26 ديسمبر، 2024 4:15 م

سؤال كبير في التاريخ –ج2 – لماذا لم تستمر مدنية كبيرة كالصين والحكم الإسلامي في قيادة المدنية؟

سؤال كبير في التاريخ –ج2 – لماذا لم تستمر مدنية كبيرة كالصين والحكم الإسلامي في قيادة المدنية؟

2-مدنية الحكم الإسلامي:

الإسلام ليس مدنية ولا أيدولوجيا حزبية ولا هو شريعة تراثية، هو منهج الإنسان كامل الأهلية في كل مفاصل الحياة وقيم تعطي الأهلية والكرامة، وهنا أركز على الأهلية لانها مهمة لاختبار المنظومة العقلية التي هي سبب وجود الآدمية على الأرض، بان تكون هنالك سلالة تعمر الأرض، فكل ما يتعلق بالحياة وإدارتها مدنيا هو اجتهاد بشري والسياسة منها، من اجل هذا كان القرآن مثاني أي طيات حمال أوجه من التفسير والاستفادة منه للتنظير عبر العصور وليس تقديس عصر أو شخصية أومجتهد أو فقيه.

ولعل تنحي الأمة عن ريادة العالم هو فشلها في الإصلاح الهادئ بل نشطت الانقسامات على الراي والظن بامتلاك الحقيقة فكانت فرق انقسمت سياسيا ثم راحت تؤصل لنفسها في الشرع والدين ليكون التكفير وهنا عند هذا المفصل كانت الكارثة والعجز والتنحي التدريجي عن ريادة المدنية في العالم لان العمل السياسي كان بمعزل عن الأمة بل ملغي دورها واعتبرت في كثير من الاجتهادات أن لا إرادة لها ولا اختيار بل كان السلطان وكانه متزوج من الأمة لتتبعه وخروجها عليه كفر، ونرى القرآن ينص على الشورى والتي هي أوسع من مصطلح الديمقراطية، بل أن السيرة تؤكد وجوب رجوع الحاكم إلى الشعب في مستجد وهذا ما رأيناه في سيرة الرسول ص فلم يقل لهم أنا نبي وأتصرف بالحق الإلهي، وإنما من يبايع، أو بايعوني؛ وهو امر واضح في تفاصيل مثلا لا حصرا أحداث غزوة بدر والخندق.

الحكم في الإسلام ليس بشكله وإنما بمحتواه وغايته، فهو يتطور كأي امر مدني مع الزمن لكن يحتفظ بأساس مهم وهو الشورى والانتخابات جزء من الشورى وهي ليست شكلية أو حيلة شرعية كما يخدع البعض أنفسهم بمقاربة الحكم الشرعي مع الواقع دون فهم واستقراء ومن ثم استنباط وإنما تعامل مع النص بمنطوقه ثم مراوغته، اختيار الحاكم هو عقد خدمة للامة وفق شروط تدخل بها عدة عوامل منها الزمان والمكان ونوع المهمة وما يواجه الحاكم وممكن إقالته وتعيين غيره من الشعب …. هذه نقطة مهمة.

الإسلام مر بعصور وأفهام واجتهادات بعضها مقبول في عصرنا وبعضها لا يفي في معالجة الواقع ومواكبة نوع العيش وصغر العالم وتقارب الوقت فالمسلمون لو كانوا على قلب رجل واحد فهم خمس العالم، وهذا يعني وجوب الاستقراء والفهم لمعنى الإسلام وسنن الكون وكيفية التعامل مع المدنية الحديثة وعلوم الاقتصاد والتجارة وتصريف الحالة البنكية وكيفية حماية المواطنين وسلامة علاقتهم مع الله من خلال الموائمة الإيجابية باجتهاد للعصر وليس الذهاب إلى الرموز والمجتهدين عبر العصور لنبحث عندهم حل.

وهنا نذهب للإجابة لمَ؟ لمْ يستمر الحكم الإسلامي في قيادة المدنية…. سنلاحظ أن كل القواعد فقدت، الحكم فقد، الظلم بدأ يشاع، ولولا أن هنالك قناعات ارتكزت على التدين الغريزي وليس الدين لانفرط العقد مبكرا، لكن ما حصل خلق فرق ومعتقدات دخيلة منها الثائر بلا عقل للأمور ومنها المستسلم المستكين وكلها لا تعطي أهمية للإنسان وأهليته، فهنالك انفصال بين الأمة والحكم، وهنالك ضياع في الفكرة الأساس لهذا بدأ الجهل يسود ويحكم الجاهل المتغلب، ويركن اليه العالم ليقنع الجمهور أن يرضا بالاستبداد، فاضحت الأمة عقيمة تدهورت فكريا ومدنيا  واضحت قابلة للاستعمار فهي مستعمرة أصلا، فحل الخراب بدل العمران والجهل بدل العلم، وتغلبت أحادية القيمة حيث يزاح النخب من حب تسلط ذوي الأمراض وبذلك تخسر الأمة أملها بسبب جرأة الفاشل وعجز العالم عن الدفاع عن نفسه فما نحتاجه أن نبني تاريخنا اليوم بلا تعلق برموز أو تقديس بشر لمجرد انه قديم ومنع الجهلة من صراخ يغطي على همس العلم ونقاهته، نحن بحاجة إلى قوارب يقظة تعيد النظر في كل شيء ورفع التقديس عما ليس مقدسا وإبطال ما احدث في التاريخ من سلبيات وفرق ومحن وخزعبلات تجرنا إلى التخلف وتنزع الآدمية عنا لننهض والا كل قوالب أتى بها العجز من أفكار وأيدولوجيات ليست إلا أوهاما تزيد الألم بالانشقاقات وتعطل الطاقات بالانطباعات.

نحو اليقظة:

الصين عندما غادرت سلبيات التاريخ لتكون أمة وليس قبائل عادت لصدارة العالم وبطريقتها السلمية وقوتها الاقتصادية وحنكتها في الإدارة.

أمريكا لولا أنها تخلت عن عوالق الغرب واعتبرت نفسها أمه لم تصل إلى صدارة العالم، كذلك ارتقت اليابان والاتحاد السوفيتي وكل كون مكانته وفق جذوره ومعظمهم يستند إلى مدنيات وليس أفكارا حضارية.

العالم الإسلامي يختلف بوجود الفكر الحضاري لكن هذا الفكر نفسه به إشكالية عندما أصر الناس على تقديس البشر وامتلاكهم للحقيقة فكانوا كزنابير من خلايا متعددة وضعوا في حاوية واحدة لتشتعل بينهم معركة تدمر بعضهم ولا يستطيعون بناء خلية وكل يظن أن هذه خليته ولابد أن يدافع عنها.

إذا أردنا الارتقاء فلا بد من التخلي عن

الموروث البشري الذي لم يعد مناسبا من تفسيرات للقرآن واجتهادات فقهية
التخلي عن الروابط الهابطة التي ترسبت نتيجة الإخفاقات كالقومية والطائفية وتقديس الرموز
استعادة أصل الإسلام كقرآن وسنة وسيرة وتجاوز اجتهادات قاصرة مهما كانت تسميتها غير الإسلام، فلا مذاهب ولا طوائف أو تمجيد فهذه كلها تمثل مفرزات أزمات التاريخ أو الاصطدام بالمدنيات الأخرى، لاباس من اجتهادات متعددة تقود العصر وصالحة لبناءه.
الاعتماد على الإنسان والموارد وتجنيد الهمم للاستفادة من الوقت في النهضة بعد اليقظة وهذه بإدارة حكومية تتبنى رعاية مصالح الأمة في الداخل والخارج والسعي لتسهيل الحياة لمواطنيها.

لابد من إصلاح للجهاز المعرفي وتحويله إلى منظومة معرفية تتفاعل مع الحياة والإنسان، ومخرجات أية مدنية تدل عليها ومكانتها تدل على مشاركتها في الجهد البشري ككل، ولابد من التمييز بين النص الإلهي وتفسير واجتهاد البشر، فالأول يستنبط منه ومقدس والثاني يتغير ويبدل مع الزمن ولا يؤول أو يقدس…….. وإزالة أثر سوء الأفهام على الجهاز المعرفي.

                                                                       

أحدث المقالات

أحدث المقالات