27 ديسمبر، 2024 12:52 ص

كلمة ضياء السعداوي بتأبين وفاة المرحوم/ المفكر والباحث والكاتب والمحامي علاء الدين صادق الأعرجي

كلمة ضياء السعداوي بتأبين وفاة المرحوم/ المفكر والباحث والكاتب والمحامي علاء الدين صادق الأعرجي

الى جميع الأخوة والأخوات وعائلة المرحوم علاء الأعرجي وأصدقائه ومحبيه ومعارفه والمثقفين والمؤمنيين بمدرسة العقل والعدل أقدم لكم بالغ الحزن والأسى خبر رحيل الأخ والصديق وأحد فرسان الفكر والثقافة والعقل والعدل وعلم وقامة كبيرة من أعلام العراق العلمية والفكرية ( والذي مع شديد الأسف لم يحصل ويلقى المستوى الذي يستحقه بجدارة لما قدمه على مستوى الأعلام من جليل عمله وعطائه الفكري والإنساني عبر رحلة أمتدت إلى أكثر من تسعين عاما من النشاط الوطني والسياسي والفكري والحقوقي وفي البحث والكتابة ). حيث رحل عنا المرحوم علاء ألأعرجي يوم الخميس المصادف 2021/12/16 بولاية نيوجرسي الأمريكية الأستاذ المرحوم المفكر علاء الأعرجي و هو من نخبة المفكرين الرواد من حملة شعلة التنوير لحجب الظلام وتجاوز نكبة هذه الأمة والمخاطر التي تمر بها والمستقبل المجهول الذي سوف يواجهها. المفكر المرحوم علاء الأعرجي باحث وكاتب عراقي مهموم إشكالية التخلف الحضاري الحالي في الأمة العربية وشملت دراساته العليا في تخصصات عدة منها الفلسفة وعلم الاجتماع والقانون الدولي والعلوم السياسية والإعلام والصحافة في العديد من الجامعات منها بغداد وفرنسا وموسكو وخبير في الأمم المتحدة في التنمية وإدارة الأعمال التجارية والصناعية والمحاماة والقانون الدولي نشر له الكثير من الكتب والأبحاث والمقالات في العديد من المؤتمرات والجامعات ومراكز الأبحاث عبر القنوات الإعلامية المكتوبة والمسموعة والمرئية من صحافة وقنوات تليفزيونية وفكرية أخرى يمتاز بقراءته الهائلة وبتمحص نقدي لألوف الكتب عبر رحلة لأكثر من تسعين عاما من العطاء الفكري البعيد المدى والمتميز. وبالتالي اطلاعه على مختلف الآراء والأفكار والفرضيات ووجهات النظر لمن سبقوه من رواد النهضة والمهتمين بالعقل والفلسفة ولم يكتفي بذلك بل كان حريصآ على التحاور معهم والنقاش مما أثرى نفسه والآخرين عبر هذا الحوار وأحيانا المساجلات الإيجابية والنقد البناء مما أغني الموضوع وسلط أضواء جديدة للاطلاع على الحقيقة من زوايا متعددة أخرى في الصورة. وهكذا ومنذ الأزل كان التطور والتراكم المعرفي والأمتداد الفكري كمثال سقراط وأفلاطون وأرسطو …. والكندي والجاحظ والفارابي وأبن الهيثم وأبن سينا وأبن رشد وأبن خلدون والدكتورعلي الوردي وهِيكّل وماركس ومحمد عبدهُ والشرقاوي وعلي عبدالرازق والمنفلوطي والعلايلي وعلي حرب والعروي وطه حسين والعقاد ونجيب محفوظ ومحمود شلتوت وحسن حنفي والعشماوي ومالك بن نبي ونصر حامد ودكتور خليل عبد الكريم ومحمد حسنين هيكل ومصطفى الشكعة والمستشار عبده ماهر وأسلام البحيري وعيد الورداني أمليل وبرهان غليون ومحمد أركون وهشام الجعيد وهشام صالح وعزيز العظمة والقصيمي وحسن فرحان المالكي وعبدالحميد أبو سليمان ومحمد جابر الأنصاري وعبدالرزاق الحسني ومير بصري ومحمد باقر الصدر وسيد قطب وجمال البنا وطه باقر وسليم مطر ومحمد محفوظ والدكتور خيرالدين حسيب وطه عبدالرحمن والطيب صالح وفرج فودة وزكي نجيب ود. محمد شحرور وسلامة موسي وهشام شرابي والدكتور محمد عابد الجابري وجورج طرابيشي وغيرهم الكثير وآخيرآ وليس آخرآ المرحوم علاء الأعرجي كلهم مصابيح مشرقة في سماءنا العربية للتنوير وهم في مجابهة التخلف والتسلط وألغاء العقل الذي تمارسه السلطات بكل ماتملكه من أسلحة الدولة من قوة ومال وأعلام ووعاظ السلاطين من تجار الدين والأعلام, نعم نحن في معركة وجود أوعدمه بين أن نكون أو لا نكون. ومما يسجل للمفكر المرحوم علاء الأعرجي أنه لم يبخس لأي فهم وفكر أو حق أي مفكر وعلمه ولأن الكمال لله وحده لذا كان تعامله معهم كرجل خبير في الأحجار الكريمة والصائغ الفنان بوضعها في مكانها المناسب وفي أجمل حلة, بذل جهود مضنية في البحث والتنقيب والنقد وبغض النظرعن النتائج مما يدل على مدى أمانته العلمية والحرص على البحث عن الحقيقة وبالتالي عندما نقرأ له نرفد بكنوز معرفية له ومن المعلومات وخلاصات لأفكارالعديد من الفلاسفة والمفكرين والمؤلفين العرب والأجانب مع الأشارة الي المراجع وأمهات الكتب التي أستند اليها. وهؤلاء الرواد كانوا سباقون في فتح باب الأبحار الفكري وبغض النظر عن حكمة القدر بتحديد عمر الأنسان وتوقفه عن الأبحار … ولكنهم فتحوا الآفاق والآمال للآخرين لمواصلة الأبحار والرحلة حتي الوصول الي شاطئ الأمان والسلامة … مع التبصر بأن هنالك أفكار نؤيدها وأخري نأخذها بتحفظ حيث يجب أن نكون مع الرأي وليس صاحبه وبكل عدالة وموضوعية وبما يقربنا من الحقيقة.

وهذا الموضوع المهم والخطير سبق وأن تناولناه وناقشناه من زوايا أخرى في ندوات مكتبة الحكمة في منطقة واشنطن ضمن مقالات صاحبها ضياء السعداوي وهو الرهان علي عودة الروح الي الجسد العربي وعقله بمنطق ووعي وكلنا أمل في أستمرار هذا المشروع ليكون حافزآ أضافيآ للمفكرين والمؤسسات ذات الأختصاص بعد أن وصلنا وأمتنا هذا اليوم الي حالة من الأحباط المعنوي والسبات المعرفي … وأين موقعنا من باقي الشعوب والأمم المتحضرة في كافة المجالات العلمية والأنسانية فكان هذا الرهان على عودة الروح الي الجسد العربي بالرغم من أصرار العديد من الأطراف على موته .. وذلك لأنه ليس أمامنا خيار فأما الأستسلام للأنقراض كما يقول العديد من المفكرين ومنهم الأستاذ المرحوم علاء الأعرجي ولأنه كذلك القانون الطبيعي للحياة حيث البقاء فيه للأصلح والأقوى حضاريآ ولكن وبالرغم من ذلك الحضارة بدون صلاح وعدل تبقى منقوصة مصيرها الزوال والتآكل الداخلي أيضآ. وكما يقول المؤرخ أرنولد توينبي )]أنه عبر التاريخ كانت هناك 21 حضارة أنقرض منها 14 حضارة منها الحضارات القديمة كحضارات وادي الرافدين والفراعنة والأغريق والرومان وغيرها, وبقيت منها 7 حضارات منها 6 حضارات في طريقها للأنقراض منها الحضارة العربية الأسلامية علي طريق الأنقراض (أذا لم تتدارك نفسها وفق قوانيين التطور الحضاري النهضوي) أما الحضارة 7 فهي الحضارة الغربية فمصيرها غير معروف لحد الآن ]. وهنا نقول أن التمكن من القوة والعلم والمادة لا تعني حضارة كاملة بدون العدل والقيم فهذه أسرائيل لديها كل ذلك وكذلك بعض الدول الكبري ولكنهم لن يكونوا حضارة كاملة بدون عدل حيث ستجد نفسها عندما لا يوجد عدو خارجي ينافسها أو لم تستطيع أن تختلق ذلك العدو الوهمي فأنها عندئذ تبدأ بالأنقراض أيضآ من خلال الصراعات الداخلية والتآكل والأنقراض الذاتي . أن أزمة الأمة العربية الأسلامية لم تكن وليدة اليوم بل وحتى قرون مضت بل هي منذ 1400 عامآ بعد وفاة النبي محمد ( ص) المبكرة نسبيآ لأن الكثير من المسلمين الأوائل لم يستطيعوا أن يتشبعوا بقيم الأسلام الكاملة وبغسل أدران البدوية والعصبية القبلية وبعض مخلفات الجاهلية الأخرى. وكما نري هنالك أمثلة بدوية أخرى تكررت في السقيفة وبعض حروب الردة والفتنة الكبري وآخرها بعد الخلافة الراشدة في تحولها الي ملك عظوظ وعصبية وجاهلية. وبالرغم من وجود ومضات حضارية من العدل في فترة الخلافة الراشدة وخصوصآ فترة الخلفاء أبوبكر وعمر وعلي وبعدها في فترات لاحقة في فترة عمربن عبدالعزيز والمأمون, وذلك في عدم توريث الحكم للأبناء أو الأستيلاء على المال العام والدولة أو منح الأسرة والأبناء الأمتيازات غير الشرعية دون الرعية أو بأستخدام جيش الأمة والدولة لمصالح الحاكم الشخصية والعدل النسبي كما رأينا من أنحراف 180 درجة بعكس أتجاه مسيرة الخلافة الراشدة حيث تم التوريث للأبناء وأصبح مال الدولة ملكآ للحاكم وأسرته ومن يشاء بالفساد وأصبح جيش الأمة رهن لأرادة الحاكم ونزواته وألغاء العدل والعقل نهائيآ من خلال وضع الأحاديث المكذوبة والضعيفة والمشوهه والمنسوبة للنبي (ص) وسنته لأستغلالها لمصالحهم ومآربهم الشخصية وتشويه صورة النبي والأسلام عبر تجار الدين ووعاظ السلاطين وأحتكارهم للأمر وتكفير الآخرين المخالفين لهم وحرق كتبهم والعلامة الفيلسوف أبن رشد أحد الأمثلة لذلك. وأن الومضات الراشدة لم تكن كافية لتغييرالعقلية البدوية والجاهلية لدينا والي يومنا هذا. فمعضلة أمتنا هي ليست في التخلف الحضاري علمآ وتكنولوجيآ وقوةً ولا في السرطان الذي زرع في جسد هذه الأمة منذ عام 1948م أو ما سبق بعد الحرب العالمية الأولي والثانية وأطماع القوي الكبري فيه وخيراته وأقدم من عصر الظلام الذي فرضه العثمانيون على العرب وما قبله من صراعات المماليك وهجمات المغول والتتار والصليبيون أو تفاهات الكثير من خلفاء بني العباس وأقزامهم أو جاهلية الأمويين وبداوتهم كل ذلك وغيره ما كان ليحدث لو تشبع الأنسان العربي بقيم الأسلام أو الأنسانية والضمير مما حصن المواطن قبل الحاكم من أمراض وآفات أجتماعية وقيمية وأخلاقية والتي تعد أول سلم الأوليات في الأنسانية.

فنري مع الأسف أن الأخلاق اليوم تقاس من أقذر منطقة في جسم الأنسان فقط, وأصبح الجنس وملذات الطعام هي الهدف والأولوية وبالتالي أصبح تغييب العقل والعدل والقيم والضمير والصدق والأمانة وعدم الأعتداء غزوآ أو سرقةً أو رشوةً أو خداعآ وتحايلآ وعدم الأخلاص في العمل بالقطاع الخاص والعام وسرقة الفلاح لصاحب الأرض وعدم أنتاجه رغم أستيلائه على كامل الأرض. وهكذا نرى عدم الأخلاص حتى من بعض أصحاب الشهادات بعملهم في مجال المحاماة أو الطب والأقتصاد والتعليم …… الخ وبالتالي وصل الي رجل الدولة من السياسيين والعسكريين ووعاظ الدين والأعلام, فأصبح جسم الأنسان فاقدآ للضمير والمناعة ضد أي موبقة ومرض حتى وصل بالعقل ليختلق الأعذار لهذا السلوك الشائن.. فأصبحت تربة ومعدن هذا الأنسان رخوة ومليئة بالشوائب والأملاح وغير صالحة للبناء أو الأنتاج أو أي عطاء حضاري أو أنساني حيث أن فاقد الشئ لا يعطيه. ولما كان أساس أي بناء هو التربة والتي نصنع منها البلاط كحجر أساس لآي بناء وهو المواطن الفرد ولما كانت هذه البلاطة رخوة وهشة أصبح أي بناء هشآ وهكذا المجتمع والذي يبنى الدول والأوطان والحضارات والتاريخ والأجيال الصلبة التي ترفد بعضها لبناء صرح الأمة. هذه الحقيقة المرة التي بدونها نكون كمثل من يضحك على نفسه بأغنيات التمجد بالسلف والأجداد, ولكن الحقيقة هي وكما قال الشاعر ( ليس الفتي من قال كان أبي بل ها أنا ذا ). ولتكون البداية صحيحة في معرفة الواقع مهما كانت قاسية ومره فالأمل كبير وكبير جدآ, فلدينا كل مقومات النجاح والقفز بخطوات صاروخية لتجاوز كل العقبات فيما لو آمنا بالعقل والعدل والقيم والضمير. والضمير يولد مع فطرة الأنسان ولهذا فهو ينمو مع الأستخدام ويضمر ويموت عند عدم الأستعمال كأي عضو في جسم الأنسان ولكن الخطورة أن بموت الضمير سوف يتحول الأنسان الي وحش بشري وليس أنسان في حين عند موت أو بتر أو ضمور أي عضو آخر في جسم الأنسان كاليد والقدم يبقي البشر أنسان مع توفر الضمير…. ولهذا فأن الضمير هو أقدم من كل الحضارات والثقافات بل هو محصلة للقيم الرفيعة والأخلاق وأن خطي الضمير والذكاء هما خطين متوازيين متطابقين في الأنسان المتحضر وذو القيم فأي أنحراف لخط الذكاء عن الضمير يكون بداية لأنقراض هذا الأنسان وتحوله الي وحش ومسخ بشري وليس أنسان وبالتالي غير مؤهل للبناء الأيجابي للحضارة . وبهذا عند توفر هذا الأنسان بالأمة العربية التي لديها ما لم يتوفر لأي أمة أخري من موقع جغرافي وثروات طبيعية هائلة وموارد بشرية عطشى لمن يقودها بالأتجاه السليم والأمثلة أمامنا كثيرة, فهذه اليابان التي تعرضت الي ضربة نووية لم تتلقاها أي أمة في التاريخ وليس لديها أرض صالحة للزراعة أو حتى موارد أولية ومع ذلك تخطت كل ذلك وهي الآن في أعلى السلم وعندما سئل رئيس وزراء اليابان عن سر نهضتهم قال نحن لا نملك عقول خارقة بل نعتمد علي معادلة بسيطة (علم + أخلاق + عمل = نهضة ) وهكذا الصين والنمورالآسيوية وألمانيا وغيرها …

وأخيرآ أن أختيار الأستاذ المرحوم علاء الأعرجي لعناوين كتبه وأبحاثه لهوالتفاتة ذكية وبتشخيص حكيم يدل علي جوهر الموضوع الذي يتناوله الكتاب, حيث ( أن الكتاب يقرأ من عنوانه ) وأن هذه الكتب كلها تصب في أهتماماته كمفكر عروبي مهموم بالأمة العربية المنكوبة بعدة أمراض حتي وصلت الي العقل العربي وكان همه الأكبر كمثل حكيم طب لابد من أن يشخص الأمراض وبالتالي العلاج وبأي منهما يبدأ العلاج ولذا أصطف مع نخبة المفكرين الأجلاء الذين أعطوا الأولوية للعقل العربي وبالتالي بأنقاذه يكون أنقاذآ لباقى الجسد فكانت كتبه وأبحاثه جلها مركزة على هذا الشأن.

وفي الختام رحمك الله أستاذنا المرحوم علاء الأعرجي ستكون دائمآ وأبدآ معنا وبضمائرنا بفكرك النير وكتبك القيمة ذات المنفعة العامة والجارية لكل الأجيال والباحثين عن الحقيقة.

وشكرآ

مكتبة الحكمة / واشنطن

2021/12/17
———————————————–
Dhiya Al-Saadawi, President and owner
Al-Hikma Bookstore
5627 Columbia Pike
Falls Church, VA 22041, USA
Tel: (703) 820-7500
Fax: (703) 820-7501
www.alhikmabookstore.com
———————————————–
مُرفقان (2)

رسالة واحدة محذوفة في هذه المحادثة. راجع الرسالة أو احذفها نهائيًا.