المدخلات التي تساهم في لا استقرارية النظام الدولي: –
توجد هناك جملة من العوامل التي يمكن اعتبارها مدخلات اضطرابيه في مراحل تاريخية معينة أسهمت في لا استقرارية النظام الدولي. ومن بين أكثر العوامل زعزعة للاستقرار الدولي هو اتجاه بعض القوى الأعضاء في النظام الدولي أحداث تغييرات بمعدلات مختلفة نتيجة للتطورات الاقتصادية والسياسية والتقنية. وسنأتي إلى شرح موجز لأهم وأبرز المدخلات التي تُسهم في لا استقرارية النظام الدولي.
1.الهاجس الأمني ومدرك الكلفة/المنفعة.
ويرتبط هذا العامل بتوفر المواد الأولية في متناول النخب الحاكمة،والذي يمثل عملا ديناميكيا في النظام الدولي. فالنخب الحاكمة ذات الطابع العدواني، قد تضطر إلى اتخاذ قرارات وإتباع أنماط سلوكية ذات طبيعة عدوانية ضد دول مجاورة لها، الغرض منها لتأمين أهداف محددة. من الناحية الأخرى هناك دول تسعى إلى فرض سيطرتها على تلك الجوانب في النظام الدولي عندما تشعر إن تلك السيطرة تخدم مصالحها. وهذا يتوقف على تصورات وحسابات صناع القرار السياسي والتكاليف الواجب دفعها والمنافع التي من الممكن الحصول عليها من جراء تغيير النظام الدولي.
2.المتغيرات التقنية –العسكرية.
تمثل التطورات في أساليب التنظيم والتقنيات العسكرية إحدىالمتغيرات المهمة في عملية تغيير النظام الدولي. إذ إن التطور التقني والتكنولوجي الذي تحققه بعض الدول وتحديدا الدول التي لها تاريخ طويل من العداءات نحو قيام بعمل عدواني على دولة مجاورة لها وفرض إرادتها، حيث إن امتلاك قوة عسكرية كبيرة خلق لهذه الدول دافعا على التوسع وتغيير النظام الدولي. في الوقت نفسه لم يعد تطوير القدرات العسكرية في الدول الكبرى وآلتها التدميرية ضامنا لبقائها في مرتبة متقدمة على سلم القوى الدولي،أو لقدرتها على تحقيق أهدافها على النحو المطلوب، بيد أن تطور النظام الدولي قد حمل في طياته، تغيرات شتى على كافة المستويات، بما في ذلك ترتيب وتصنيف الفاعلين الرئيسيين على الساحة الدولية وطبيعة علاقات القوة فيما بينهم، ومن ثم برز فاعلون دوليون مؤثرون فوق مستوى الدول كالمنظمات الدولية، حيث كان لمثل هذه المنظمات الدولية وكذا الشركات العالمية متعددة الجنسية أو حتى الجماعات والمنظمات ذات الامتدادات والتفريعات دولية الطابع دورا محوريا ومؤثرا على الساحة الدولية على نحو دفع بمنظريالعلاقات الدولية إلى البحث والتمحيص من أجل صياغة نظرية جديدة تستوعب مثل هذه التطورات وتراعى دور هؤلاء الفاعلين الدوليين الجدد، بل وتعيد النظر في مدى فاعلية و جاهزية القوة العسكرية كآلية مثلى لحسم الصراعات وتحقيق أهداف السياسة الخارجية للدول.
في السياق ذاته، فقد أفرز التاريخ نماذج عديدة لفشل القوة العسكرية وحدها في بلوغ الغايات والتطلعات الاستراتيجية للقوى الكبرى، حيث تجلت أولها حينما أخفقت الولايات المتحدة الأمريكية في فرض سيطرتها على فيتنام خلال الستينات والسبعينات من القرن الماضي، بعد حرب عنيفة استخدمت واشنطن فيها كل ما كان لها من قوة عسكرية وإرادة في القتل والدمار ماعدا القوة النووية. وعلى الرغم من هزيمة أمريكا في فيتنام وانكشاف تراجع فاعلية القوة العسكرية، إلا إن الاتحاد السوفيتي الذي كان يمثل القوة العظمى الأخرى في ذلك الوقت لم يتعظ من التجربة الأمريكية، وقام بتكرارها في ثمانينات القرن الماضي في أفغانستان، وقد مُني بنفس النتائج. وفي عام 1982م قامت إسرائيل بغزو لبنان وذلك بهدف القضاء على منظمة التحرير الفلسطينية، وفرض تسوية مجحفة للصراع العربي الإسرائيلي على العرب، إلا إن المغامرة الإسرائيلية لم تكن أفضل بكثير من مغامرة أمريكا في فيتنام والاتحاد السوفيتي في أفغانستان.
بالمقابل كان للتقدم الذي أحرزته الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي بعد الحرب العالمية الثانية في مجال التسلح والتطور التكنولوجي في تصنيع ترسانة كبيرة من الأسلحة النووية عاملا مهما في النظام الدولي، حيث لعب السلاح النووي دورا أساسيا في تقييد المتغير العسكري كأحد أدوات تنفيذ السياسة الخارجية وفرض قيودا صارمة على القوى الرئيسية في النظام الدولي وتقييد حركتها لأية حرب نووية، لأن هذه الحرب إذا ما اندلعت كوسيلة للخيار العسكري ستكون سببا مباشرا في دمار شامل للعالم أجمع.
3.المتغيرات الاقتصادية.
تمثل القوة الاقتصادية اليوم وسيلة فائقة الأهمية، حيث يُعد العامل الاقتصادي من أهم العوامل المؤثرة في السياسة الدولية، وترتبطالقدرة الاقتصادية بعدد هائل من الوسائل والأنشطة الخاصة بالتصدير والاستيراد والسلع والخدمات. من خلال شواهد التاريخ يلاحظ أن أغلب الصراعات التي كانت بين الدول هي صراعات تستهدف الموارد الاقتصادية للدول وثرواتها المعدنية. إذ لايمكن التمييز بين الأسباب الاقتصادية والأسباب السياسية للحرب، فكل نزاع أو تغيير هو في حقيقته نزاع أو تغيير على القوة أو للحفاظ على أقل مستوى مقبول للقدرة أو القوة.
لقد حاول الاتجاه الليبرالي في تفسير ظاهرة عدم استقرار النظام الدولي اعتمادا على درجة التطور الاقتصادي الذي حققته بعض الدول نتيجة للثورة الصناعية في كيفية طرق توزيع القوة واختلاف درجات النمو والتطور الاقتصادي، حيث ترى هذه النظرية أن العيوب التي يعاني منها المجتمع الرأسمالي تتمثل في عدم الاستقرار على الصعيد الدولي. وإلى جانب النظرية الليبرالية هناك النظرية الماركسية-اللينينية، التي أعطت هي الأخرى تفسيرات لظاهرة عدم استقرار النظام الدولي والأسباب الكامنة وراء الحروب وتطور الصراعات الدولية، لاسيما أن جميع النظريات البرجوازية والبرجوازية الصغرى التي تستهدف أسباب الأزمة الاقتصادية العالمية لجأت إلى أسلوب براغماتي أو مبهم.
استاذ الفكر السياسي