المصطلم , إحدى الألقاب التي أطلقت على الحلاج , والبغداديون تحديداً هم من أطلقوه , وتعريف و معنى مصطلم في معجم المعاني الجامع – معجم عربي عربي : اِصطَلَمَ : فعل واصْطَلَمَهُ : صَلَمَهُ , (( واصطلمَهم الدهر أو الموت أو العدُوُّ: استأْصَلَهُمْ وأبَادَهم )) , اصْطَلَمَهُ : صَلَمَهُ, ويقال : اصطلمَهم الدهر أو الموت أو العدُوُّ : استأْصَلَهُمْ وأبَادَهم , أي ان معنى كلمة (( الاصطلام )) : الاسْتِئْصَالُ , تَقُولُ: اصْطَلَمَ الشَّجَرَ إِذَا اسْتَأْصَلَهُ , وَأَصْلُهُ مِنَ الصَّلْمِ وَهُوَ القَطْعُ , يُقَالُ : صَلَمَ الشَّيْءَ صَلْماً أَيْ قَطَعَهُ مِنْ أَصْلِهِ , وُيْطَلَقُ الاصْطِلاَمُ بِمَعْنَى: الإِفْنَاءِ , وَالصَّلْمُ : فَنَاءُ الشَّيْءِ , وَيَأْتِي الاصْطِلاَمُ أَيْضًا لِمَعانِي : الإِبَادَةُ , الإِزَالةُ .
هناك مجموعة شعرية للشاعر العماني عبدالله البلوشي بعنوان (( المصطلم )) , التي ترتبط فضاءاتها بشخصية الحسين بن منصور الحلاج , وذلك من خلال السعي إلى إبراز رؤى متخيلة حول موطنه الأول , ورحلاته في مدن الشرق الإسلامي , ومعاناته وحتى استقراره ببغداد , ويذكر ان (( المصطلم )) أحد الألقاب التي أطلقت عليه , حيث جاءت تسمية النص بهذا اللقب لأجل ترسيخه كلقب مغمور , إذ إن لقب الحلاج ظل الأكثر شهرة من بين كل الألقاب التي أطلقت عليه , وتتكون المجموعة من ثلاثة مقاطع عبارة عن اشتغالات على بيئة وجوده التي تضم شخوصاً ورموزاً وأمكنة , ويستقي المقطع الأخير (من الفيض) رؤية تأملية كانت ماثلةً في ديوانه الموسوم (الطواسين) وهو من أعماله ذات النشيد الصوفي الحاد , فما هي الطواسين ؟
الطواسين الثلاث , هي ثلاث سُورٍ من القرآن الكريم تُسمى بـ (( الطواسين )) , وتُعرف أيضاً بـ (( الطواسيم )) و (( الطواسم )) , وهذه السور متتالية حسب ترتيب المصحف الشريف , و هي من السور المكية , و هذه السور هي : سورة الشعراء و رقمها (26) , و سورة النمل و رقمها (27) , و سورة القصص ورقمها (28) , و إنما سُميت بالطواسين أو الطواسيم لإبتدائها بحرفي الطاء و السين , فهي ذوات طس , ذلك لأن سورتي الشعراء و القصص تبتدآن بـ (( طسم )) , و سورة النمل تبتدأ بـ (( طس )) , قالَ الجَوْهَرِيُّ : الصَّوابُ أَنْ تُجْمَعَ الطَّواسيمُ و الطَّواسينُ و الحَواميمُ , التي هي سورٌ في القرْآن بذَواتِ و تُضافُ إلى واحِدٍ فيُقالُ : ذَواتُ طسم , و ذَواتُ حم , وإِنّما جُمِعَتْ على غيرِ قِياسٍ .
ذكر المدائني أنه رأى بالبصرة رجلا مصطلم الأذن , فسألته عن قصته , فذكر أنه خرج يوم الجمل ينظر إلى القتلى , فنظر إلى رجل منهم يخفض رأسه ويرفعه وهو يقول :
(( لقد أوردتنا حومة الموت أمنا * فلم تنصرف إلا ونحن رواء
أطعنا بني تيم لشقوة جدنا *وما تيم إلا أعبد وإماء )) , فقلت : سبحان الله , أتقول هذا عند الموت ؟ قل لا إله إلا الله , فقال: يا ابن اللخناء , إياي تأمر بالجزع عند الموت ؟ فوليت عنه متعجبا منه , فصاح لي ادن مني ولقني الشهادة , فصرت إليه , فلما قربت منه استدناني , ثم التقم أذني فذهب بها , فجعلت ألعنه وأدعو عليه , فقال : إذا صرت إلى أمك فقالت من فعل هذا بك ؟ فقل : عمير بن الأهلب الضبي مخدوع المرأة التي أرادت أن تكون أمير المؤمنين . (( مروج الذهب: ٢ / ٣٧٩ , تاريخ الطبري: ٤ / ٥٢٣ ,أنساب الأشراف : ٣ / ٦٠ , الكامل في التاريخ: ٢ / ٣٤٤)) .
لنعد لصاحبنا المصطلم الحلاج الذي يقول : (( أنعي إليك نفوسا طاح شاهدها * فيما ورا الحيث بل في شاهد القدم , أنعي إليك قلوبا طالما هطلت * سحائب الوحي فيها أبحر الحكم , أنعي إليك لسان الحق منك ومن * أودى وتذكاره في الوهم كالعدم , أنعى إليك بيانا يستكين له * أقوال كل فصيح مقول فهم , أنعي إليك إشارات العقول معا * لم يبق منهن إلا دارس العلم , أنعي وحبك أخلاقا بطائفة * كانت مطاياهم من مكمد الكظم , مضى الجميع فلا عين ولا أثر * مضى عاد وفقدان الأولى إرم,
وخلفوا معشرا يحذون لبستهم * أعمى من البهم بل أعمى من النعم )) .
قالوا: ولما أخرج الحلاج من المنزل الذي بات فيه ليذهب به إلى القتل أنشد : (( طلبت المستقر بكل أرض * فلم أر لي بأرض مستقرا , وذقت من الزمان وذاق مني * وجدت مذاقه حلوا ومرا , أطعت مطامعي فاستعبدتني * ولو أني قنعت لعشت حرا )) , وقيل : إنه قالها حين قدم إلى الجذع ليصلب , والمشهور الأول , فلما أخرجوه للصلب مشى إليه وهو يتبختر في مشيته وفي رجليه ثلاثة عشر قيدا وجعل ينشد ويتمايل : (( نديمي غير منسوب * إلى شئ من الحيف , فلما دارت الكأس * دعا بالنطع والسيف , سقاني مثل ما يشر * ب فعل الضيف بالضيف , كذا من يشرب الراح * مع التنين في الصيف )) , ثم قال : (( يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها والذين آمنوا مشفقون منها ويعلمون أنها الحق ))[الشورى: 18] , ثم لم ينطق بعد ذلك حتى فعل به ما فعل , قالوا: ثم قدم فضرب ألف سوط ثم قطعت يداه ورجلاه , وهو في ذلك كله ساكت ما نطق بكلمة , ولم يتغير لونه , ويقال إنه جعل يقول مع كل سوط (( أحد أحد )) , قال أبو عبد الرحمن : سمعت عبد الله بن علي يقول سمعت عيسى القصار يقول: آخر كلمة تكلم بها الحلاج حين قتل أن قال : (( حسب الواحد إفراد الواحد له )) , فما سمع بهذه الكلمة أحد من المشايخ إلا رق له , واستحسن هذا الكلام منه , وقال السلمي : سمعت أبا بكر المحاملي يقول سمعت أبا الفاتك البغدادي – وكان صاحب الحلاج – قال: رأيت في النوم بعد ثلاث من قتلالحلاج كأني واقف بين يدي ربي عز وجل وأنا أقول يا رب ما فعل الحسين بن منصور؟ فقال: كاشفته بمعنى فدعا الخلق إلى نفسه فأنزلت به ما رأيت , ومنهم من قال : بل جزع عند القتل .