27 ديسمبر، 2024 5:47 ص

عودة للازمة في سوريا .. مازال بعض مثقفينا ” يثردون بصف اللَكَن “

عودة للازمة في سوريا .. مازال بعض مثقفينا ” يثردون بصف اللَكَن “

شكرا لموقع كتابات الذي يتيح المجال للاطلاع على طيف واسع من الاتجاهات والافكار، والتفاعل الموضوعي معها ، سلبا او ايجابا لان ذلك يغنيها ولا يفسد للود قضية . وقد تابعت مقالات لاخوة محترمين تناولوا الوضع السوري ، ولكل طرف الحق فيما يقوله من قاعدة قناعاته وتحليلاته . لكن ما اود الاشارة اليه ، وجود مستوى من  “التطييف ” العالي الذي اصبح للاسف فايروسا يتسلل متخقيا بخباثة الى لاوعينا بشكل استفزازي حتى بوجود حصانة ذاتية منه نتيجة للاستقطاب الحاصل على الساحة . وهذا امر له تأثيره السلبي في صحة احكامنا بشان العديد من القضايا ذات الاهتمام  ، وقد يعيقنا عن الرؤية الموضوعية  السليمة للامور وبالتالي يضلنا عن درب الصواب.
   كما نلاحظ الحّدية والشخصانية في النقد عند تناول الراي المخالف بعيدا عن الاريحية العلمية والتقّبل الديمقراطي وبشكل يشرعن للاختلاف والخلاف بعيدا عن الموضوعية العلمية وحتى عن المشتركات الوطنية في بعض الاحيان  .. فان وصل الاستقطاب الطائفي اللاموضوعي الى المثقف الذي هو ضمير الامة وصانع حضارتها  فأقرأ الفاتحة على انصاف المثقفين وانصاف المتعلمين والعامة … فأية قدوة سيحتذون بها ؟
    منطق الاستقطاب هذا يفّوت علينا فرصة الحوار الحضاري لاستجلاء الحقيقة ويجعل نقاشنا عقيما حيث كل واحد لا هم له الا اظهار صحة رأيه وتسفيه الراي الاخر وحتى وصفه بشتى النعوت المخجلة المتداولة في بورصة الشتائم . وتناول قضية شائكة ومصيرية كالازمة الحالية في سوريا بهذا الشكل يشكل استصغارا للعقل وتسطيحا كاريكاتوريا للمشكلة الشائكة التي تتداخل فيها عوامل داخلية واقليمية ودولية عدة.
    ما يجري في سوريا لا علاقة له بالاصطفاف الطائفي الحاصل عندنا ، وان كانت اطراف محلية واقليمية تدفع  به وتصوره كذلك ، لتبرير الاصطفاف الاقليمي والدولي ضد سوريا خدمة لاجندات لا علاقة لها لا من قريب ولا من بعيد بقضية الديمقراطية والحرية التي يتعكز عليها تحالف الاضداد المتجمع ضد سوريا : أخوان مسلمين وسلفيون وقاعدة وحكام خليجيون بقيادة تركية اميركية فرنسية بريطانية …ولا اعرف كيف لحلف الشيطان هذا أن تكون مهمته ملائكية ونبيلة؟
   الناقمون على الدور الايراني في العراق ، اكتشفوا مؤحرا التحالف الايراني السوري فوقفوا ضد النظام الذي تعاملوا معه لسنين واحتضن مئات الاف العراقيين الهاربين من جحيم الديمقراطية الجديدة بغض النظرعن هوياتهم العرقية والمذهبية ، في حين ان هذا التحالف عمره عقود ولم يعترضوا عليه ، وهو تحالف ليس له اية صبغة طائفية وانما هو تحالف مصالح ستراتيجية ، يستفيد كل طرف فيه من اوراق الطرف الاخر لحماية كيانه ومصالحه ، وهو قائم على حسابات مضبوطة على اساس الندية وليس تحالف تابع ومتبوع ، وياليت العراق يستطيع نسج مثل هذه التحالفات في بيئته الاقليمية . وكل من عاش في سوريا تأكد انه ليس هناك اي تأثير ايراني على استقلالية القرار السوري السياسي الداخلي والخارجي . ايران تحتاج سوريا لتعزيز وضعها الاقليمي والتواصل مع حلفائها في لبنان ، وحزب الله لتعزيز وتمويل مقاومته وتقوية وضعه في لبنان ، وسوريا في تامين استقرارها وموازنة علاقاتها الاقليمية وخلق محيط توازن ستراتيجي مع العدو الاسرائيلي لانها لا تستطيع مواجهته مباشرة بسبب التفوق الاسرائيلي الكبير ، خاصة مع انقطاع الدعم العربي .
   الداعمون للنظام السوري فريقان : الاول انتهازي ، كان من اكبر الحاقدين والمعادين للنظام واتهمه بتصدير الارهاب الى العراق ، لكن بعد بدء الازمة تحول 180 درجة ، لا حبا بالنظام بل خوفا من تهديد المد السني المتطرف المهيمن على المقاومة المسلحة  السورية ولئلا يجد نفسه ” يدافع على تخوم بغداد ” كما صرح احدهم  فالدافع للتأييد اذن لا علاقة له بطائفة النظام السوري . الفريق الثاني هو بقية الناس غير المؤدلجة من المثقفين واليساريين والقوميين الذين بغض النظر عن رضاهم أو عدم رضاهم عن النظام، ونحن منهم ، يرون فيما يجري في سوريا ليس حربا ضد نظام ديكتاتوري او طائفي ، بل حربا لتدمير واسقاط الدولة السورية  دورا وتاريخا وتحويل اولويات الصراع في المنطقة باتجاهات بعيدة عن تطلعات الجماهير العربية.. واختصارا تفتيت الهوية العربية انتماءا وشعورا ومصيرا وتفتيت الوطامن العربية على قياس الهويات العنصرية والمذهبية  ضمن خطة ممنهجة لضرب كل نقاط  الثقل والارتكاز العربية بدأت بالعراق ثم مصر ولم يتبق سوى سوريا . لذا فهذا الفريق حريص على سلامة  ووحدة سوريا وقوتها ودورها وليس حرصا على نظام ممكن أن يذهب لكن القادم يبدو انه الطوفان الذي سيغرق الجميع بوحوله .
     من هنا وليس دفاعا عن النظام  نحلل ونفند مسببات الاستقطاب الحاصل . النظام في سوريا علماني ولا دور للمؤسسة الدينية في الحكم، وانما يعتمد على مؤسسات الرئاسة والجيش واجهزة الامن ولم يعرف ولم يمارس الطائفية والاقليات تحضى بحماية تامة من الدولة  وتشارك بفاعلية في الحياة العامة . وبالرغم من امكانات سوريا المتواضعة ، الا ان الدولة تقدم طيفا واسعا من الخدمات الاساسية للمواطن لا تتيسر في دول عربية ومنها العراق الذي ميزانيته اكبر من ميزانية سوريا حوالي 7 مرات رغم ان سكان سوريا 23 مليون .
     نعم يعتمد النظام على القبضة الامنية في السيطرة على البلاد ، لكن أين الغريب في ذلك عن باقي انظمة المنطقة ؟ فهل انظمة الكويت والسعودية وقطر اكثر ديمقراطية وحريصة على حرية الشعب السوري لتمول حربا عالمية ضده ؟ ام هي خدعة لاخفاء اهداف بعيدة تدفع الدولة السورية ثمنها قتلا لابنائها وتدميرا وتفكيكا لبنيتها ، ونسأل من المستفيد من تفكيك سوريا الدولة ؟ هل الشعب السوري ام العربي ؟
   أقول لكل ذي عقل ، هل اصبح الاخوان المسلمون ، بتاريخهم المثقل بالمؤامرات والصفقات والاغتيالات والتعاون مع مخابرات الغرب ، وخرجت من تحت عباءاتهم كل التنظيمات السلفية والتكفيرية والظلامية ، وبجرة قلم ديمقراطيون وملائكة يناضلون من اجل الحرية في سوريا ويستحقون دعم الغرب ، ام هم سينقلوها من عصر العلمنة والنور الى دويلات الطوائف والظلام ؟
   لنفترض ان الاخوان ومشتقاتهم استلموا السلطة ، فاين هو برنامجهم للبناء والتنمية والديمقراطية ، وفي ضوء التشرذم الحاصل في صفوف المعارضة وسيطرة عتاة المتطرفين عليها لا يمكننا ان نتوقع الا اغراق سوريا في فوضى غير خلاقة اين منها فوضى العراق .
    المعارضة السلمية والعلمانية اختفت من المشهد وما موجود من علمانيين ومثقفين في الائتلاف السوري المعارض ما هم الا ديكورات لا تهش ولا تنش ، فالاخوان يسيطرون علة 90% من الائتلاف والتيارات المتشددة منهم اضافة الى تنظيمات القاعدة والسلفية الجهادية تسيطر بصورة شبه تامة على المعارضة المسلحة في ولا تجد في ادبياتالمعارضة  هذه اية اشارة الى حرية وديمقراطية ودولة مدنية ، وانما فقط جهاد واقامة الامارات الاسلامية التي ستكون مقدمة لاقامة دويلات طوائف متناحرة . وسلوكها في الداخل السوري يدل على ظلامية تفكيرها واهدافها بدءا من السيارات المفخخة المتنقلة ، الى اعدام الموالين والاقليات والاسرى بقطع الرأس بالساطور الى تخريب البنى التحتية الى تهجير الاقليات المسيحية وغيرها الى طرد وقتل السنة الذين لا يتجاوبون معهم  . فاي نموذج للدولة سيقيمه هؤلاء ؟ لنترك الشعارات جانبا ولا نفتش عن زوايا مظلمة لتسويق اللامنطق كأن ما ينقصنا هو اقامة دويلة طالبان جديدة في بقعة غالية على كل عربي وعلى تخومنا ، ومن ثم سيفيض فيض ثوريتها ليلهمنا ثورة اخرى في العراق .
  فهل الذي ينتقد النظام الطائفي في العراق ويدعو الى تغييره ، يجيز لنفسه ان يكون مؤيدا لنظام طائفي أشد ظلاما وتخلفا في سوريا ؟ هل نموذج الدولة الدينية المسخ التي يحكمنا فيها الاموات من قبورهم هي الهدف الذي نسعى اليه وندفع ثمنا باهضا من حاضرنا ومستقبلنا ودمائنا له ؟
  عسكرة الصراع لا يتهم فيها النظام فقط الذي لم تعرف اجهزة امنه البيروقراطية والتسلطية التعامل الصحيح مع الحراك الشعبي ، فالقرار كان متخذا من قبل التنظيم العالمي للاخوان المسلمين باسقاط النظام عسكريا وفق حسابات خاطئة بعد ان اسكرهم نجاحهم في تونس ومصر وبدفع من تركيا الاوردوغانية فحددوا فترة 2 – 6 اشهر لبلوغ هدفهم ، وها قد مضت سنتان دون نتيجة ، مما يدل على تفاهة العقول التي تخطط لهم وضيعوا على سوريا فرصة اصلاح داخلي سلمي كان النظام مجبورا عليها بفعل الحراك الشعبي فقادوا سوريا الى خراب لا يساوي ثمن التغيير الذي سيحصل..
   المعارضة تتهم النظام بالفساد / فهل ستأتي بملائكة من السماء ليديروا الدولة ؟ وان كان الموظف غير نزيه والشرطي فاسد  فهل ستستورد بشر غير مدنس من عالم اخر ليحلوا محلهم ، اليس هؤلاء من يتشدقون بالاسلام هم الذين يسرقون ويفسدون في العراق ؟
    المعارضة تتهم النظام بالديكتاتورية ، نعم النظام ديكتاتوري  فهل ستبني هي تعددية ديمقراطية وحرية رأي وهي حتى قبل ان تستلم السلطة مارست سياسة تقطيع الؤوس واعدام الاسرى والانتقام من غير الموالين لها وتهجير الاقليات بعد قتل الكثير منهم وسلب ممتلكاتهم وتفجير المفخخات في الشوارع واطلاق الهاونات على المناطق السكنية التي لا تمشي مع ” ثورتهم ” ؟ وهي لحد الان لم تقدم اية ضمانات للمكونات العنصرية والمذهبية بالعيش الامن ناهيك عن دولة مدنية .
   المعارضة تتهم النظام بقتل الشعب ، فهل النظام يقتل اشباحا او ملائكة ان لم يكن هناك عنف مقابل وقتل مقابل قتل ، وما هي وظيفة الدولة – ان تترك الارهابيين والمسلحين احرارا يجولون في الشوارع ؟  الحقيقة وبعيدا عن فحيح العربية والجزيرة فان كلا الطرفين مشتركان بلعبة الدم . ومن خاض الحروب وخبر قسوة اسلحتها الحديثة يعرف ما تخلفه من دمار ودائما الضحايا من المدنيين اكثر اضعافا من المقاتلين خاصة اذا كانت تدور داخل المدن.
    المعارضة تقول انها تريد اقامة حكم الاغلبية السنية. لقد جربنا حكم الاغلبية الطائفية في العراق ، فماذا كانت النتائج ؟ لا ادري ما الفائدة المرتجاة من حكم يتعكز على الاثارة المذهبية  ومن يدعون تمثيل الاغلبية تنقصهم الرؤية الستراتيجية المتحضرة والخبرة في بناء دولة . ان اغلبية المذاهب تعيدنا قرونا الى الوراء فيما الاغلبية الحضارية والديمقراطية هي الاغلبية الملتزمة ببرنامج سيلسي محدد ينتخبها الشعب وفقا لذلك . وتعالوا نرى من هم الذين يسمون معارضة :
معارضون عاشوا عقودا في الخارج فانفصلت روابطهم بالوطن وهم وعوائلهم بمأمن في الخارج فيما يحرضون على الحرب في الداخل . 
معارضون يسكنون فنادق خمسة نجوم تمولهم دول ويحلمون بالعودة على اشلاء المتقاتلين ليستلموا السلطة وستكون للدول التي مولتهم واستضافتهم دين في اعناقهم .
ماهي الضمانات التي ستقدمها المعارضة للاقليات التي تشكل 35-40 % من الشعب والى ملايين الافراد من منتسبي الجيش والاجهزة الامنية والموظفين والحزبيين وكل من والى النظام او وقف على الحياد والمعتدلين والطبقة الوسطى الذين لم ينساقوا خلف دعوات الاضرابات والتمظهر والانتماء للمعارضة ؟ هل مصيرهم سيكون الاجتثاث الناعم أو بحد السيف  وأغلبيتهم من اهل السنة؟
    أردت من كل ماتقدم بيان أن ما يجري في سوريا من الكفر ربطه بالصراع الدائر بين هلالين شيعي وسني وتحّول الى اخواني وشيعي ، بالرغم من الاشارات الكاذبة التي توحي بذلك . ومن الخطأ الاصطفاف مع الشيطان الاميركي والقطري والسعودي الذي دمر العراق ومصر ويدمر الان سوريا … أي هدم مثلث الحضارات القديمة في المنطقة وكتلة ارتكاز القوة االذي قامت عليه أمتا العرب والاسلام حضارة وتاريخا … واسدال الستار عن اي دور عربي واقليمي فاعل لعواصم الامويين والعباسيين والفاطميين ، لصالح فقه البادية القادم علينا من أتون جهنم بما يحمله من ظلامية وتخلف الذي ادانه الاسلام منذ البداية لانه صورة عن حياة جاء الاسلام لاستبدالها بصورة اكثر حضارة ورقي .
وبالنسبة الى ذوي النوايا الحسنة من العراقيين الذين يتوقعون ان انتصار المعارضة في سوريا سيساعدهم في نضالهم من اجل رفع المظلومية والتهميش عنهم والذي تمارسه حكومة طائفية المنهج ، نقول ان هذا هو الوهم بعينه .  فكل المؤشرات تدل أن موجة تطرف جديدة ستجتاح المناطق السنية ، وسيكون العراق ساحة ” الجهاد ” المستقبلية بدعم من امارات الطوائف السورية الجديدة وجهات اقليميية معروفة …وبالتالي سيصبح العراق مسرحا لاحداث دامية . وسيدفع ذلك غلاة الطائفيين في الطرف المقابل وبدعم حكومي وايراني سري ومعلن الى  رد فعل معاكس بدت تباشيره بظهور جيوش ميليشياوية جديدة والقتال لن يؤدي الى نتيجة غير مزيد من الدماء والدمار .
   تجربتنا العراقية علمتنا قبل ان نقول نعم للتغيير علينا ان نتاكد أن هذا التغيير هو من سينقلنا الى عالم اكثر رقي وتقدم لا ان نسير مع التغيير لمجرد التغيير ثم نكتشف بعد فوات الاوان والخسائر الجسام ضحالة هذا التغيير ونتحسر على الماضي لكن بعد أن ” في الصيف ضيعت اللبن ” . فدعونا لا نتقاتل على خلفية تطورات الاحداث في سوريا ولنتعقل ، وفي حين على المتظاهرين ان لا يعولوا على تطورات الاحداث هناك والالتزام بسلمية المطالب ، فان على الحكومة ان تتعظ من هذه الاحداث وتسعى الى نزع فتيل الازمة سلميا وعدم اعتماد الحل الامني والا وقعت بنفس خطا النظام السوري ، ولتكن حكومة اغلبية سياسية لكل الشعب بدلا من ان تكون حكومة اغلبية لطائفة واحدة من الشعب تم سلبها هي بالذات كل حقوقها ، فماذا استفاد الشيعة من سيطرة من يمثلهم على مقاليد الحكم ؟ وهل نقول حاكم كافر عادل ولا حاكم مسلم جائر …فكل شيء اصبح فيه وجهة نظر … فهل هناك من يتفكَر ؟