يتجدد الحديث هذه الأيام عن إعادة تفعيل خط أنابيبالنفط كركوك – بانياس الرابط بين العراق وسوريا، وهومشروع يحمل في طياته أبعاداً اقتصادية وسياسية كبرىلكنه في الوقت نفسه محفوف بعقبات ليست سهلةالتجاوز. نتسائل هنا: هل نحن أمام مشروع قابل للتنفيذعلى أرض الواقع أم أنه سيظل أسير التصريحاتوالاتفاقيات غير المكتملة؟
مشروع ممكن ومفيد
لا يختلف اثنان على أن المشروع يحمل فوائد استراتيجيةكبيرة للعراق وسوريا على حد سواء. فالعراق الذي يعانيمن محدودية منافذ تصدير النفط بحاجة ماسة إلى منفذجديد عبر البحر المتوسط يتيح له تنويع طرق التصديروتقليل المخاطر الجيوسياسية المرتبطة بالموانئ الجنوبيةومضيق هرمز. أما سوريا، فهي ترى في المشروع فرصةلتعزيز اقتصادها المنهك عبر رسوم العبور والحصول علىإمدادات نفطية تسهم في تشغيل مصافيها.
عقبات تعترض التنفيذ
رغم وضوح المكاسب، إلا أن العقبات التي تواجه المشروع ليستقليلة
الإرادة السياسية: يحتاج المشروع إلى قرار سياسي جريء منبغداد ودمشق، مع ضمان توافق داخلي وإقليمي.
الموافقات الدولية: العقوبات المفروضة على سوريا تجعل أي استثماركبير في هذا الخط رهناً بالتفاهم مع المجتمع الدولي أو البحث عنشركاء قادرين على الالتفاف على هذه القيود.
التمويل الضخم: إعادة تأهيل خط متوقف منذ أكثر منعشرين عاماً، وتعرض لأضرار جسيمة يتطلب استثماراتبمليارات الدولارات وهو أمر لا يمكن للعراق أو سورياوحدهما تحمله دون دعم خارجي.
مشروع على الورق؟
في ضوء هذه المعطيات، يظل المشروع في مرحلة (النيةوالدراسة) أكثر من كونه خطة جاهزة للتنفيذ وإذا لم تحلالمعضلات السياسية والاقتصادية والدولية فقد يبقىمجرد عنوان في نشرات الأخبار أو مشروعاً مؤجلاً ينتظرظروفاً أفضل
الفرصة قائمة
مع ذلك، فإن إصرار بغداد ودمشق على طرح المشروعومناقشته يعكس إدراكاً متزايداً لأهميته الاستراتيجيةوإذا ما توافرت الإرادة السياسية وتدخلت أطراف دولية أوإقليمية لدعم التمويل، فإن تحويل الحلم إلى حقيقةسيصبح ممكناً، وسيشكل ذلك تحولاً جوهرياً في موازينالطاقة والنقل في المنطقة
الخاتمة
إن خط كركوك – بانياس ليس مجرد مشروع نفطي، بل هو ورقةاستراتيجية تحمل في طياتها أبعاداً اقتصادية وسياسية عميقةفالعراق بحاجة إلى تنويع طرق تصدير نفطه للحفاظ على استقلالقراره الاقتصادي بعيداً عن ضغوطات الجغرافيا ومخاطر السياسةالدولية. وسوريا بحاجة إلى هذا الخط لتعيد الحياة إلى اقتصادهاوتستعيد شيئاً من موقعها الإقليمي. وبين الطرفين يقف المستقبلمرهوناً بمدى قدرة القيادات على اتخاذ قرارات جريئة، والتغلب علىالقيود الدولية، وتأمين الاستثمارات اللازمة.
قد يبدو المشروع اليوم على الورق، لكن الأهمية التي يمثلها تجعلمنه حلماً مشروعاً يستحق السعي لتحقيقه. فهو ليس خياراً ترفياً،بل ضرورة استراتيجية تعكس مصلحة العراق أولاً، ومصلحة المنطقةبأسرها ثانياً. وربما يكون هذا المشروع هو البوابة التي تعيد للعراقتوازنه النفطي وتمنحه قدرة أكبر على المناورة في سوق الطاقةالعالمية وتعيد لسوريا بعضاً من عافيتها الاقتصادية. وبين الطموحوالواقع، يبقى السؤال: هل يتحول الحلم إلى حقيقة أم يظل معلقاًحتى إشعار آخر ؟