كتب صديقنا الأستاذ حسين جواد المحترم : (( ان هناك خفايا في التاريخ الاسلامي لو تكشّفت للغافلين والمغفّلين لاهتزّت الكثير من القناعات الموهومة التي كانت وما زالت تعشعش في رؤوسهم )) , الا انه ينبهنا بعدها ان كلمة تعشّش (يعني في موسم واحد) , امّا تعشعش ففي كلّ موسم تعود العشّ السابق نفسه , وفي تعريف و معنى عشعش في معجم المعاني الجامع – معجم عربي عربي وجدنا عَشعَش:  اسم والجمععَشَاعِشُ والعَشْعَشُ : العُشُّ المتراكبُ بعضُه فوقَ بعض , وعشعَشَ:  فعل : عشش , اِتَّخَذَ عُشّاً  , وعَشعَشَ : سكن وتمكن , وهكذا قولهم: عَشَّشَ الشيطان في قلبه , أو “عَشْعَشَ (( للمبالغة والتكثر في الوصف بحكم التركيب والمجاز كناية , والمراد ملأه بالغَيّ الذي هو الضلال والفساد )) ,  ومثله فَرَّخ الشيطان في رأسه , والمعنى الأصلي كما في المعاجم اللغويَّة , اتّخَذَه عِشّا يبيض فيه وكلمة ((عَشَّشَ )) خاصة بالطير, يقال كما في المعجم الوسيط: عَشَّشَ الطائر: اتَّخّذَ .

لكنَّ التعبير آنف الذكر صار تعبيرا اصطلاحيا , فخرج من معناه الأصلي إلى ذلك المعنى البلاغي , وجرى مجرى المثل , وشاع استعماله بهذا المعنى فالمراد : ملأه بالغَيّ وهو الضلال والفساد , وأصبحت كلمة العشعشة تثير فينا مواجع وحسرات عندما تذكرنا كيف نخر الفساد جسد العراق بعد 2003 , وكيف شهد العراق تحولًا جذريًا لم يكن مقتصرًا على الجانب السياسي فحسب , بل امتد ليشمل نسيج المجتمع والدولة , تاركًا وراءه تركة ثقيلة من التحديات , لعل أبرز هذه التحديات , إن لم يكن أخطرها , هو الفساد الذي (( تعشعش )) في كل مفاصل الدولة , وتحوّل من ظاهرة فردية إلى منظومة معقدة نخرت جسد العراق من الداخل , ويمكننا استخدام كلمة (( العشعشة )) هنا ليس فقط لوصف التغلغل العميق للفساد , بل لتصوير كيفية بناء هذه المنظومة الفاسدة لنفسها (( أعشاشًا )) محصنة في كل زاوية وركن من مؤسسات الدولة , فكما تبني الطيور أعشاشها لتأوي فيها فراخها وتحميها , بنى الفاسدون شبكاتهم لضمان استمرارية سرقاتهم وحماية أنفسهم من المحاسبة.

قبل عام 2003 , كان الفساد موجودًا في العراق , ولكن طبيعته وأبعاده تغيرت بشكل كبير بعد ذلك التاريخ , فمع انهيار الدولة المركزية وبروز قوى سياسية جديدة , أصبحت العملية السياسية مرتعًا خصبًا للمحسوبية والزبائنية , تحولت المناصب الحكومية , من أدناها إلى أعلاها , غنائم تُقسّم بين الكتل والأحزاب , لا على أساس الكفاءة والنزاهة , بل على أساس الولاء والمصلحة , وهكذا (( عشعش )) الفساد في وزارة الكهرباء , فبقيت أزمة الكهرباء مستعصية رغم المليارات التي صُرفت , وعشعش في وزارة النفط , فتحوّلت ثروة العراق النفطية إلى مصادر إثراء غير مشروع لجيوب المتنفذين , وعشعش في مشاريع الإعمار, فباتت الجسور والطرقات مجرد هياكل متصدعة تبتلع أموالاً طائلة دون إنجاز يذكر, بل عشعش حتى في أبسط الخدمات المقدمة للمواطن , كالصحة والتعليم , مما أثر بشكل مباشر على جودة حياة العراقيين.

إن آثار هذه (( العشعشة )) المدمرة تتجاوز الأرقام الفلكية للأموال المنهوبة , فقد قوّضت الثقة بين المواطن والدولة , وأدت إلى تراجع الخدمات بشكل كارثي , وعرقلت التنمية الاقتصادية , وزادت من معاناة العراقيين الذين يرزحون تحت وطأة الفقر والبطالة , الأدهى من ذلك , أن الفساد أصبح محركًا أساسيًا للصراعات السياسية والاجتماعية , حيث تتنافس القوى على النفوذ لزيادة حصتها من الكعكة المنهوبة , مما يهدد استقرار البلاد برمته , لقد أصبح تحدي مكافحة الفساد في العراق أشبه بمعركة وجود , فمنظومة (( العشعشة )) ليست مجرد أفراد فاسدين , بل هي شبكات معقدة ومتغلغلة , تملك من القوة والنفوذ ما يجعل تفكيكها مهمة شاقة للغاية , ومع ذلك , فإن مستقبل العراق يعتمد بشكل كبير على قدرة أبنائه على اقتلاع هذه الأعشاش المدمرة , واستعادة مؤسسات الدولة من براثن الفاسدين .

بالمناسبة يعد (( التعشيش )) أمرا شائعا وغريزة لدى النساء الحوامل قبل الولادة , ويعرف  بمتلازمة التعشيش , وهو انفجار الطاقة لدى معظم النساء في الأسابيع القليلة الأخيرة من الحمل التي تلهمهن تنظيف المنزل وتنظيمه استعدادا لوصول الطفل ,ومن الشائع أن تقوم النساء بعمل مضاعف من خلال (( التنظيف العميق )) في تلك المرحلة , الذي يتضمن تنظيف الخزانات , وغسل السجاد وتجهيز الطعام وتنظيم الثلاجة وإعداد ملابس ومستلزمات الطفل الجديد , وحسب استشاري أمراض النساء والولادة , أن متلازمة التعشيش أمر منتشر في الثقافات العربية , بشكل أكثر وضوحا من الغربية , موضحا : (( يعد تنظيف البيت وإعداده جزءا أساسيا من اهتمامات المرأة العربية , وعندما تكون حاملا تدرك أن رعاية الطفل تستغرق الكثير من الوقت والطاقة , وتريد أن يكون كل شيء جاهزا قبل وصول الطفل , جزء من التعشيش من أجل الاطمئنان والاستعداد والسيطرة على بيئة المولود الجديد , وجزء آخر يرتبط بالترقب والسعادة في انتظاره )) .

كتب المدعو ابو شامخ فضل علي الدروبي في ملتقى قبايل اليمن : ((  العشعشه وقت الشدايد ماتجوز, خيره عليك ياورع خف العشعشه , لا تربش افكاري وتلذع لي فيوزاحذر تصدق هرجهم والوشوشه , هم غيرو كلمة مروري والرموز واخفيت ضهورك عننا والدردشه , كبيرهم كذاب وعذراهم عجوز حق النكت ياصاحبي والخيوشه , ردودي اسرع من صواريخ الكروز اهز خصمي والصليات ترعشه , مناجمي غير المناجم والكنوز في نادي الترفيه افرفش فرفشه )) .

أحدث المقالات

أحدث المقالات