14 ديسمبر، 2024 10:49 م

سياسة التقسيم وثقافة الحقد والبغضاء

سياسة التقسيم وثقافة الحقد والبغضاء

تنعم معظم شعوب الارض المتقدمة باستقرار سياسي وازدهار اقتصادي وتسير فيها عجلة الحياة بالرغم من تنوعات شعوبها اثنيا ودينيا وطائفيا. فتلك الولايات المتحدة الامريكية التي صدّرت الينا ديمقراطية الفساد والفشل والتقسيم تتألف شعوبها من أجناس وأعراق متنوعة منها الاوروبي والأفريقي والآسيوي واللاتيني وغيرها وتنتشر فيها ديانات مختلفة كالمسيحية بطوائفها والإسلام بطوائفه واليهودية والبوذية فضلا عن الالحاد وديانات اخرى ما أنزل الله بها من سلطان، وتلك المملكة البريطانية المتحدة بشعوبها الانكليزي والاسكتلندي والويلزي والايرلندي ناهيك عن البريطانيي الجنسية من اصول هندية وصينية ويابانية وحتى عربية… وتلكم الهند الديمقراطية العريقة التي يتجاوز التنوع بين شعوبها المائة وخمسون عرقا ولغة ودينا.. بل وحتى اسرائيل اللملوم اليهودي يتنوع شعبها من أصول مختلفة منها الاوروبي والأفريقي والعربي …الخ وكل من هذه الشعوب تتعايش برغم الكم الكبير من الاختلافات والتنوعات ولا تكاد الفوارق بين الشعب الواحد تذكر انما تلك الشعوب تسمي نفسها بالشعب الامريكي والشعب البريطاني والشعب الهندي … الخ. 

وهكذا كان شعب العراق قبل الغزو الامريكي شعبا واحدا ينتمي لوطن واحد تنعَّم بالديمقراطية الحقيقية لفترة تعتبر بداية تأسيس الدولة العراقية الحديثة لغاية عام 1958 … حتى قرر الاستعمار تشويه هذه الدولة وزجها في اتون انقلابات عسكرية حاول من خلالها تقسيم المجتمع العراقي وخلق النزاعات فيما بينه على أسس سياسية وفكرية فكانت الاحزاب الشيوعية والقومية والإسلامية وساهمت حكومات الانقلابات العسكرية في تأجيج الصراعات بين تلك الاحزاب السياسية لحد الاقتتال وقد عانى شعب العراق كله من تلك النزاعات السياسية ومحاولات التسلط الدكتاتوري وتمخضت تلك النزاعات عن تسلط حزب سياسي واحد على مقدرات العراق بعد ازاحته للأحزاب والقوى الاخرى وحتى هذا الحزب الواحد تم تحجيمه من قبل نظام دكتاتوري فردي

وتمكن العراقيون بالرغم من دكتاتورية النظام أن يبنوا وطنا يسير على طريق التقدم والتطور والمنعة وبالرغم من الحروب الطويلة الامد والحصار الاقتصادي لأكثر من عقد من الزمن إلا ان الشعب كان متوحدا ومتماسكا ومتشاركا بالآلام والمعاناة من الانظمة العسكرية الدكتاتورية والآمال في أن يأتي يوم يتخلص فيه من التسلط الفردي وينعم بديمقراطية حقيقية تليق بإمكاناته المادية والبشرية وحضارته وتطلعاته.

وظن البعض أن الفرصة قد أتت مع الاحتلال الغاشم وان القوة المسلحة والتحالف الدولي سيعيد للعراق ديمقراطيته التي فقدها عام 1958 بسبب أطماع بعض العسكريين وعمالتهم وأن البلد سيستقر أخيرا ويتفرغ ابناؤه لإعادة اعماره وتطويره في ظل ديمقراطية سوية وعملية سياسية تعيد للبلد وجهه الحقيقي … ولكن كما يقال “لا  يثمر الحنظل والشوك وردا” فقوى الاحتلال لم تأتي لتخلص العراقيين من واقعهم وتنقلهم الى واقع أفضل بل أتت لتنشر الفوضى والفشل والفساد وتستولي على الاموال والثروات يؤازرها في مسعاها هذا زمر ضالة وشراذم حاقدة وحثالات منبوذة وعملاء محترفين تم انتقائهم بدقة لينفذوا مشروع الخراب والدمار والفوضى (الخلّاقة) التي لم تخلق سوى القتل والدمار واللصوصية والتفرقة والتقسيم وتم استفزاز واستغلال كل المشاعر الدينية والطائفية والاثنية بغية زرع الشقاق والنفاق وتقسيم الشعب وشرذمته وإضعافه لتحقيق الأهداف والنوايا الدنيئة لقوى الاحتلال وأعوانه ولكل أعداء العراق.

فدُمرت الدولة العراقية والبنى التحتية وجرت اكبر عملية نصب واحتيال وخداع للعراقيين بإيهامهم بديمقراطية زائفة وعملية سياسية فاشلة ودستور فاسد وسياسيين من أشباه الرجال كل همهم التسلط ونهب المال العام وتخريب الوطن والمجتمع وتنفيذ مخططات الأسياد. وقد كشفت سنوات العقد المنصرم حقيقة هؤلاء ونواياهم وانكشفت للعالم أجمع كل عوراتهم.

واليوم وبعد أن انكشف للعراقيين حقيقة هؤلاء القادمين من وراء الحدود وخلف بساطيل المحتل، صار معلوما أن هذه الزمر العميلة لا أساس لها في ارض الواقع، فلو كانت لهؤلاء أي قواعد شعبية او مصداقية ثورية حقيقية لما اضطر المحتل لشن حرب دولية غاشمة ليأتي بهم الى سدة حكم العراق ولكنهم كانوا من سقط المتاع وأراذل القوم ومن الشلل الاجرامية الهاربة من ارض الوطن الذي خانوه وعملوا مع أعداءه المعروفين بنواياهم الشريرة القذرة تجاه هذا البلد وشعبه فكانوا أدلاء لهم وغاطسين في وحل العمالة والخيانة، فمن يُدخِل الاعداء الى داره ويأتي معهم ليسلمهم البلد ويعينهم على تدميره وقتل شعبه وتنفيذ مخططاتهم، لا يمكن له إلا ان يكون سليلا لابن العلقمي وأبي رغال وغيرهم. وقد ثبت عليهم هذا الجرم المشهود خلال السنوات الماضية التي تسلموا فيها زمام الامور وحكموا العراق تحت حماية قوى الاحتلال ورعايتهم ورأى العراقيون بأم أعينهم والعالم أجمع فشلهم وفسادهم وإجرامهم وتبعيتهم المذلة للعدو الاجنبي الاقليمي والدولي.

ولم تكتفي هذه الزمر الضالة بنشر الفساد ومحاولات اشاعة ثقافة الحقد والبغضاء بين ابناء الشعب الواحد ونهب ثروات البلاد وتشكيل المليشيات الاجرامية وقتل العراقيين وتصفيتهم وشرذمتهم وتهجيرهم .. انما أعلنت حكومة العمالة والفساد وعلى لسان رئيسها البائس أن عرب العراق ومسلميهم ليسوا مكونا  واحدا متجانسا مرتبطا بأواصر الدين والقومية والتاريخ والوطن الواحد ولكنهم عبارة عن نقيضين متباينين يمثلان معسكرين متحاربين متخاصمين منذ أكثر من الف عام هما (معسكر الحسين –ع- ومعسكر يزيد!!) .. أفيكون هذا منطقا لرئيس حكومة يفترض به أن يكون راعيا لكل ابناء الشعب والوطن؟ أم أنه منطق أفّاق حاقد على شعب، عزّ عليه أن يراه موحدا متماسكا ضد اسياده المحتلين وأسياده الاقليميين ممن أتوا به الى السلطة رغما عن انف الشعب والدستور والانتخابات والديمقراطية المزعومة الكاذبة ليتولى ولاية ثانية ثم يتبعها بثالثة ليتم انجاز مشروع قوى الحقد والضلالة في استباحة العراق وتقسيم شعبه وسرقة أمواله وثرواته لإضعافه الى الحد الذي يسهل عليهم اخضاعه وجعله تابعا ذليلا لهم.

فقامت هذه الحكومة الفاشلة الفاسدة بإشعال نار حرب شعواء على جزء من شعب العراق كل ذنبهم أنهم طالبوا بحقوق اساسية لكل شعب العراق وطالبوا بتحقيق العدالة وإطلاق سراح الابرياء من مئات الالوف من المعتقلين والمعتقلات فلم تستجب حكومة الظلم والتبعية الدنيئة لمطالبهم السلمية التي استمرت لأكثر من عام بل واجهتها بالحديد والنار وارتكاب المجازر البشعة ضد المعتصمين العزل في الحويجة وغيرها ثم قامت بشن حرب ابادة عليهم بحجة وجود ارهابيي (داعش) في مناطقهم… والمعروف لكل ذي بصيرة أن داعش ما هي إلا صنيعة ايرانية شهدت أحداث سوريا على حقيقتها وأكدتها، وأن الداعشيون ادوات تقاتل ثوار الشعب السوري كما تقاتله قوات النظام البعثي الديكتاتوري ومليشيات حزب اللات أحد الاذرع الاخطبوطية الايرانية اضافة الى المليشيات العراقية الذراع الايرانية الاخرى لقوى الحقد والضلال الفارسي فتأكدت حقيقة الحرب العلنية التي يشنها أتباع ايران وذيولها على بلدين عربيين بتوجيه من نظام الدجل الايراني الذي يستغل الطائفية وأتباعها من المغفلين السذج ليستخدمهم كوقود لنيران حرب يحلم أن يعيد بها امبراطوريته المجوسية البائدة ليصل بواسطتها الى شواطئ البحر المتوسط ويتمدد على حساب دمار وخراب بلدان المنطقة. فأسلوب الحرب المتبع في كلا البلدين هو نفسه القائم على استخدام المليشيات والقوات العسكرية معا اضافة الى استخدام كافة الاسلحة المحرمة دوليا كالغازات الكيمياوية والبراميل المتفجرة … مما يدل على أن الجهة التي تخطط للحرب وتديرها واحدة وتتميز بحقدها الاصفر وغبائها المطبق وتَصرف الاموال الطائلة وتضحي بأرواح اتباعها ممن استطاعت خداعهم وتضليلهم من الامعات وسفهاء العقول من ابناء العراق وسوريا ولبنان ليخوضوا حربا ايرانية فارسية ضد ابناء جلدتهم ويخربوا أوطانهم لتكون امتدادا لبلاد الفرس واستعادة امبراطوريتها التي زالت منذ قرون على أيدي ابناء العروبة والإسلام من أتباع محمد (ص) وصحابته وأهل بيته. وبهذا يتحقق الهدف الذي ابتكرت من أجله ايران دينها الصفوي المحرّف المُفرِّق لخداع البسطاء والسذج وزورت التاريخ أملا في أن يحقق لها ذلك أحلام عصافيرها في يوم ما. فأنفقت بسخاء من أموالها وأموال اتباعها وثروات البلدان الاخرى التي سرقتها بتسلط عملائها بغية الوصول الى غايتها وحل عقدتها التاريخية جرّاء ضياع امبراطوريتها المنهارة. ولكن يأبى الله إلا أن يتم نوره ويحقق كلماته التامات في كتابه المبين ودينه القويم (إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليُضلوا عن سبيل الله… فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يُغلبون والذين كفروا الى جهنم يحشرون…. الانفال-36). وها هم اولئك ثوار سوريا والعراق اليوم يتصدون بكل شجاعة وبسالة لهذا المخطط العدواني الرامي الى احتلال بلدانهم وتخريبها وقتل شعوبها بالجملة أملا في تحقيق أهداف كهنة المعبد الفارسي في التوسع والتمدد في المنطقة، وأولئك هم الاحفاد الحقيقيين والأصلاء للمسلمين الاوائل من أتباع رسول الله المصطفى (ص) وصحابته وأهل بيته يدافعون بشراسة عن دينهم الحق وأوطانهم وأعراضهم ضد هجمة وحشية دموية خطط لها ويقودها نظام الدجل والشعوذة الفارسي وينفذها عملائهم الأذلاء وقطعانهم المُضللة المخدوعة والمشحونة بثقافة الحقد والبغضاء والطائفية المقيتة التي لولاها لما تمكن الاعداء المتربصون من افتعال شرخ عميق بين ابناء الدين والوطن والقومية الواحدة. فالضباب قد انقشع وبانت الحقيقة الساطعة لكل من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد… فليس هناك سوى فسطاطين أحدهما للحق وآخر للباطل فأما الاول فللمدافعين عن القيم السامية العليا والشرف والكرامة، والثاني لأعوان الطاغوت الفارسي وأتباعهم ومطاياهم من السذج المخدوعين بأحابيل الدجل الاعجمي ممن اتخذ منهم أولياء فكان  من الأخسرين أعمالا ممن قال فيهم رب العزة في كتابه المبين (أفحسب الذين كفروا أن يتخذوا عبادي من دوني أولياء إنا أعتدنا جهنم للكافرين نزلا… قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا…. الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا……… الكهف 102- 104)…. وكما قال إمام المسلمين وخليفتهم الراشد الرابع (الحق واضح ابلج والباطل مظلم لجلج) أو كما قال (ع)… فلا بد للحق أن ينتصر ويعلو ولا يعلى عليه ولا بد للباطل أن ينكشف ويندحر مهزوما مخذولا بإذن الله ثم بسواعد من كان الله وحده وليا لهم فهو نعم المولى ونعم النصير.