4 أكتوبر، 2024 1:31 ص
Search
Close this search box.

فقير ناشِدٌ هدفه ولا غني لاقٍ حتفه

فقير ناشِدٌ هدفه ولا غني لاقٍ حتفه

ينتج عن تكسر احد البروتينات الموجودة ضمن مكونات غشاء الخلية العصبية عند الإنسان بروتين ( بيتا اميلويد ) , سيشكل هذا تكتلات ليفية تحول دون انتقال الايعازات العصبية بين الخلايا , وهذا ما سيؤدي إلى الإصابة بمرض الألزهايمر, عندها ستقل قدرة الإنسان على الاستيعاب و تدريجيا سيكون عاجزا عن أداء الكثير من الأعمال , عندها سيفقد الإنسان الكثير من القدرات والإمكانات , وهذا يا سادتي ما ندعوه بالاحتضار البطيء , قد يبدو هذا أمراً فردياً وعادياً , لكنه الأهم , كل المفاهيم و المعطيات التي تبدو لنا وكأنها كل شيء _ الكون كله _ سوف تختفي , لأننا فقط ندركها بعقولنا و ما لم ندركها أو نعلم بوجودها فهذا يعني أنها غير موجودة , أي أن دمار هذا الدماغ الصغير يعني دمار العالم .
عندها سيشعر الإنسان بقيمة العقل السليم , العقل القادر على الاختيار , المستطيع فعل ما يشاء , العقل المدرك _نسبياً_ , عندها سيدرك الإنسان أن الحياة التي كانت مبنية على معايير غيره كانت هدراً لإمكانيات هائلة ..
في الوقت التي يبدأ فيه العالم بالدمار _ الذي يبدأ فيه الدماغ بالتلف _ سيتذكر الإنسان أثمن أوقاته , لن يفكر فيما إذا كان الآخرون راضين عن حياته , بل سيفكر فيما إذا كان هو راضياً ..وإن لم يكن فهنا تكمن المأساة , عندها لا فائدة من الندم فلا تبك على الحليب المسكوب ولا تنشد ” ليت الشباب يعود يوماً ” , وأفضل ما يمكنك فعله هو إسداء النصيحة إلى الأصغر منك سناً .
تبدأ المسألة منذ الطفولة , ذلك الوقت الذي تنشأ فيه مبادئنا الأولية و معاييرنا , ربما لن نتمكن من مناداتها بمعاييرنا لأنها في الواقع ليست لنا , بل هي نتاج لما شاهدناه وعايشناه حسب البيئة الصغيرة التي نشأنا فيها , يبدأ الإنسان بتحديد الخاطئ و الصحيح _القضية المعيارية اللامنتهية_ وعندها يبدأ تحكم الآخرين بنا _ في الواقع الآخرين ليسوا شخصاً و ليسوا متآمرين , بل هم مجرد أناس مثلنا وكل واحد منا جزء من ” آخرين خاصة بغيرنا ” _ ويبدأ طريقه بالارتسام أوتوماتيكيا أحيانا وأحيانا جاريا خلف ما يحب _هدفه الشخصي_ , وتعيس الحظ (الشخص الأول) هو نادِمُنا , سيعلم في نهاية المطاف ما أضاعه جراء عدم محاولته الإصغاء إلى صوته الداخلي بدلاً من الإصغاء إلى الغير.
يقول أينشتاين : ” إذا أردت أن تعيش حياة سعيدة أربطها بهدف ولا تربطها بأناس أو أشياء ” . وبالفعل صديقنا النادم الآنف الذكر , هو من ربط حياته بمقاييس و آراء و رغبات غيره من الناس و لم يلتف لرغبته و سخر إرادته _ التي من المفترض أن تكون حرّة _ لخدمة أهداف غيره , وهذا ما جعله تعِس الحياة .
هناك الكثير من القصص الملهمة لشخصيات تخطت العقبات التي وضعت أمامها بغيّة صدها , أبرز مثال على ذلك عالم الفيزياء الشهير الذي توفي مؤخراً “ستيفن هوكينغ” , عندما أصيب ستيفن بمرض التصلب الجانبي الضموري حيث أصيبت الأعصاب الحركية بالضمور التام _ كان مرضا قاتلا بشكل جدي _ تحدى ستيفن المرض , فبدلا من انتهاء حياته بهذا المرض و بدلا من استسلامه كافح وحارب بقوة , وترك إرثا باهرا للبشرية في مجاله , وترك صورة ومثالاً يُحتذى بهما في الكفاح والعيش والتصدي للصعوبات وتحقيق الهدف بغض النظر عن أي شيء . وهناك حكاية “هارلاند ساندرز” رجل الأعمال الكبير الذي رغم تركه الدراسة و رغم كل الصعوبات التي واجهها إلا انه حقق هدفه ويعتبر اليوم مؤسس اكبر المطاعم و أشهرها. وكذلك حكاية “والت ديزني” الذي واجه الكثير من الخسائر لكن بالرغم من ذلك أسس اليوم شيئاً كبيراً بالفعل _بل إمبراطورية كبيرة_ , وغير هؤلاء الكثير من الأمثلة المذهلة للكفاح.
هناك حكاية أخرى في هذا المجال , وهي رواية (الخيميائي) لـ”باولو كويلوا” , والتي تحكي قصة الراعي الاسباني “سانتياغو” الذي يترك عمله المستقر و حياته بحثاً عن حلم راوده بأنه سيجد كنزا قربا من أهرامات مصر, فيلتقي بملك سالم الذي يخبره عن “أسطورته الشخصية” ويحثه على المضي فتبدأ رحلة صديقنا , يتعرض صديقنا للكثير من المصاعب في رحلته , تتم سرقته في مستهل رحلته , لكن يحالفه الحظ فيجد عملا مع العم صاحب متجر البلور قليل الارتياد _وهذا ما يعتبره إشارة_ فيعينه سانتياغو كثيرا وبمساعدته يتحول متجرنا هذا إلى مكان مزدهر بشكل كبير , كذلك نتمكن من رؤية بؤس العم وعدم مضيه في حلمة _المتمثل في الذهاب للحج_ وتخوفه من خوض هذا الشيء الذي يريده خوفا من خسارة دافعه للحياة , وعندما يعرب له سانتياغو عن هدفه يجيبه العم بأن الأمر مقضي وانه من المستحيل أن يجد كنزه و أن الرحلة للأهرامات بعيدة ومستحيلة ويمكن لأي احد أن يبني هرما في حديقته منزله , لكن سانتياغو لا يعبأ بهذا وينطلق ماضياً في دربه حتى يصل إلى الصحراء ويقابل القبائل الموجودة في الواحة ويُسلب ماله مجددا , وعندها يلتقي بالخيميائي الذي يدربه على الاستماع إلى صوت العالم إلى اللغة التي يتكلم بها الكون ( روح العالم ), ثم يكمل دربه ماضيا إلى الأهرامات فيُسلب مرة ثالثة ويكلم اللصوص عن هدفه ليعلم أن كنزه كان قريبا منه جدا , وفي النهاية يجد كنزه وتنتهي هذه المغامرة لتبدأ مغامرة جديدة . شعار هذه الرواية هو ” عندما تحلم بشيء فأن الكون بأسره يطاوعك على تحقيقه ” , وبالفعل الشخص الماضي في دربه هو المُعَاوَن المدفوع .
كل هذه القصص الملهمة تشكل دليلا على أن الناجحين ليسوا من التزموا الجانب الآمن أو من استمعوا إلى الآخرين , بل الناجحين هم من عرفوا أنفسهم , من أصغوا إلى صوتهم , ومن سلكوا دربهم و هم على ثقة مما يريدونه .
كما يقول ونستون تشرشل : ” النجاح ليس نهائياً , و الفشل ليس مصيرياً , بل هي الشجاعة لمواصلة الكفاح “.
والإرادة الحرة الحصول على الرضا الذاتي , هما حق من حقوق الإنسان.
لا تبال يا صديقي بالحال أو بالظروف فهي مجرد أمور وقتيه ولن تكون حجة منطقية لتدمير حياة كاملة كان من الممكن أن تكون أكثر إنتاجا , فالناجح هو من يقوم بعمله بنفسه غير منتظرٍ فرصة أو ظرفا ملائما ..
يقول جورج برنارد شو : ” دائما يلوم الناس الظروف , الناجحون في هذه الحياة هم أناس يقومون في الصباح يبحثون عن فرص مواتية إذا لم يجدوها .. صنعوها ” .

فلا تُمَلِك الناس الآخرين المحيطين بك سلطة عليك , ضع معاييرك وفق منطقك , غامر وعش _حياتك أنت_ فحياتنا فانية قصيرة , هي حياة فانية , صحيح , و لكن لا يمكن تخيل ما يمكن إنجازه بهذه الحياة الصغيرة , فكِّر برد جميل هذا الكوكب الذي أطعمك و أكساك , فكر بمكافئة أشكال الحياة التي منحتك إياها , أشكرهم جميعا , كل تلك النعم , وذلك بالمضي في أهدافك مهما كانت ولا تبال مهما كانت غايتك فما دامت تلك غايتك الصادقة , فهذا يعني أنها الشيء الأكبر والأعظم .
تقول الأم تريزا : ” لا نقوم كلنا بأعمال عظيمة , ولكن يمكننا أن نقوم بأشياء بسيطة للغاية بحب كبير” .
لا خاطئ و لا صحيح فالأمر يعتمد على وجهة النظر التي تنظر منها , مقاييس الناس واعتباراتهم وآراءهم هي مجرد أمور تخصهم ولا دخل لها بحياتنا , لدينا حياة واحدة فقط فدعنا لا نضعها بالقلق من نظرة الآخرين لنا , ثق بأن ذاك الذي يثنيك ويحاول جعلك مخفقاً ما هو إلا شخص غير ناجح ويريد منع الآخرين من النجاح .
حياة واحدة يعيش فيها المرء أسطورته الشخصية أفضل من مئة حياة على الطريق المستقيم , وأثمن ما قد يكون بيد المرء هو ” الإرضاء الذاتي “

أحدث المقالات