(( لقطة : الاضاءة المستمرة كما العتمة المستمرة قد يفقدان الانسان الاحساس بالزمن )) .
يا له من اقتباس ,فعندما يتوقف الزمن , أثر الضوء والعتمة الأبديين , الإضاءة المستمرة والعتمة المستمرة وفقدان الإحساس بالزمن , لننطلق للتفكير في طبيعة الزمن وتجربتنا له , فما هو الزمن حقًا ؟ كيف ندركه ونشعر بمروره؟ ما الذي يحدث لإدراكنا للزمن عندما تتلاشى العلامات الطبيعية التي نستدل بها عليه؟ وكيف أن التغيرات والتباينات في محيطنا , مثل تعاقب الليل والنهار, والفصول , والتغيرات في الإضاءة , تلعب دورًا حاسمًا في وعينا بالزمن ,فلملاحظة تأثير الإضاءة المستمرة ,تخيل سيناريو يعيش فيه الإنسان في بيئة مضاءة باستمرار دون أي دورة ليلية , كيف سيؤثر ذلك على ساعته البيولوجية ؟ وكيف أن أجسامنا مهيأة لدورة النوم والاستيقاظ , وأن الإضاءة المستمرة قد تعطل هذه الدورة وتؤدي إلى اضطرابات في النوم والمزاج والصحة العامة , ولا نستبعد فكرة فقدان العلامات التي تميز مرور اليوم , مثل شروق الشمس وغروبها , وكيف يمكن أن يؤدي ذلك إلى شعور بالضياع وعدم اليقين بشأن الوقت , وكذلك تأثير العتمة المستمرة ,تخيل العيش في ظلام دائم , كيف سيؤثر ذلك على الحواس الأخرى ؟ هل ستتطور بشكل مختلف لتعويض نقص البصر؟ وما هو التأثير النفسي للعتمة المستمرة , مثل الشعور بالعزلة والخوف والاكتئاب , وكيف أن غياب الضوء يحرمنا من العديد من الإشارات البصرية التي نعتمد عليها في فهم العالم من حولنا وتحديد موقعنا في الزمان والمكان.
فقدان (( الإحساس بالزمن )) , أو مايسمى (( ضياع الزمن )) , أو (( العمى الزمني )) ,ظاهرة لافتة , انتشرت مؤخرًا في كثير من المجتمعات على مواقع التواصل الاجتماعي منشورات تعبر عن شعور العديد من الأشخاص بفقدان الإحساس بالزمن , وأشاروا إلى أن العزلة بسبب التغيرات الكبيرة في الروتين اليومي , قد أسهمت في هذا الشعور الضائع بالزمن , ووصف الخبراء هذه الظاهرة بأنها (( العمى الزمني )) , وهي حالة معرفية تتسبب في صعوبة إدراك وإدارة الوقت , مما يؤدي إلى إحساس بأن الأيام والأسابيع تمر بسرعة كبيرة , مؤكدين أن هذا الشعور تفاقم مع الاستخدام المفرط لمواقع التواصل الاجتماعي , حيث يجد الشخص نفسه غارقًا في التطبيقات لفترات طويلة دون أن يلاحظ مرور الوقت , وأضافوا أن (( العمى الزمني )) , قد يؤثر بشكل كبير على الحياة اليومية , ويعيق الالتزام بالمواعيد , ويؤدي إلى السهر المفرط , وأضافت أن الحل لهذه المشكلة يكمن في وضع خطة لحياة منظمة , مع ممارسة الهوايات والتركيز على إعادة الشعور بالزمن وتقدير اللحظات التي يعيشها الفرد.
تقود حالات (الإضاءة المستمرة والعتمة المستمرة) الى فكرة فقدان الإحساس بالزمن , وأن غياب التباين والتغيير يمكن أن يجعل الوقت يبدو ثابتًا أو غير محسوس ,مثل الأشخاص الذين يعيشون في بيئات معزولة أو يعملون في نوبات عمل طويلة دون التعرض للضوء الطبيعي , وكيف يصفون تجربتهم مع إدراك الوقت , وكيف أن الإحساس بالزمن متجذر في إدراكنا للتغيير والحركة , وعندما يتوقف هذا التغيير, يبدأ إدراكنا للزمن في التلاشي , ولو تأملنا في المعنى الأعمق للزمن في حياتنا , هل هو مجرد قياس فلكي , أم أنه تجربة إنسانية ذاتي ؟ سنجد كيف أن إحساسنا بالزمن يرتبط بالذاكرة والتوقع والأمل , وكيف يمكن أن يؤثر فقدان هذا الإحساس على هذه الجوانب من تجربتنا ؟ لنستكشف فكرة أن التباين هو جوهر الإدراك , وبدون الاختلافات , يصبح كل شيء باهتًا وغير مميز, بما في ذلك مرور الوقت , وأهمية التغير والتنوع في محيطنا للحفاظ على إلأحساس بالزمن والواقع .
للضوء الطبيعي دور كبير في تنظيم حياتنا اليومية,وفي إمداد أجسامنا بالطاقة التي تساعدنا على الاستيقاظ بحيوية , وممارسة أعمالنا بنشاط , كما يعتبر الضوء أحد العناصر المهمة لاستمرار الحياة , وبدونه يختل توازن الإنسان ويفقد الحياة , لكن مع التقدم والتطور الهائل الذي ساهم في إدخال الكهرباء إلى حياتنا , تعددت مصادر ووسائل الإضاءة , وأصبح استهلاكها يفوق الحد الطبيعي , وأصبحت الإضاءة الصناعية أكثر استخداماً وفي جميع الأوقات , ما جعلها تؤثر وبشكل كبير في صحة الإنسان من خلال إحداث خلل بساعته البيولوجية والتسبب بأمراض نفسية وجسدية , حيث كشفت الأبحاث العلمية الصادرة حديثاً أن الإضاءة الصناعية مسؤولة عن مجموعة من هذه الأمراض , بل إن بعض الدراسات وجدت أن التعرض المفرط للضوء الصناعي في الليل يزيد مخاطر الإصابة بالسرطان .
يقول ابو المحاسن الكربلائي : (( أشرقت منك في الوجود ذكاءفجلا حالك الظلام الضياء ,درة عن سنائها قد تشظى صدف الفيض فاستضاء السناء )) , ويقول ابن الجوزي : (( فبعد العَتمَةِ الظَّلماءِ نورٌ وطولُ الليلِ يعقبهُ الضياءُ أمانينا لها ربٌ كريمٌإذا أعطی سيُدهِشُنا العطاءُ )) , حين نقرأ لشعراء الضفاف المشمسة للمتوسط , يستوقفنا تواتر جدلية الظل والضياء أو العتمة والنور أو الليل والنهار, ولعله من المهم الوقوف عند الأسباب التي تقرب أو تباعد بين هذين المتناقضين , المتنابذين في الظاهر , وإن القاريء ليستشعر أواصر قربي تصله ببعض أولئك الشعراء , لذا يتلمس الدروب التي طرقوها ويدعو إلى السعي فيها , وكان رونيه شار قد قال في هذا السياق : (( ليس بإمكاننا العيش إلا في ما هو موارب , وتحديداً, على الخط الكتيم الذي يفصل الظلمة عن الضياء , غير أننا نكون دوما , ودون إرادة منا , مدفوعين إلى الأمام )) , وكثيرا ماكان أدونيس يردد بأنه يسير مسترشداً بالضياء , أذ يقول (( بأن شعاعا من نور هو الذي دله على الطريق )) , كما ان أوديسوس إيليتيس كتب يقول :(( ليكن ممجدا هذا الضياء , ومباركةهذه الصلاة الأولى التي سجلها الإنسان على الحجر, مباركة هي سطوة الحيوان الذي يفتح طريقا إلى الشمس , ومبارك هو النبات الذي غرد , فكان النهار)) , وفي إحدى قصائده يقول الشاعر السريالي فيليب سوبو معرفا نفسه , فيرى أنه : (( بالكاد ظل ومضة تتعقب الضياء )) , فدرب النفس أن تبحث عن ضوء في نهاية النفق , و أن تشعل شمعة في جنح الظلام , و إياك أن تعتقد أن العالم ضدك , وأنك ولدت مع سحابة رمادية فوق رأسك , لست بحاجة أن تكون ضحية لجذور اليأس أو الافتراض بأنك تعاني خيبة الأمل , يبدو جميعآ أننا نفقر ذواتنا من حيث لا فقر , و نسقط أوراق جمال أنفسنا من حيث لا ربيع يفصل بين بهجة الحياة و حزنها .