8 نوفمبر، 2024 9:07 م
Search
Close this search box.

في ذكرى بدر شاكر السياب

في ذكرى بدر شاكر السياب

ضوءْ الاصيل يغيم ، كالحلم الكئيب , على القبور
وآهٍ , كما ابتسم اليتامى ، أو كما بهتتْ شموعْ
في غيهب الذكرى يٌهومَّ ظلٌّهنَّ على دموعْ
والمدرجٌ النائي تهبّ عليه أسراب الطيورِ ،
كالعاصفات السود ، كالأشباح في بيت قديمْ
برزت لترعبْ ساكنيه
من غرفةٍ ظلماءَ فيه . . .
هذه الابيات من المقاطع الاولى لقصيدة السياب ( حفار القبور ) ضمن مجموعته الخالدة أنشودة المطر ، تذكرتها حيث الضباب والثلج يخيمان على العاصمة النرويجية اوسلو ، في هذه الايام القارصة من شدة البرد ..
وما ان اكملت قراءة القصيدة وقبيل ان انتهي منها احسست بانني اتجول في كورنيش البصرة وقريباً من تمثال السياب , لا في سواحل اوسلو الباردة , شعور غريب ادخلني في سعادة غامرة ، ولكن للحظات . فاليكن ذلك وما اجمله .
ان هذه الايام التي تمر علينا هي ذكرى وفاة شاعرنا الكبير بدر شاكر السياب والتي تصادف اليوم 24 / 12/2012 وهي الذكرى الثامنة والاربعين لرحيل السياب بعد رحلة حياة مريرة اتسمت بالكفاح والعطاء الادبي ووضعته في طليعة رواد حركة الشعر العربي الحر . حيث يعد السياب من اوائل الشعراء العرب الذين جددوا في الشعر العربي وأغنوا القصيدة العربية الحديثة ، مع نازك الملائكة وعبد الوهاب البياتي وبلند الحيدر وآخرين . وقد مثلت حياته الغنية بالآلم والعوز والغربة والفراق قمة المعاناة والمأساة الدرامية . وقد عبر عنها الناقد الراحل جبرا ابراهيم جبرا بقوله ” لقد كان في حياة السياب من الدراما شيء كثير. صباه في جيكور ، فقره ، سياساته ، اعتقالاته ، خيباته ، عذابه الابوي الاخير ” . وقد كانت قصائده كلها تؤخذ كمأساة درامية متكاملة . تنمو وتتصاعد نحو ذروه من ذرى التجربة الانسانية الرامزة الى الحياة البشرية في ربع قرن من الزمان مفعم بالاحداث والآلام . . لقد اكد السياب على ان حركة الشعر الحر أكثر من مجرد اصطلاح عروض ، وكتب في عام 1954 قائلاً : ” ان الشعر الحر على اختلاف عدد التفعيلات المتشابهه بين بيت شعري وآخر . . انه بناء فني جديد . واتجاه واقعي جديد جاء ليسحق الميوعة الرومانتيكية وادب الابراج العاجية وجمود الكلاسيكية .
وقد كان السياب في مقدمة الشعراء العرب الذين خاضوا غمار مغامرة تجاوز نظام الاوزان والقافية الواحدة في الشعر العربي الذي تحرر من قيود القافية والوزن .
ولد الشاعر بدر شاكر السياب عام 1926 في قرية صغيرة من قرى البصرة هي قرية” جيكور
التي تعد أشهر قرية في الادب العربي الحديث ، فقد تغنى بها الشاعر وبجدولها الصغير ” بويب” المتفرع من شط العرب ، ووصفها بأنها جنة ذات ” نخيل” وهو الابن الاول لعائلة تمتلك اراضي مزروعة بالنخيل وتحيا حياة لائقة  .
كانت طفولته سعيدة في دار جده والتي تقع على جدول ” بويب ” وكان يحب مراقبة السفن والمراكب وهي تصعد الى البصرة أو تنحدر الى الخليج العربي ، وقد تركت حكايات جدته انطباعات عميقة الاثر في شعر .
اتم الشاعر دراسته الابتدائية في المدرسة المحمودية في ” ابو الخصيب” وعرفت شناشيلها ذات النوافذ الزجاجية الملونة والمزينة بالخشب المحفور بالزخارف العربية ، كما أنهى دراسته الثانوية في مدرسة البصرة وكان من الطلاب المتفوقين وتعد قصيدته ” على الشاطيء” من أقدم قصائده المخطوطة التي عبر فيها عن أساه العميق لضياع الاحلام في قصة حب مطوية !
التحق السياب بدار المعلمين العالية في بغداد ودرس اللغة الانكليزية وبدأ نبوغه يظهر في
بغداد . وقد تأثر السياب بالادب الاوروبي وكان بودلير اول شاعر غربي يتعرف على شعره من خلال ديوانه ” ازهار الشر ” كما كان الشعراء الرومانسيون الانكليز من مصادر الهامة .
وبعد تخرجه عمل في دوائر الدولة لكنه كان يجابه بالفصل والاعتقال بسبب مواقفه الوطنية ، ثم لاحقته لعنة المرض حيث بقي أواخر حياته يتنقل من مشفى الى آخر الى ان اختطفه الموت في 24/12/1964 . ورغم ان حياته لم تمتد طويلاً الا انه ترك وراءه ثروة شعرية أحدثت انعطافاً كبيراً في مسار القصيدة العربية وتمثلت في الدواوين والاثار الادبية التالية :

ا- ازهار ذابلة
ب- أساطير
ج- انشودة المطر
د- المعبد الغريق
ه- شناشيل ابنة الجلبي
و- منزل الاقنان
ز- اقبال
ح- قيثرة الريح
ط- اعاصير
ر- البواكير

لقد لقي ادب السياب اهتماماً كبيراً من قبل النقاد في الوطن العربي والعالم وترجمت قصائده الى مختلف اللغات الاجنبية ، وقدمت على الدراسات النقدية الكثيرة وادرجت قصائده في المناهج التعليمية ونال عدد من الباحثين شهادات عليا لرسائل كتبت عن حياته وقصائده .
فتحية الى مجدد القصيدة العربية الاول مع نازك والبياتي وبلند وسعدي واخرين ، وسنبقى في كل عام من هذه الاعوام الصعبة التي يمّر بها شعبنا العراقي المكابر الصابر على المصائب والويلات منذ اكثر من ثلاثة عقود ومازال ، لكننا سنبقى في كل عام وفي كل مناسبة نمجد أدبائنا وفنانينا ورموزنا العراقية الكبيرة ولن ننساها مهما اوغل الزمن في محنه علينا..

أحدث المقالات