26 ديسمبر، 2024 4:43 م

-1-
لا يحق لأحد ان يعترض على حُبّ الوالد لولده ، فتلك غريزة متأصلة في النفوس ، والولد – كما يقال – هو فلذةُ الكبد ، وقرّة العين ….

ولكنّ السؤال الخطير هو :

هل يحقّ للمسؤول ان يتحدث علانية وجهراً عن ابنه وقُدراتِهِ، ويفضلّه على العاملين في أخطر أجهزة الدولة ومؤسساتها، غافلاً عن أن ذلك مُوجب لتقديم الصورة القاتمة التي تخيّب الآمال ، وتضعف حُماة الوطن والمواطنين من الرجال ؟

إنّ اللجوء الى هذا الاسلوب ، المصطبغ بالعواطف المشبوبة ، ليس مما يختاره رجل الدولة الحصيف يقينا .

ومن هنا آثار ما قام به بعض السلطويين إزاء الاطناب بمدح ولده ، ردود فعل رهيبة الآثار والنتائج ، حتى عدّها البعض دليلاً على النرجسية العالية ، التي هي أكبر الآفات التي تقود الى الاستئثار والاستغلال والتعاطي السلبي مع الآخر …

-2-

ولنقارن هذه الصورة الحديثة التي لم يمض عليها زمن طويل – بصورة أخرى ، وقعت في الربع الأول من القرن المنصرم لنجد يكف تكون شخصية رجل الدولة – حَزْماً وموضوعية ، اذا تعلق الأمر بمصلحة الشعب والأمة ، وما هو موقع (الولد) من الإعراب في هذه المسألة الخطيرة ؟

لقد كان الملك فيصل الأول قلقاً على مستقبل ولده (غازي) حتى أنه أخذ

يشك في وجود نقص في قواه العقلية “

يقول ساطع الحصري :

{” إنّ الملك فيصل الأول طلبه الى البلاط الملكي – وكان انذاك مديراً عاماً للمعارف – لأمر يتعلق بابنه وقال له :

تعرف يا ساطع بأني أحبّ أسرتي ،

وأُحبّ ابني غازي …

ولكني أُحبّ أمتي أكثر من أسرتي وأكثر من غازي ….

فاذا كان الأمر حقيقة كذلك ،

واذا كان (غازي) لا يخلو من غباوة ،

فاني سوف لا أتردد في العمل بما يحتمه عليّ الواجب الوطني …

سأجمع مجلس الأمة ، وسأقول :

اني اجعل الأمة في حِلٍّ من ولاية عهد ابني ،

واترك لها الحرية التامة في تقرير ما يجب عمله في هذا الشأن …)

وهنا نلاحظ :

1 – إنّ الملك لم يكتم مخاوفه وقلقه حين رأى أن ولده قد لايكون مؤهلاً لولاية العهد ، فاستدعى الحصري ليفضي اليه بمكنون نفسه .

2 – إنّ حبّ الأمة هو الغالب على قلبه حيث أنه يحبها (أكثر من غازي)

3 – الاستعداد الكامل لاتخاذ كل الاجراءات الدستورية التي تضمن حق الامة بوليّ عهدٍ مؤهل للقيام بواجباته الخطيرة .

-3-

ولقد استمهل (الحصري) الملك ليقوم بعملية اختبار (غازي) اختباراً

يستطيع من خلاله الحكم له أو عليه .

وحين اختبره لم يجده فاقداً للاهلية

راجع القصة مفصلة في كتاب (فيصل الثاني ص26-28 لأحمد فوزي)

-4-

ولا ينبغي لأحد ان ينتزع من هذه المقارنة أننا نفضّل النظام الملكي على غيره ، فلسنا من أنصار الملكية ولكننا من أنصار الوطنية .

-5-

ومما تجدر الاشارة اليه ان الملك (فيصل الاول) حجازي لم يكن مسقط رأسه في العراق ، ولم يكن العراق وطنه الأول ، ولكنه حين تولى الحكم فيه أخلص للشعب العراقي ولمصالح الأمة ، وأضحى حبُّ العراق عنده أكبر من حبه لولده ..!!

بينما (المفتون) بولده ، والصادح بمواهبه ومواقفه ، عراقي مولداً ومنشاً ، ولكنه فضّل ولده على كلّ الآخرين !!

-6-

واخيراً

فاننا ننقل – لمجرد الطُرفة – ما وقع بين أحد كبار الأعلام وبين ثلة من أصحابه العلماء ، حيث قال لهم يوماً :

انني لم أكن أعلم أن ولدي ( فلانا ) قد بلغ درجة عالية من الفضل ، حتى اطلّعتُ على ما كتبه من بحوث قدّمها اليّ مؤخراً . . .

وهنا باغته أحد العلماء الظرفاء من أصحابه بالقول :

إنّ ما قَدّمهُ ولدكم لا يدل على فضل كبير،

وانبهاركم بما قدّم يعني انكم لا

تملكون شيئاً …!!!

وهكذا شاعت هذه النكته في أوساط العلماء .
*[email protected]

أحدث المقالات

أحدث المقالات