12 ديسمبر، 2024 4:58 ص

سائرون.. التاريخ.. والمجد الصدري

سائرون.. التاريخ.. والمجد الصدري

دراسة كتلة سائرون تجعلنا أن نؤشر مسيرتها وفق التسلسل التاريخي:
بعد الاحتلال الأمريكي للعراق العام 2003 أصبح مقتدى الصدر رقما صعباً في المعادلة العراقية.. بالتفاف جماهير واسعة من المجتمع الشيعي في وسط وجنوب العراق حوله.. وما لبث أن حرك الجماهير نحو تظاهرات سلمية حاشدة لرفض الوجود الأمريكي وسيطرته على البلاد.. وإلغاء سلطة الحاكم المدني الذي عينته الإدارة الأمريكية.
كما أصبحت صلاة الجمعة في مسجد الكوفة.. كما كان يفعل والده.. ومع كل جمعة كان يتصاعد خطاب الصدر نحو أمريكا ووجودها العسكري.. ومجلس الحكم الذي تم تشكيله بإشرافها.. تمثلت بنهاية المطاف بإعلان الصدر تشكيل جيش المهدي خلال أحد خطب الجمعة في حزيران العام 2003 الأمر الذي مهد للوصول إلى الصدام المسلح في العام 2004 بعد أن أصدر الحاكم الذي عينه الاحتلال على العراق بول بريمر قرارا بإغلاق صحيفة (الحوزة).. التابعة “للحوزة الناطقة “وهو الاسم الذي عرف به مقلدي وأتباع محمد الصدر قبل تسمية “التيار الصدري”.
قامت قوات التحالف بفتح النار على محتجين من أنصار الصدر في النجف اعترضوا على إغلاق هذه الصحيفة واعتقال احد مساعدي الصدر في 4 نيسان العام 2004.. وكانت تلك نقطة التحول في الرفض السلمي الصدري لقوات الاحتلال.. وأدت إلى تصاعد الأحداث الدامية بين أنصار الصدر وجناحه العسكري “جيش المهدي” وقوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية.. الذي توسع تدريجياً ليصبح صراعاً دموياً في جميع محافظات وسط وجنوب العراق.. بعد أن أكد الصدر إن المقاومة السلمية لم تعد مجدية.. وحث أنصاره على “إرهاب العدو”.
بالمقابل أصدرت سلطة الائتلاف المؤقتة مذكرة اعتقال بحق مقتدى الصدر.. وأعلنت انه خارج عن القانون.. مما أنتج تصعيد دموي من قبل عناصر جيش المهدي نحو قوات التحالف في بغداد.. وعدد من المحافظات.. حيث هاجم مسلحيه دورية من فرقة الفرسان الأولى الأمريكية في مدينة الصدر.. أوقع منها ثمانية جنود أمريكيين قتلى.. وإصابة واحد وخمسين جندياً آخر.. وتدمير عدد من الآليات الأمريكية.
استمر القتال لشهرين وامتد بصورة سريعة إلى معظم محافظات وسط وجنوب العراق كالنجف والكوفة وكربلاء والناصرية والكوت.. وسيطر جيش المهدي عليها.. خلال تلك الفترة أعلن الرئيس الأمريكي جورج بوش إن مقتدى الصدر عدو رسمي للولايات المتحدة.. موجهاً قوات التحالف لاعتقاله أو قتله قائلاً: “لا يمكن أن نسمح لرجل واحد بتغيير مسار البلاد”.

القوة العسكرية للتيار الصدري:
ـ جيش المهدي:
يمثل جيش المهدي ولو بطريقة غير مباشرة الجناح العسكري للتيار الصدري.. وقف هذا الجيش ضد القوات الأمريكية وسياستها ورفض اتفاقيات الحكومة مع أميركا.. استمد هذا الجيش رفضه من مرجعهم محمد صادق الصدر حيث كان رافضا لأميركا.. نظموا العديد من المظاهرات ودخل جيش المهدي في مواجهات عسكرية مع القوات الأميركية في العام 2004 حتى 2008.. وفي العام 2009 تشكل لواء اليوم الموعود الذي حل محل جيش المهدي في مواجهة القوات الأمريكية.

صولة الفرسان:
هي العملية العسكرية التي أطلقتها الحكومة برئاسة رئيس الوزراء نوري المالكي.. الذي أشرف عليها إشرافًا تامًا.. بدأت هذه العملية في 25 آذار العام 2008.
استمر القتال قرابة الثلاث أسابيع.. تم وقف القتال بعد إصدار بيانات مقتدى الصدر الداعية إلى إلقاء السلاح.. واستقبال القوات الأمنية بالورود ومصاحف القرآن.. إلا أن الحكومة العراقية قامت بإرسال المزيد من القوات من محافظات عراقية مختلفة.. وصرح رئيس الوزراء بأن الغرض هو القضاء على شبكات الجريمة ومهربي النفط في البصرة.
نفذت العملية لاستهداف قيادات جيش المهدي وضرب أماكن تواجدها.. بإسناد من القوات الأمريكية برآ وجواً.
نتج عن هذه العملية خسائر مادية تقدر بـ 27 مليون دولار.. وخسائر بشرية من الطرفين والمدنين تقدر بـ 1500 قتيل.. وفرضت الدولة سيطرتها بالكامل على المحافظات الجنوبية.

حل جيش المهدي:
أصدر مقتدى الصدر قراراً عقب اشتباكات الزيارة الشعبانية في كربلاء بتجميد أنشطة جيش المهدي كافة اعتباراً من يوم 29 آب / العام 2007.. لمدة أقصاها 6 أشهر من أجل إعادة تنظيمه ويتضمن التجميد حتى الهجمات على القوات الأجنبية في العراق.. وفي يوم 22 شباط العام 2008 أمر مقتدى الصدر من أحد مساجد بغداد جيش المهدي بتمديد وقف إطلاق النار ستة أشهر أخرى.
في تشرين ثاني العام 2013 أعلن مقتدى الصدر عن حل جيش المهدي في محافظة ديالى.. بعد معلومات عن تنظيم استعراض عسكري في المحافظة.. واصفا استعراضهم بـ “البغيض”.. وأكد إن: “هذا الاستعراض ضد توجهات التيار الوحدوية.. ويعد عصيانا واضحا للمرجعية”.. وشدد بالقول: “لعنهم الله وجنبنا حقدهم وعصيانهم”.

قوات سرايا السلام:
في 10 حزيران 2014 تمكن تنظيم داعش من بسط سيطرته الكاملة على محافظة نينوى.. وعلى خلفية ذلك وفي يوم 11 حزيران 2014 أعلن مقتدى الصدر عن تأسيس تنظيم تحت اسم “سرايا السلام” بالتنسيق مع بعض الجهات الحكومية.. وأوضح إن دورها سيكون حماية المقدسات الدينية في العراق من المراقد والمساجد والحسينيات والكنائس ودور العبادة.. التي تتعرض لخطر متوقع.. وأصبح تواجدها المكثف في مدينة سامراء.. وما زالت مستمرة في تواجدها في سامراء.. على الرغم من إن أهالي سامراء بدأت مطالباتهم بفتح المدينة.

كتلة الأحرار:
ـ هي الكتلة النيابية التي كانت ترتبط بالسيد مقتدر الصدر.. تلك الكتلة التي اتخذت من مجد تاريخ آل الصدر جماهيرية واسعة.
في الانتخابات2014.. كان الصدريين يديرون كتلة الأحرار.. وقد فازوا بـ 34 مقعدًا.. في البداية دعموا حكومة حيدر ألعبادي.. حيث عمل بهاء الأعرجي كأحد نواب رئيس الوزراء.
عملت هذه الكتلة بصمت.. وغلبت نهج الإصلاح في خطاب الصّدر منذ منتصف العام 2015.. وانفتاحها على المكونات العراقيّة الأخرى.
مع ذلك.. انسحبوا في وقت لاحق.. ونظموا احتجاجات ضد الفساد الحكومي والطائفية.. وفي 30 نيسان 2016 اقتحم متظاهروا التيار الصدري مجلس النواب نفسه.
ـ سجلت مسيرة هذه الكتلة.. سلبيات وسلوكيات خطيرة لبعض قيادييها.. فانتقد قائدها السيد مقتدى الصدر منهجها.. وسلوك الكثير من أعضائها وقيادييها.. وعاقب بالطرد والتجميد بعض المتهمين بشبهات الفساد من أعضائها.
في 6 كانون الأول 2017 أعلن الصدر تجميد عمل كتلة الأحرار لمدة أربع سنوات.. مبينا أن “هذا القرار جاء لإيجاد معادلة جديدة لتغيير الحلقة المفرغة التي صنعتها الأحزاب في العملية السياسية”.
فيما أشار الناطق الرسمي للتيار الصدري مهدي ألعبيدي: إن “المعادلة الجديدة يجب أن يراعى بها مصلحة المواطن.. ومن يعمل فيها يجب أن يلغي مصلحته أولا ونقصد بذلك كتلة الأحرار”.. نافيا أن “يكون للصدر نية في وجود ذراع سياسي أو دعم آخر غير الأحرار لتمثيل رأيه في العملية السياسية”.
ـ وأخيراً تبرأ مقتدى الصدر من كتلة الاحرار.. بالرغم من تمسك أعضائها باسم السيد في نشاطهم.

كتلة سائرون:
تحالف “سائرون للإصلاح” هو ائتلاف انتخابي شكله السيد مقتدى الصدر من قواعده وجماهيره.. وبإدارة قيادية سياسية من عناصر معروفة جماهيرياً وسياسياً.. تم تشكيله لخوض الانتخابات النيابية العامة العام 2018.. ومكوناته الرئيسية هي: حزب الاستقامة التابع للتيار الصدري.. والحزب الشيوعي العراقي.. وخمس أحزاب أخرى.. وحصل تحالف سائرون على 54 مقعداً نيابياً.. في مجلس النواب في دورته الحالية “2018 ـ 2022”.
ـ نجحت سائرون في صناعة علاقة بين الكتل الإسلامية.. والعلمانية.
ـ فاستوعبت الكثير من الأيدلوجيات والثقافات دون أن تفقد القيادة الصدرية طابعها المحافظ.. أو يؤثر ذلك في خصوصيتها المذهبية الدينية.
ـ استطاعت سائرون تمثيلها للتظاهرات والاحتجاجات المنادية بالإصلاح ومحاربة الفساد والمفسدين.. وشعارهم المعروف (قلع .. شلع).
ـ من هنا تمثلت سائرون بجميع التظاهرات لمدة ثلاث سنوات.. ونجحت سائرون في استيعاب أطروحاتهم الفكرية.. ليشكلوا مدداً ثورياً ضاغطاً من أجل التغيير بالوسائل السلمية.
ـ لم تتوقف علاقة سائرون الإسلامي والعلماني داخلياً.
ـ بل انطلقت لعلاقات إقليمية.. من خلال زيارة قيادة سائرون للسعودية والإمارات.. مما أثار حفيظة الخصوم في الداخل والخارج.
ـ كذلك كان خزيناً استراتيجياً.. ظهر أثره بتقدم سائرون تجاه الكتل الانتخابية الكبيرة.
ـ شكلت سائرون حكومة عادل عبد المهدي باتفاق مع كتلة فتح التي تضم بدر وكتلة دولة القانون وكتل سنية في مقدمتها كتلة خميس خنجر.

الصعود المفاجئ:
ـ الصعود المفاجئ والصادم لسائرون.. أشاع الخصوم بنظرية المؤامرة المخابراتية.. لكن تلك الأوهام لا تستند على وثائق أو معلومات.. عدا تحليلات لم تثبت صحتها.
ـ المشكلة في خصوم سائرون من البيت السيّاسي الشيعي.. إنهم يشعرون بصغر تاريخهم أمام تاريخ آل الصّدر.
ـ سائرون.. منحت رئيس الوزراء عادل عبد المهدي 6 أشهر للبدء بتنفيذ برنامجه.. لكنها لم تستطع لا استجوابه ولا إقالته.. سوى بالكلام كعادتها.
ـ بقيت سائرون تراوح في مكانها.. فلن تستطيع تشكيل كتلة معارضة قوية بعد أن خذلت كتلة النصر.. بقيادة حيدر ألعبادي.. وكتل نظيفة أخرى كان من الممكن أن تكون بجانبها.
ـ توقفت تظاهرات (قلع ـ شلع) التي لم تحقق أهدافها.. بلا أسباب مقنعة.. وخذلت الكثير من جماهيرها.. ظلت في أذهان الجماهير بأنها لعبة سياسية.
ـ ما زالت تحالفاتها غير مستقرة.. وكانت مازالت تعمل وفق توجهات القائد وليس وفق برنامج ثابت.
ـ حاولت سائرون المشاركة تظاهرات الشباب (تظاهرات أكتوبر 2019).. لكن رفض الشباب المتظاهرون مشاركة أي تظاهرات حزبية.. تظاهرات من أحزاب السلطة.. وكادت تقع بعض المناوشات بينهما.
ـ برغم تأييد مقتدى الصدر لمطاليب تظاهرات أكتوبر.. لكن ازدواجية سائرون.. بالمواقف.. فهي مشارك قوي بالسلطة وتريد أن تكون معارضة.. وهي تهدد بإقالة عبد المهدي.. لكنها تلتزم بتوجهات إيران.. وهي تعلن بمحاربة الفساد.. لكن غالبية أقطابها مفسدون حتى العظم.
ـ أخيراً تنازلت سائرون عن حقها بالكتلة الأكبر في ترشيح شخصية لمنصب رئيس الوزراء بديل عن عادل عبد المهدي.. لصالح المتظاهرين بكتاب وجهته الى رئيس الجمهورية في 3 كانون الأول 2019.. وبذلك نأت عن نفسها عن القيام بدورها الدستوري.. وتركت الآمر للمتظاهرين الذين لم يجمعوا لحد ألان على تقديم قيادات يمكن أن تأخذ بها على عاتقها مسؤولية التفاوض أو تحديد الخيارات المتاحة.
ـ بقيً أن نقول إن مواقف الجماهير العراقية المتشككة بالكتل السياسية.. ومواقف الكتلة نفسها المترددة أو المتقلبة أحياناً.. قد تفقد التأييد الحقيقي.. فلن تبقى كتلة جماهيرية حقيقية.. إن لم تطرد من بين صفوفها الانتهازيين والمتهمين بشبهات فساد