لقاء السوداني والجولاني: خيانة وطنية أم حنكة سياسية؟

لقاء السوداني والجولاني: خيانة وطنية أم حنكة سياسية؟

في مشهد يثير الريبة ويشعل الجدل، يتردد في الأوساط السياسية والإعلامية خبر اللقاء في قطر بين رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني واحمد الشرع الرئيس السوري أو زعيم “هيئة تحرير الشام” السورية أبو محمد الجولاني. لقاء يضع القيادة العراقية والشعب العراقي أمام تساؤل جوهري: هل ما يقوم به السوداني يُعد خيانة وطنية تستدعي وقوف الجميع ضده ومنعه من الترشح لولاية ثانية؟ أم أنها خطوة جريئة تنمّ عن حنكة سياسية هدفها حماية الأمن العراقي وتوسيع نفوذ بغداد في ملفات إقليمية حساسة؟
#من هو الجولاني؟ ولماذا اللقاء معه يثير الغضب؟
الرئيس السوري احمد الشرع أو أبو محمد الجولاني، كان سابقًا أحد أبرز قادة تنظيم “جبهة النصرة” التابعة لتنظيم القاعدة في سوريا، ولا يزال مطلوباً على الساحة الدولية بتهم تتعلق بالإرهاب وجرائم ضد الإنسانية. يُنظر إليه في العراق كرمز من رموز الفوضى والإرهاب، خصوصاً أن الحدود العراقية-السورية لطالما كانت ممراً للجماعات المتشددة التي حصدت أرواح الآلاف من العراقيين، مدنيين وعسكريين.
إن لقاء رئيس وزراء العراق مع شخصية كهذه، مهما كانت أسبابه، يُفسره كثيرون على أنه تنازل مرفوض وتطبيع مع الإرهاب، بل ويذهب البعض لوصفه بـ”الطعنة” في ظهر تضحيات العراقيين.
#السياق السياسي: قطر وسياسة تدوير الأدوار
 لطالما قطر تبنّت دور الوسيط في ملفات إقليمية معقدة، قد تكون هي من رعت هذا اللقاء في إطار ترتيب تسويات في الشمال السوري. الجولاني، الذي يسعى لتجميل صورته داخلياً وخارجياً، وجد في الحوار مع مسؤولين كبار من دول الجوار وسيلة للشرعنة والتموضع السياسي. أما السوداني، فربما نظر إلى اللقاء كفرصة لفتح قنوات تفاهم، تحاصر التهديدات القادمة وتقلص دور القوى المتدخلة في الملف السوري.
لكن السؤال الأهم يبقى: هل يحق لرئيس الوزراء أن يتخذ قرارًا بهذا الحجم دون الرجوع إلى مؤسسات الدولة؟ وهل مصلحة العراق تُخدم بالحوار مع المطلوبين دولياً، أم أن هذا يضر بسمعة العراق السيادية والأخلاقية؟
#حنكة أم خيانة؟ تقييم وطني لا حزبي
إذا كان الهدف من اللقاء حماية حدود العراق، أو الضغط على الفصائل لعدم تهديد الأمن العراقي، فقد يرى البعض في هذا اللقاء بُعداً استراتيجياً يجب تقييمه بموضوعية. فالسوداني ليس أول زعيم يتعامل مع جهات مثيرة للجدل، وهناك سوابق عديدة في التاريخ الحديث تتفاوض فيها الدول مع خصومها أو حتى أعدائها.
لكن في المقابل، على السوداني أن يدرك أن شرعيته في الداخل لا تُبنى على الصفقات الخارجية فقط، بل على احترام الدم العراقي، واستشارة القوى الوطنية، وبناء توافقات داخلية. وأي تحرك منفرد مع شخصيات متطرفة، دون شفافية، قد يُفهم كاستغلال للسلطة أو كتنازل عن المبادئ، وهذا ما قد يُبرر مطالبات بسحب الثقة أو رفض تجديد ولايته.
#هل يستحق السوداني دورة ثانية؟
هذا السؤال بات مطروحاً بقوة، خاصة بعد هذه الخطوة المثيرة للجدل. البعض يرى أن ما قدمه السوداني خلال ولايته من إنجازات لا يُمكن تجاهله، وأن السياسة تتطلب قرارات صعبة لا يُرضي فيها الزعيم الجميع. بينما يرى آخرون أن مبدأ التعامل مع شخصيات إرهابية هو خط أحمر، وأي تجاوز له يُسقط الثقة، ويستوجب وقوف القوى الوطنية والمجتمعية لرفض التجديد له.
#خاتمة:
بين الخيانة والحنكة، هناك خيط رفيع اسمه “الشفافية والمصلحة الوطنية”. وإذا كان لقاء السوداني بالشرع بهذه الجدلية ، فإن على القيادة العراقية أن تطالب بتوضيح علني، وأن تخضع القرار للمساءلة. فالعراق اليوم لا يحتاج قرارات منفردة، بل قيادة حقيقية جامعة تتجاوز اخطاء الماضي تعي أن الدم العراقي لا يمكن أن يُساوَم، حتى بأسم الواقعية السياسية.

أحدث المقالات

أحدث المقالات