم ،الا ان الجنوبي اكثر ثورية من البصري ولدية (c v) جيد في مجال الثورات ،أهمها واراسها( ثورة العشرين) التي أنتجت الكيان العراقي.
حل الوطني السعودي ضيفا على البصرة في
28 فبراير، 2018 في مباراة ودية مع الوطني العراقي على استاد جذع النخلة (٦٥الف متفرج)
تفاعلت البصرة بشكل غير عادي، جماهيريا ورسميا قبل اللقاء بأيام عدة ،كانما استيقضت ذاكرة الخليج لديهم، هاشتاك (دارك يالاخضر ) انتشر سريعا للترحيب و تفاجأ السعوديون بمقدار الحفاوة والشوق لعودتهم ولو رياضيا على الأقل؟ الاعلام الخليجي تفاعل ايضا والقى الضوء على الحنين القديم والذكريات ، تتبع الاعلام حتى شخوص افراد بصريين يحملون وثائق خليجية ، اجتاز الجميع حينها العمق الطائفي وتشاركو البعد الإقليمي،كانت ثوان سلام في عمر الصراعات المزمنة
لكنها شكلت اشارة الى توق البصرة للساحل مرة اخرى.
الى أين يتجه البصري الان ؟ ما هويته ؟ ما حلمة الجمعي؟
هل ينتزع نفسه من كل هذه الدوامات التي تسحبه منذ عقود وتفقده البصيرة ؟
هل يبتعد عن الجميع ويتجه للساحل امتدادا لأبناء اللؤلؤ والنفط؟
لا احد ولا حتى اشد البصريين ضراوة بالتفاؤل والحلم يعلم او حتى يخمن؟

…….
الشاعر البصري المشار اليه هو (كاظم الحجاج)

أحدث المقالات