يعيد صاحبي تذكيرنا بأغنية حميد منصور من زمن السبعينات المتألق (( اعذرني ولا تزعل )) ,التي كتبها فائق عبد الجليل , ولحنها طالب القرغولي , (( اعذرني ولا تزعل ..اذا مريت .. متشوگـ امر واسأل وازور البيت …احلف لك واكَول .. لشوفتك مشتاگـولدروبك انا ودتني الاشواگـ اعذرني ولا تزعل..متعنّي اشوف عينك وارد ردود يا ريحة هلي وينك انا اشوفك كود حاولت امتنع .. واخفف الجيّات من زود الولع .. اسهى وامر بسكات واحلف لك واگـول .. لشوفتك مشتاگـ ولدروبك انا ودتني الاشواگـ اعذرني ولا تزعل يا احلى واجمل طيف .. نوِر دنيتيواحسبني جيتك ظيف ..وانطر شوفتي وشبيدي على گـلبي .. يحب ملگـاك لو بعد السما بعدك .. اتعنى وياك احلف لك واگـول .. لشوفتك مشتاگـ ولدروبك انا ودتني الاشواگـ اعذرني ولا تزعل )) , اغنية عذبة تستوجب المناغاة .
اَلْكَلِمَاتُ مَادَّةٌ لَيِّنَةٌ فِي يَدِ اَلشَّاعِر يُعِيدُ تَشْكِيلَهَا حَتَّى تَنْبِضَ بِالْحَيَاة , وكَمَا يَعْكِسُ الْمَاءُ وَجْهَ الشَّاعِر تَعْكِسُ الْقَصِيدَةُ رُوحَه , كما ان الشعر الشعبي يتيح مساحة أوسع للتعبير عما بين الحنايا : (( هيه مو شغلة ضعف لا والرسول , المشكله بگلبي يحن كلش اله هواااي عذبني بكثر عشك اليتيم , من يحن لـ أمه ويحس مترد اله , بس شسوي گليبي من يحب عجيب ينبض بصدري ويدك كلهن اله )) , أو : ((على هموم البعد عودنه الكلوب , وعلى حبل الصبر مشينه حبنه , وتعلمنه الحزن والدمع والنوح ,وزرعنه الطيب بدروب اليحبنه , يامحبوبي العشك مو كلمه تنكال , ولاكلمة احبك سهله عدنه , هاي الناس حبها بس بالوجوه , واحنه بلكلب ورد عشكنه )) .
شهدنا في مرحلة السبعينات تيارا أدبيا يضم واقعا سحريا , يَجْمَع بَين الواقعِ والخَيالِ ضِمْن إطار إبداعي , يَلِد نَفْسَه بِنَفْسِه , ويتكاثر في آلِيَّاتِ الفِعْلِ الإبداعي , وأدواتِ التَّعبير الفَنِّي , فتنتقل الاستعاراتُ البصرية مِن المَلَلِ المَحصورِ في النظام الواقعي المادي الاستهلاكي إلى الدَّهشةِ الباعثةِ للأحلامِ المَكبوتةِ والذكرياتِ المَنسيَّةِ والرَّغَبَاتِ المَقموعة , فَيُصبح الواقعُ الساكنُ وقائعَ عجائبية مُتحركة شكلًا ومَضمونًا , (( حبيتك حب لهفه بلهفه , حبيتك حب روح بروح , خيرتك واليهوى بكيفه , تريد تظل تريد تروح , لاشوقك ينساه البال , ولا حبك غير هالحال , ولا تقدر تنساك الروح , تريد تظل تريد تروح , يا مرافق صغري وايامي , ومعاشر صحوي واحلامي , شلون الحاجب ينسى العين وشيفارق ولفين ثنين ,
لو جانوا فد نيه وروح تريد تظل تريد تروح )) .
يُصبح العملُ الأدبي عمليةَ حَفْرٍ في الأحلامِ الورديةِ والحُلُولِ السِّحْريةِ في رُوحِ الزمنِ وجَسَدِ المكانِ , لذلك , كانت الثقافةُ الحقيقيةُ هِيَ زَمَنَ الخَلاصِ والتعبير الصادق عن المكنونات , وإذا كانَ الإنسانُ هُوَ الساحرَ الذي يُنَقِّب عَن وجهته , ويَبحَث عَن الأحلامِ الوَرديةِ في واقعِ أفق الحياة , فإنَّ الواقعية السِّحرية هي انقلابُ السِّحْرِ على الساحر , لأنَّ الهدفَ مِنْه هُوَ إحلالُ الحِبْ مَكانَ الحرمان , وتَتويجُ ألأغاني وألألحان سَيْفًا على الأوهامِ , وها هو عريان سيد خلف يكتب : (( تعال إشكد أطلبك ليل ,عيوني بعازة الملگة )) , (( ما مش شوك جاسك؟ )) , (( جم شمس وديت…ومباوس ضوه …وبعدك مغيم )) , (( مدري يا شيطان بيه اليشتهيك )) , (( والمشتاكلك …. شيسوي وأيشوفك ؟ شيخلي أعله عينه ويحضن طيوفك ؟ )) , (( أوشل كل نده بروحي , اذا يوم العطش جاسك , أريد أدثر بصوتك , واحوك سوالفك جرجف , وأموت نعاس )) .
استطاع الشاعرالسبعيني تطويع المفردة العراقية الخالصة في صور شعرية عبّرت عن وجدان الشعب العراقي , وقد وجهت أغاني السبعينات أبياتاً شعرية , كانت أشبه بالرسائل المتنوعة , التي حملت أسلوباً شعرياً , استطاعت من خلالها أن تتوجه بها إلى أصحاب الذائقة الشعرية , في مفردات عذبة , تخاطب الوجدان , ما جعل ألأغاني ذات لغة شعرية قوية , اتسمت بالحداثية , التي تحمل في لغتها شحنات ذات دلالة عميقة , تستطيع من خلالها الغوص في مستويات من عمق التعبير, على نحو ما تعكسه التجربة الشعرية , وبلوغها لمستوى راقٍ من الإبداع , تخييلا وتصويرا وإيحاء , ((يلتمن عليه مشتتات البال , وانفضهن نفض وانهض ولا جني , لا غرني المدح بشفاف المحبين ,وما همني الشامتة شما حجوا عني , وليت وعف ضميري وما كسرت العود , ولسن شبه إلزلم بالعن سبني )) .
بعيونك الحلوه بحر, غابات واشجار اوصور, والنظره البعينه دفو لو صوبت رشة مطر.
نجمات تتغامز فرح بالشفه لو گالت شعر , البحه البصوته غوه واحروف تتناثر عطر.
مثل الشمس لو مر يشع والوجه چن فلعة گمرالرصعه البخده ضوه بالحنه معجون الشعر.
امنمنم او كلش ترف , وابرقته ورد او زهر , ردت اوصفه حار الوصف وبشوفته يغشي البصر.