انتصرت سيدة السماء بطلة كربلاء ( الحوراء زينب ) على اعتى طواغيت العصر ، في معركة دامية قل مثيلها عبر التاريخ بشتى المجالات، استشهد امامها أهل بيتها لكنها بقيت تلك المرأة القوية كاللبوة في المعركة التي هزمت الاعداء وهي تتحلى في المبادئ والقيم الانسانية اكتسبتها من أبيها وأخيها التي خرج من اجلها الامام الحسين بن علي عليه السلام. كانت اشبه بوزير الإعلام وفضحت زيف الاعداء وكشفت امرهم حتى انقلب الرأي العام عليهم وهم يقدمون اهل بيت النبوة ويصفونهم (بالخوارج و الرافضين) للحكم الاموي البغيض الذي خرج عن ملة الاسلام والمسلمين . تلك الكلمات الشجاعة و الرادعة وهي تقول خطابًا قويًا ومؤثرًا في مجلس يزيد بن معاوية، بعد مقتل أخيها الحسين عليه السلام وأهل بيته في كربلاء. لم تتراجع ولم تخف من الطاغية، بل واجهته بشجاعة وحكمة، وفضحت جرائمه والظلم والجور والاستخفاف بالدين الاسلامي الحنيف أمام الملأ في الشام وفي الكوفة صيحات وكلمات وخطب رنانة كلها اثرت في ملايين الناس وغيرت نظرتهم التي كانت مغلوطة ومنحرفة من قبل أنصار يزيد بن معاوية لعنة الله عليه ، ماذا قالت السيدة زينب في مجلس يزيد حين قال لها كيف رأيتِ فعل الله بأهل بيتك
؟! فقالت : ما رأيت إلا جميلاً ، هؤلاء قوم كتب الله عليهم القتل ، فبرزوا إلى مضاجعهم ، وسيجمع الله بينك وبينهم فتحاجون إليه وتختصمون عنده فانظر لمن الفلج يومئذ ، ثكلتك أمك يابن مرجانة!!. لما وصلت سبايا آل محمد من كربلاء الى الكوفة في الثاني عشر من محرم الحرام ، و هم “أسارى” بعد فاجعة عاشوراء وكان ذلك في الثاني عشر من محرم الحرام روى السيد ابن طاووس ان عبيدالله بن زياد عامل الطاغية يزيد جلس في قصر الامارة وأمر بإحضار رأس الإمام الحسين(ع) بعدما اذن اذناً عاماً فجيء به و وضع بين يديه ، و أدخلت عليه نساء الحسين وصبيانه ، وجاءت زينب ابنة علي (عليهما السلام) وجلست متنكرة ، فسأل : من هذه المتنكرة ؟ فقيل له : هذه زينب ابنة علي ، فأقبل عليها قائلا : الحمد لله الذي فضحكم وأكذب احدوثتكم. فردت عليه عقيلة بني هاشم (عليها السلام) قائلة : الحمد لله الذي أكرمنا بنبيه محمد صلى الله عليه وآله وسلم و طهرنا من الرجس تطهيرا ، وإنما يفتضح الفاسق ويكذب الفاجر ، وهو غيرنا والحمد لله. فقال ابن زياد : كيف رأيت فعل الله بأهل بيتك؟! فقالت : ما رأيت إلا جميلاً ، هؤلاء قوم كتب الله عليهم القتل ، فبرزوا إلى مضاجعهم ، وسيجمع الله بينك وبينهم فتحاجون إليه وتختصمون عنده فانظر لمن الفلج يومئذ ، ثكلتك أمك يابن مرجانة!! فغضب ابن زياد واستشاط ، فقال له عمرو بن حريث : أيها الأمير ، إنها امرأة والمرأة لا تؤاخذ بشيء من منطقها .
فقال ابن زياد : لقد شفى الله قلبي من طاغيتك الحسين والعصاة المردة من أهل بيتك .
فرقّت زينب وبكت وقالت له : لعمري لقد قتلت كهلي ، وقطعت فرعي ، واجتثثت أصلي ، فإن كان هذا شفاؤك فقد اشتفيت.
فقال ابن زياد : هذه سجاعة ، ولعمري لقد كان أبوها سجاعاً شاعراً .
فقالت : يا بن زياد ما للمرأة والسجاعة، وان لي عن السجاعة لشغلاً
ثم التفت ابن زياد إلى الامام علي بن الحسين زين العابدين وقال له : من أنت ؟
فقال : أنا علي بن الحسين.
فقال : أليس الله قد قتل علي بن الحسين؟
فقال علي : قد كان لي أخ يسمى علي بن الحسين ، قتله الناس.
فقال ابن زياد : بل الله قتله.
فقال علي بن الحسين : الله يتوفى الأنفس حين موتها.
فغضب ابن زياد وقال : ولك جرأة على جوابي وفيك بقية للرد علي ؟! إذهبوا به فاضربوا عنقه .
فتعلقت به زينب عمته ، وقالت : يا بن زياد ! حسبك من دمائنا . واعتنقته وقالت : والله لا أفارقه ، فإن قتلته فاقتلني معه. فنظر ابن زياد إليها و إليه ساعة ، ثم قال : عجباً للرحم! والله إني لأظنها ودت أني قتلتها معه ، دعوه فإني أراه لما به . ثم أمر ابن زياد بعلي بن الحسين وأهله فحملوا إلى دار جنب المسجد الأعظم ، فقالت زينب بنت علي : « لا يدخلن علينا عربية إلا أم ولد مملوكة ، فإنهن سبين وقد سبينا. • زينب تعيش في ذلك المكان في ظل والدها أمير المؤمنين ، وهي في أوج العزة والعظمة ، وفي جو مملوء بالعواطف والإحترام ، فيما بين إخوتها وذويها . والآن ! وبعد عشرين سنة أصبحت دار الإمارة مسكناً للدعي بن الدعي عبيد الله بن زياد ، وتبدلت معنويات دار الإمارة مائة بالمائة ، فبعد أن كانت مسكن أولياء الله ، صارت مسكن الد أعداء الله ، وألأم خلق الله . واليوم دخلت السيدة زينب إلى دار الإمارة ، وهي في حالة تختلف عما مضى قبل ذلك. ولما أمر بإحضار رأس الإمام الحسين عليه السلام .. فأحضر و وضع بين يديه ، وجعل ينظر إليه ويتبسم ، وكان بيده قضيب فجعل يضرب به ثناياه!! وكان إلى جانبه رجل من الصحابة يقال له « زيد بن أرقم » ، وكان شيخاً كبيراً ، فلما رآه يفعل ذلك قال له : « إرفع قضيبك عن هاتين الشفتين ، فوالله الذي لا إله إلا هو لقد رأيت ثنايا رسول الله ترتشف ثناياه » ، ثم انتحب وبكى ! ، فقال ابن زياد : أتبكي؟ أبكى الله عينيك ، والله لولا أنك شيخ قد خرفت وذهب عقلك لأضربن عنقك ، فنهض من بين يديه وصار إلى منزله . • خطبة السيدة زينب (ع) في الكوفة و قبل ذلك ، ولما وصلت السبايا الى الكوفة ، خطبت عقيلة بني هاشم زينب ابنة أمير المؤمنين (عليهما السلام) خطبة أوضحت للناس خبث عبيد الله ابن زياد ولؤمه ، بعد ان أومأت الى ذلك الجمع المتراكم فهدؤوا حتى كانّ على رؤوسهم الطير . وليس في وسع العدد الكثير ان يسكن ذلك اللغط او يرد تلك الضوضاء لولا الهيبة الالهية و البهاء المحمدي الذي جلل عقيلة آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) . ويقول الرواي : لما أومأت زينب ابنة علي (عليهما السلام) الى الناس ، سكنت الأنفاس والأجراس ، و عندها اندفعت بخطابها مع طمأنينة نفس ، وثبات جاش، وشجاعة حيدرية ، فقالت عليها السلام :
الحمد لله والصلاة على أبي محمد و آله الطيبين الاخيار، اما بعد يا أهل الكوفة، يا أهل الختل والغدر، أتبكون فلا رقأت الدمعة، ولا هدات الرنة، انما مثلكم كمثل التي نقضت غزلها من بعد قوة انكاثا ً، تتخذون أيمانكم دخلا بينكم، الا وهل فيكم الا الصلف ، و النطف ، و العجب ، و الكذب ، و الشنف ، و ملق الاماء ، و غمز الأعداء ، او كمرعى على دمنة ، او كقصة على ملحودة، ألا بئس ما قدمت لكم انفسكم ان سخط الله عليكم، وفي العذاب انتم خالدون. أ تبكون و تنتحبون ؟؟ ، اي والله فابكوا كثيراً، واضحكوا قليلاً، فلقد ذهبتم بعارها وشنارها ، ولن ترحضوها بغسل بعدها ابداً ، و أنى ترحضون ، قتل سليل خاتم النبوة، ومعدن الرسالة ومدرة حجتكم، ومنار محجتكم، وملاذ خيرتكم، ومفزع نازلتكم. وسيد شباب أهل الجنة الا ساء ما تزرون . فتعساً و نكساً و بعداً لكم وسحقاً، فلقد خاب السعي، وتبت الايدي، وخسرت الصفقة، وبؤتم بغضب من الله ورسوله، وضربت عليكم الذلة والمسكنة.
ويلكم يا أهل الكوفة ، أتدرون أي كبد لرسول الله فريتم ؟ وأي كريمة له أبرزتم؟ وأي دم له سفكتم؟ وأي حرمة له انتهكتم؟؟ لقد جئتم شيئاً اداً، تكاد السماوات يتفطرن منه، وتنشق الأرض، وتخر الجبال هدّاً! ولقد أتيتم بها خرقاء ، شوهاء كطلاع الأرض ، وملء السماء، افعجبتم ان مطرت السماء دماً، ولعذاب الآخرة اخزى وهم لا ينصرون، فلا يستخفنكم المهل، فانه لا يحفزه البدار، ولا يخاف فوت الثار، وان ربكم لبالمرصاد .
فقال لها الإمام السجاد (عليه السلام) : اسكتي يا عمة، فأنت بحمد الله عالمة غير معلمة، فهمة غير مفهمة . فقطعت العقيلة الكلام ، فأدهشت ذلك الجمع المغمور التمويهات والمطامع، واحدث كلامها أيقاظا في الأفئدة ولفتة في البصائر وأخذت خطبتها من القلوب مأخذاً عظيماً وعرفوا عظيم الجناية فلا يدرون ما يصنعون!!
• ماذا جرى بعد ذلك ؟
قال الشيخ المفيد : و لما أصبح عبيد الله بن زياد بعث برأس الحسين عليه السلام فدير به ( أي : طيف به ) في سكك الكوفة كلها وقبائلها.
فروي عـن زيد بن أرقم أنه قال : مر بـه علي وهـو على رمـح وأنا في غرفة لي ، فلما حاذاني سمعته يقرأ : « أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا » . فوقف ـ والله ـ شعري وناديت : رأسك ـ والله ـ يابن رسول الله أعجب وأعجب . وذكر السيد ابن طاووس إن ابن زياد صعد المنبر فحمد الله و أثنى عليه ، وقال في بعض كلامه : « الحمد لله الذي أظهر الحق وأهله ، ونصر أمير المؤمنين يزيد وأشياعه ، وقتل الكذاب بن الكذاب !!
فما زاد على هذا الكلام شيئاً .. حتى قام إليه عبد الله بن عفيف الأزدي ـ وكان من خيار الشيعة وزهادها ، وكانت عينه اليسرى قد ذهبت يوم الجمل ، والأخرى يوم صفين ، وكان يلازم المسجد الأعظم فيصلي فيه إلى الليل ، فقال : يا بن مرجانة! إن الكذاب ابن الكذاب أنت وأبوك ومن استعملك وأبوه ، يا عدو الله! أتقتلون أولاد النبيين وتتكلمون بهذا الكلام على منابر المسلمين ؟!
فغضب ابن زياد وقال : من هذا المتكلم ؟
فقال : أنا المتكلم يا عدو الله ! أتقتل الذرية الطاهرة التي قد أذهب الله عنها الرجس ، وتزعم أنك على دين الإسلام ؟؟ . واغوثاه ! أين أولاد المهاجرين والأنصار ، لينتقمون منك ومن طاغيتك ، اللعين بن اللعين على لسان محمد رسول رب العالمين .
فازداد غضب ابن زياد حتى انتفخت أوداجه ، و قال : علي به ، فتبادرت الجلاوزة من كل ناحية ليأخذوه ، فقامت الأشراف من بني عمه ، فخلصوه من أيدي الجلاوزة وأخرجوه من باب المسجد ، وانطلقوا به إلى منزله . فقال ابن زياد : إذهبوا إلى هذا الأعمى ـ أعمى الأزد ، أعمى الله قلبه كما أعمى عينه ـ فإيتوني به .فانطلقوا إليه ، فلما بلغ ذلك الأزد إجتمعوا واجتمعت معهم قبائل اليمن ليمنعوا صاحبهم . وبلغ ذلك ابن زياد ، فجمع قبائل مضر وضمهم إلى محمد بن الأشعث ، وأمرهم بقتال القوم . فاقتتلوا قتالاً شديداً ، حتى قتل بينهم جماعة من العرب . ووصل أصحاب ابن زياد إلى دار عبد الله بن عفيف ، فكسروا الباب واقتحموا عليه .
فصاحت ابنته : أتاك القوم من حيث تحذر!
فقال : لا عليك ناوليني سيفي ، فناولته إياه ، فجعل يذب عن نفسه ويقول :
أنا ابن ذي الفضل عفيف الطاهر عفيـف شيخي وابن أم عامر
كـم دارع مـن جمعكم و حاسر و بـطـل جـدلتـه مغـاور
وجعلت ابنته تقول : يا أبت ليتني كنت رجلاً أخاصم بين يديك اليوم هؤلاء القوم الفجرة ، قاتلي العترة البررة.
و جعل القوم يدورون عليه من كل جهة ، وهو يذب عن نفسه فلم يقدر عليه أحد ، وكلما جاؤوه من جهة قالت ابنته : يا أبت جاؤوك من جهة كذا ، حتى تكاثروا عليه وأحاطوا به .
فقالت أبنته : واذلاه يحاط بأبي وليس له ناصر يستعين به.
فجعل يدير سيفه ويقول :
أقسم لو يفسح لي عن بصري ضاق عليكم موردي ومصدري
فما زالوا به حتى أخذوه ، ثم حمل فأدخل على ابن زياد.
فلما رآه قال : الحمد لله الذي أخزاك.
فقال له عبد الله بن عفيف : يا عدو الله وبماذا أخزاني الله؟!
والله لو فرج لي عن بصري ضاق عليك موردي ومصدري
فقال له ابن زياد : ماذا تقول ـ يا عبد الله ـ في أمير المؤمنين عثمان بن عفان ؟ فقال : يا عبد بني علاج ، يابن مرجانة ، وشتمه ـ ما أنت وعثمان بن عفان أساء أم أحسن ، وأصلح أم أفسد ، والله تعالى ولي خلقه يقضي بينهم وبين عثمان بالعدل والحق ، ولكن سلني عنك وعن أبيك وعن يزيد وأبيه؟
فقال ابن زياد : والله لا سألتك عن شيء أو تذوق الموت غصة بعد غصة .
فقال عبد الله بن عفيف : الحمد لله رب العالمين ، أما أني قد كنت أسأل الله ربي أن يرزقني الشهادة من قبل أن تلدك أمك ، وسألت الله أن يجعل ذلك على يدي ألعن خلقه ، وأبغضهم إليه ، فلما كف بصري يئست من الشهادة ، و الآن .. فالحمد لله الذي رزقنيها بعد اليأس منها ، وعرفني الإجابة بمنه في قديم دعائي.
فقال ابن زياد : إضربوا عنقه .. فضربت عنقه وصلب في السبخة .
يشار الي ان موكب سبايا أهل البيت (عليهم السلام) ، تحرك في الحادي عشر من محرم الحرام وهو يقطع الصحاري ، حاملاً الذكريات الموحشة والمؤلمة لليلة الفراق والوحشة ، التي قضوها على مقربة من مصارع شهداء عاشوراء في كربلاء . و دخل الركب الكوفة في اليوم الثاني عشر من محرم سنة 61 هـ ، ففزع أهل الكوفة ، وخرجوا الى الشوارع، بين متسائل لا يدري لمن السبايا ، وبين عارف يكفكف أدمعاً ويضمر ندماً . و اتجه موكب السبايا نحو قصر الإمارة ، مخترقاً جموع أهل الكوفة وهم يبكون لما حل بالبيت النبوي الكريم ، ولما اكتسبت أيديهم، وخدعت وعودهم سبط النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وإمام المسلمين الحسين (عليه السلام) ، وها هم يرون أهله ونساءه أسارى، وها هو رأس السبط الشهيد يحلّق في سماء الكوفة، على رأس رمح طويل، وقد دعوه ليكون قائداً للأمة الإسلامية وهادياً لها نحو الرشاد . اليوم وبفضل سيدة السماء تتواصل ملايين البشر من جميع أنحاء العالم إحياء أربعينية الشهيد الامام الحسين عليه السلام وهي تنتصر من جديد بثورة سلمية ضد الظلم والاضطهاد والفساد وتنقل تلك الاحداث الى ملايين اخرى عبر الاعلام ، بوساطة تلك السيدة وهي زينب بنت علي بن ابي طالب التي اختارها الحسين لهذه المعركة والتي انتصر بها الدم على السيف .