22 ديسمبر، 2024 9:24 ص

قراءة أخرى في وفاة رفسنجاني 

قراءة أخرى في وفاة رفسنجاني 

كما تقول العرب؛ مقتل المرء بين فكيه. وقد تكون تغريدة علي أكبر هاشمي رفسنجاني هي سبب مقتله، هذا ما تتناقله وسائل التواصل الإجتماعي الإيراني. أو لا تكون. فما هي حقيقة الأمر. كنّا قد سمعنا قبل أكثر من نصف عام، وتحديداً في شهر مايس من العام الماضي تغريدة لرفسنجاني يقول؛ ” عالم الغد هو عالم الحوار، وليس عالم الصواريخ”. وهذه التغريدة لم تطلق من عدم، وتتماشى مع رؤية وطريقة تفكير الرجل، فهاشمي رفسنجاني، عرف عنه أنه شخصية برغماتية، يغلب عليها طابع البزار، يتمتع بعقلية تجارية، وهو أحد رموز تيار الإصلاحيتين في إيران. بل قد يكون القائد الفعلي للتيار الإصلاحي من وراء السِتار. وينظر اليه إنه أحد أبرز مؤسسي النظام الإيراني، وعرف عنه ولائه الكبير والمطلق وصداقته للخميني، شغل مناصب متعددة ، منها رئاسة مجلس الشورى الإيراني، ورئاسة القوات المسلحة، قبل أن يكون رئيساً للجمهورية لفترتين رئاسيتين، ومعروف عنه إقتراحه الشهير للخميني الموافقة على إيقاف الحرب العراقية الإيرانية، لنظرته الثاقبة بأنها تخسر، وإن بقاء الحرب سوف لن يَصْب في مصلحة إيران. وآخر منصب له، كان رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام الإيراني.
 فمالذي حدث بعد هذه التغريدة، أن غرد المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، قائلاً؛ ” إذا كانت مقولة عالم الغد هو عالم الحوار، وليس عالم الصواريخ، من غير وعي، فهي ناجمة عن جهل. لكنها إذا جاءت على وعي فهي خيانة للنظام”. فهل إن هاشمي رفسنجاني، وهو ثعلب السياسة الإيرانية في عهدها الحالي، يتكلم عن غير وعي؟ إذن المراد بهذه التغريدة إصدار حكم الموت عليه بخيانة النظام، وهل مثل هاشمي من يخون نظاماً هو من وضع لَبِنات بنائه، وأسس قواعده. فما الحل؟ إن الإقدام على إحالة رفسنجاني بثقله المعروف على القضاء، هو، في حقيقة، الأمرمحاكمة للنظام برمته، ومن يتجرأ على خطوة مثل هذه تزلزل أركان النظام، في وقت عاصف، يضرب أرجاء المنطقة من جهة، وإيران من جهة أخرى، في وقت حرج، على أعتاب تنفيذ الإتفاق النووي الذي كان للإصلاحيين وعلى رأسهم هاشمي رفسنجاني يد في أظهاره، وهناك من الغرب من يتصيد أي هفوة ليلقي الحجة، رغم إن البعض من الإيرانيين، وعلى وجه الخصوص المتشددين، يرى في قبول المرشد له، أن أسموه بسم الإتفاق النووي، تشبيهاً بتجرع سم إيقاف الحرب العراقية الإيرانية. وفِي ضوء هذا الجو المشحون بالإتهامات، وبالتهديدات الصريحة، والضمنية، بالخيانة، وبغيرها، أثارت مواقع إيرانية الشكوك، الى أن موت رفسنجاني كان مفاجئاً، وإنه قد يكون تعرض لحادثة قتل، وليس موتاً طبيعياً، لأن رفسنجاني لم يكن يعاني تدهوراً صحياً، وكان يمارس عمله بشكل طبيعي.وعلى أية حال، وسواءاً كان رفسنجاني قد قتل، كما يشير الى ذلك الإصلاحيون، ومجموعات التواصل الإجتماعي الإيراني. أو أنه قد قضى نحبه بأجله الموعود، نتيجة نوبة قلبية، كما يشير الى ذلك الإعلام الرسمي الإيراني. فأن هاشمي رفسنجاني قد ترك أثراً لا يمكن تجاهله، في رسم معالم ايران ما بعد الشاه، وإنه طيلة عمر النظام وبكل مراحلها، فإن المتابع لا يلتفت الى أي مفصلٍ من مفاصل الدولة، إلا ويجد بصمة رفسنجاني عليه، ولن يستطيع أيٍّ أن يمحو ذلك الأثر.